آخر الأخبار

لماذا يستمر ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء حتى يصل إلى 7.84 دينار / دولار ، رغم أن النقد الأجنبي متاح في المصارف بسعر أقل؟

شارك

في الحالة الليبية لا يُجدي التأسيس على مستوى سعر صرف النقد الأجنبي في السوق السوداء عند رسم سياسات إصلاح سعر الصرف، أو اعتباره سعرا حقيقيا أو سعرا توازنيا تحدده قوى العرض والطلب في سوق تنافسية حرة كما يعتقد البعض ويؤمن به .

لِمَ يقوم المصرف المركزي بضخ المزيد من الدولارات في القطاع المصرفي لمختلف الأغراض، خلال الربع الاول من هذه السنة ، واستمر بعده حتي نهاية النصف الاول من السنة ، حتى بلغ إجمالي ما وفره المصرف المركزي لمختلف الاستخدامات أكتر من 14.2 مليار دولار ، بدون قيود تذكر ، وفقاً للبيانات المنشورة من المركزي ، إلا أن هذه السياسة لم تؤت ثمارها بالسيطرة على السعر وتقليص الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وفي السوق السوداء التي وصلت إلى 2.43 دينار وبنسبة 45% من سعر الصرف الرسمي للدينار بدون الضريبة .

ذلك لأن هذه الدولارات التي يضخها ينتهي معظمها إلى السوق السوداء التي تغذيه بشكل غير مباشر بطرق مختلفة ، وتقع في أيدي كبار قادة السوق ورواده ممن لديهم الاستعداد لشرائها بأي ثمن ، و يعزز هذا الوضع حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار والانقسام المؤسسي ، وانفلات الإنفاق العام وتضخمه .

وأمام هذا الوضع لا يمكن النظر إلى كون سعر الصرف في السوق السوداء سعراً مرجعياً حقيقياً أو اعتباره سعراً توازنياً يتحدد بناءً على قوى العرض والطلب الحرة وغير المشوهة ( حيث يلاحظ أنه كلما ضخ المصرف المركزي المزيد من النقد الأجنبي ارتفع سعره في السوق الموازية !!! ) .

إن السعر في السوق السوداء لا يتحدد في سوق تسودها المنافسة حتى نقول إن سعر الصرف هو سعر مرجعي تنافسي حقيقي ، خلافاً للمتعارف عليه في أسواق الصرف بالدول الأخرى التي يعبّر فيها السعر عن مدى ندرة أو توفر النقد الأجنبي في الاقتصاد .

سعر النقد الأجنبي في السوق السوداء في ليبيا يحدده طرف واحد هو الذي يحتكره احتكاراً مطلقاً ويتحكم في سعره، ولا توجد له روافد أخرى مهمة يمكن أن تؤثر في السعر، والأرجح أن من يحتكر الدولار في السوق ويحدد سعره هو الذي يحتكر السيولة بالدينار ويكتنزها ويديرها خارج القطاع المصرفي لمختلف الأغراض، بما فيها المضاربة والتحكم في السعر والتربح من ورائه ، خصوصا في فترات إلغاء واستبدال أو سحب إصدارات بعض فئات الدينار الليبي .

وفي أفضل الأحوال يمكن أن يوصف السوق بحالة احتكار القلة، فالسوق السوداء تشوه حقيقي خطير في الاقتصاد الليبي وعامل من عوامل عدم الاستقرار .

والشاهد على الطبيعة الاحتكارية للسوق السوداء للنقد الاجنبي في ليبيا ، ما حدث في 25 يناير 2018 عندما انهارت السوق فجأة ، بين عشية وضحاها ، حيث انخفض سعر الدولار في السوق السوداء من حوالي 8 دنانير / دولار إلى 4.5 دنانير / دولار دفعة واحدة ؛ وعاد في اليوم التالي إلى مستوى فوق 8 دنانير / دولار ؛ فالذي خفض السعر هو من رفعه في اليوم التالي .

ولذلك على المصرف المركزي أن يعي طبيعة السوق ومن يتحكم فيها ، والأجدى أن يوجّه سياساته التي تستهدف استقرار سعر صرف الدينار الليبي وإصلاحه وتضييق فجوة السعر، آخذاً في الاعتبار طبيعة السوق وحقيقته والظروف المحيطة ، وتقلبات الإنفاق العام ودوريته .

ولدى المصرف المركزي تجربة ناجحة وسياسة في السيطرة على سعر الصرف في السوق السوداء اتّبعها خلال الفترة 2000- 2002 عندما جرى تعديل وتوحيد سعر صرف الدينار الليبي ، والقضاء على السوق السوداء ، حيث أصبح سعر النقد الأجنبي في السوق السوداء أقل من سعره في المصارف ، مما يعني عملياً القضاء على السوق السوداء . و قد استقر بعدها سعر الصرف حتي عام 2012 .

من المهم جداً فهم طبيعة السوق ، والظروف المحيطة ، ورسم السياسة المناسبة وفقاً لذلك ، حتى لا يجهد المصرف المركزي إمكانياته دون جدوى .

الرائد المصدر: الرائد
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا