في بيان صادم، كشف مصرف ليبيا المركزي عن وجود 3.5 مليارات دينار مزورة من فئة 50 دينارا جرى ضخّها في السوق خارج الإطار القانوني، ما دفعه إلى سحب هذه الفئة بالكامل، بعد أن تجاوزت قيمة المسحوبات 10.2 مليارات دينار، في حين أن الكمية المصدرة رسميا لا تتعدى 6.6 مليارات .
وأكد المركزي أن هذه العملية تمثل استيلاء غير مشروع على الأموال وتسببت بأضرار جسيمة للاقتصاد الوطني، ما استدعى إحالة الملف إلى النائب العام ومجلس النواب، واتخاذ إجراءات لملاحقة المتورطين .
وفي سياق متصل، قرر المركزي سحب الإصدارين الأول والثاني من فئة الـ (20) دينارا، إضافة إلى الإصدارات السادس والسابع والسابع المعدل من فئة الـ (5) دنانير، وكذلك الإصدارات السادس والسابع والأول من فئة الدينار الواحد، اعتبارا من (17) يونيو الجاري .
وحدد المصرف يوم 30 سبتمبر 2025 كموعد نهائي لقبول هذه الفئات ضمن الحسابات الجارية لدى المصارف .
يأتي ذلك في وقت سجل فيه سعر صرف الدولار ارتفاعا جديدا في السوق الموازية ليصل لأكثر من 7.80 دنانير، وسط تزايد المخاوف من تصاعد فقدان الثقة في العملة المحلية .
إجراءات مهمة لكنها تأخرت
ومن جهته، قال الخبير الاقتصادي سليمان الشحومي، إن إعلان المصرف المركزي عن وجود إصدارات بقيمة 3.5 مليارات دينار من فئة 50 دينارا، خارجة عن المبلغ المصدر أو المتفق عليه خلال فترة الانقسام، يعد خطوة مهمة في كشف أحد أبرز أسباب تدهور قيمة الدينار في تلك المرحلة .
وفي تصريح للرائد أضاف الشحومي، أن ضخ كميات كبيرة من العملة المحلية بشكل غير محسوب، ودون الالتزام بالأصول النقدية والمهنية، شكل ضغطا كبيرا على سوق العملة الأجنبية، وأسهم في زيادة الطلب عليها، وهو ما سبب تدهور في سعر الصرف .
وأشار الشحومي إلى أن ما يقوم به المركزي حاليا يعد إجراء تصحيحيا مهما وإن جاء متأخرا وكان ينبغي اتخاذه في وقت مبكر، معتبرا أن التمديدات السابقة التي أجراها المصرف ربما أخرت هذه الخطوة .
وأضاف الشحومي أن المصرف المركزي يبدو بصدد تنفيذ الإجراءات ذاتها على باقي فئات العملة، وهو أمر إيجابي من شأنه إعادة التوازن للسوق وضبط الكثير من الأمور المتعلقة بسعر الصرف .
وذكر الشحومي أن مسألة سعر الصرف لا تتحكم بها طباعة العملة فقط، إلا أن وجود كميات من العملة خارج الإطار القانوني والمصرفي يشكل عامل ضغط سلبي واضح على الدينار، ويزيد من الطلب على العملة الأجنبية .
وأكد الشحومي أن المركزي بحاجة إلى جهود كبيرة لضبط المشاكل والخروقات التي تراكمت خلال فترة الانقسام، وهذا سيعزز الثقة أكثر في قيمة العملة الوطنية .
تخبط إدارة المركزي يفاقم أزمة الدينار
وفي حديثه مع شبكة الرائد، رأى رجل الأعمال وخبير تحول الطاقة المبروك صالح، أن التخبط وغياب الوضوح في إدارة مصرف ليبيا المركزي، وهو أمر غير متوقع من الإدارة الجديدة، يعد عاملا إضافيا في تدهور قيمة الدينار، وربما يؤدي إلى ما هو أخطر من ذلك .
وقال المبروك إن المركزي يعتمد في الوقت الراهن على السحب من الاحتياطي، وربما يرى أن هذا التخبط مبرر استعدادا لما هو قادم في المستقبل القريب، نتيجة عدة عوامل .
وتساءل صالح : هل هذه العملة مزورة فعلا، أم أنها طبعت بقرار رسمي من مصرف ليبيا المركزي في بنغازي؟
زلزال يضرب الاقتصاد
ومن جانبه، قال الخبير المالي مختار شنشوب، إن إعلان مصرف ليبيا المركزي عن وجود 3.5 مليارات دينار مزورة من فئة 50 دينارا يمثل زلزالا اقتصاديا حقيقيا يهدد أركان الاقتصاد الليبي الهش من أساسه .
وأوضح شنشوب في تصريح لصحيفة العربي الجديد أن هذا المبلغ يعادل نحو 10% من إجمالي الكتلة النقدية المتداولة قبل السحب، وهو ليس تزويرا بل عن انتحار اقتصادي ممنهج .
وأشار شنشوب إلى أن هذه الأموال الوهمية تسرق قيمة الدينار من جيوب كل مواطن يملك دينارا شرعيا، وهذا سيُغذي حلقة مفرغة من التضخم، وتشوهات سوق الصرف، واستنزاف الاحتياطيات، وتغذي الصراع عبر تمويل كيانات مسلحة .
وأكد شنشوب أن هناك مخاطر من فقدان المركزي سيطرته على إصداراته النقدية، والتي تعني فقد السيطرة على أهم ركائز سيادته، مشيرا إلى أن الإشكال الرئيسي يكمن في استمرار قدرة من يقوم على تزوير العملة على طباعتها .
وبين شنشوب أن السحب المفاجئ لمبلغ بهذه الضخامة قد يخلق صدمة سيولة قصيرة المدى، ويصعب على النظام المصرفي استيعابها .
سحب ورقتي 20 و 5 دنانير تأثيره محدود
واعتبر المحلل الاقتصادي مختار الجديد، أن تأثير سحب ورقتي العشرين والخمسة دنانير محدود، وسينتهي تلقائيا مع خروج الورقتين من التداول .
وتابع في تصريح للرائد، أنّ ورقة الخمسين كان لها تأثير سلبي لأنها مرتبطة بوقت ضخها في السوق وليس الآن .
وأكد الجديد أن سعر الصرف يتأثر بعاملين رئيسيين : الأول هو مدى سلاسة بيع النقد الأجنبي على المدى القصير، والثاني هو حجم الإنفاق الحكومي على المدى المتوسط والبعيد .
وفي وقت يزداد فيه الضغط على الاقتصاد وتتسع فجوة الثقة بالعملة الوطنية، هل تنجح هذه الخطوات التصحيحية في إعادة الاستقرار النقدي؟