واصلت المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه، لقاءاتها مع الشخصيات السياسية العامة، لتسلمها بشكل مباشر نسخا من التقرير النهائي الذي أعدته اللجنة الاستشارية المكلفة بإعداد مقترحات معالجة القضايا الخلافية العالقة.
وبالرغم من أن تيتيه أحجمت حتى الآن عن نشر التقرير علنيا ليطلع عليه عموم الليبيين، إلا أن إشارات مختلفة حملتها تصريحاتها وشروحاتها للعملية الجديدة من جهة، ومن جهة أخرى طريقة إدارتها للقاءات تسليم نسخ اللجنة الاستشارية، توحي أنها ماضية وفق خطة ترمي إلى حماية المشروع من حملات سياسية وإعلامية متوقعة قد تقتله في المهد، إلى حين يصبح ناضجا ويكتسب قاعدة سياسية مؤيدة.
مجرد مقترحات للتقييم
أول ملاحظة أن بعثة الأمم المتحدة لا تختصر لقاءات تيتيه في عنوان “تسليم نسخة من تقرير اللجنة الاستشارية” بل تسمي تلك اللقاءات “مشاورات بشأن مخرجات اللجنة” و “إحاطة عن نتائجها”، ولهذا تكرر أن التقرير تضمن “خيارات وتوصيات لمعالجة القضايا الخلافية في الإطار الانتخابي الحالي في ليبيا”، و أنها “ستراجع وتقيم” هذه التوصيات الواردة لدراسة الخيارات المقترحة”، وترمي على ما يبدو من هذه الطريقة إلى طمأنة جميع الشخصيات والمؤسسات أنها لا تلعب دور المكلف بتبليغ نص جاهز، بقدر ما تريد أن تسمع رأيها ومقترحاتها حول التقرير ومخرجاته.
الرئاسي فردا فردا
واستهلت تيتيه مشاوراتها بلقاءات أجرتها مع أعضاء المجلس الرئاسي بشكل فردي، كل واحد منهم في لقاء شخصي منفصل، وسواء جرى هذا برغبة منها أو طلب من المنفي ونائبيه، فهو جاء في سياق الخلافات العلنية بين الثلاثة، بعد المراسيم المثيرة للجدل، التي قرأ فيها البعض محاولة لاستباق مخرجات اللجنة الاستشارية، بخصوص وقف العمل بقانون المحكمة الدستورية وانتخاب المؤتمر العام للمصالحة الوطنية، وتشكيل المفوضية الوطنية للاستفتاء، ما عده عضو الرئاسي عبد الله اللافي “يتطلب قراراً جماعيًا ولا يمكن الانفراد به” مؤكدا أن”أي إعلان منفرد لا يُمثّل المجلس الرئاسي مجتمعًا، هو والعدم سواء”.
تأجيل النشر العلني
إلى ذلك نقلت تقارير إعلامية عن مصادر في اللجنة الاستشارية، أن البعثة الأممية تنوي نشر “ملخص تنفيذي لمخرجات اللجنة على مراحل” تبدأ بمشاركته مع الشخصيات العامة والأطراف الفاعلة قبل جعله في متناول الجميع، مع اعتبار اللجنة الاستشارية كمرجع دائم يلجأ إليها للاستشارة حسب الضرورة.
وهو الكلام الذي، إن صح، يعني أن المبعوثة الأممية، وبعد عملية التقييم وإعادة صياغة مقترحات الشخصيات الفاعلة التي تلتقيها، ستعود مجددا للجنة الاستشارية لتضمينها في صيغة معدلة للتقرير، مركزة على الأرجح على النقاط الأكثر توافقا، وبالتالي إقامة الحجة على الجميع لأنهم سيتحولون ضمنيا إلى طرف في إعداد التقرير النهائي، الذي تولت فيه اللجنة الاستشارية مهمة تنفيذية أقرب إلى مجرد “أمانة للتلخيص وضبط الصياغة القانونية” وبالتالي السعي إلى توسيع قاعدة التأييد للمسار كله، من خلال حصر نقاط الخلاف والتوافق من خلال المشاورات الجارية.
سيف المادة 64
ويضاف إلى هذا ما جرى تسريبه من التقرير النهائية للجنة الاستشارية في وقت سابق، بشأن اقتراحه تفعيل المادة 64 من الاتفاق السياسي، كمخرج نهائي في حالة لم تتوافق الأطراف الفاعلة على المخرجات النهائية، وهي المادة التي تعيد الكرة إلى فريق للحوار يعالج الاختلالات ويضع مسار الحل على السكة، لكن في الوقت نفسه يتجاوز كل الأجسام القائمة، سواء منها التي تشتغل بشكل طبيعي أو تلك التي تعيش أزمات تمثيل وشرعية ونزاعات داخلية
خارطة طريق توافقية
وقالت” تيتيه” أن أجرت لقاءات منفصلة مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، والنائبين في المجلس الرئاسي عبد الله اللافي والسيد موسى الكوني إضافة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية السيد عبد الحميد الدبيبة. لاستعراض نتائج أعمال اللجنة الاستشارية التي أُنيط بها تقديم مقترحات وخيارات لمعالجة القضايا الخلافية المتعلقة بالانتخابات.
وأكدت” تيته ” أن تقرير اللجنة الاستشارية، بما يتضمنه من توصيات وخيارات، سيشكّل أساساً للحوار مع جميع الأطراف المعنية بشأن خارطة طريق توافقية تقود إلى إجراء الانتخابات، داعية ه إلى تقديم الملاحظات والآراء حول المقترحات الواردة في تقرير اللجنة الاستشارية، كما أعربت عن نيتها التشاور مع أوسع شريحة ممكنة من المجتمع الليبي.
ملاحظات المفوضية
وخلال لقائها برئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، الدكتور عماد السائح.، قالت إن رئيس المفوضية أبلغها عزمهم تقديم ملاحظات رسمية حول الجدوى الفنية للخيارات المقترحة من اللجنة الاستشارية، بما يدعم المفاوضات السياسية.
4 مسارات
من جهته كشف مستشار المجلس الرئاسي للشؤون السياسية، زياد دغيم، عن بعض ما توصلت إليه اللجنة الاستشارية بشأن المسار الانتخابي، مشيرا إلى أن نتائجها قريبة من القانونين 1 و2 الصادرين عن مجلس النواب عام 2021، مع تقديم “معالجات “وصفها بالجيدة لبعض النقاط الخلافية.
وفي مداخلة مع قناة “ليبيا الأحرار”، أوضح دغيم أن من أبرز هذه المعالجات المقترحة إزالة الاقتران بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بحيث “في حال تعذر قبول نتائج الانتخابات الرئاسية يمكن قبول نتائج البرلمانية”، مشيرًا إلى وجود معالجات وصفها بالإيجابية فيما يتعلق بشروط الترشح وبما في ذلك جنسية المتقدم لرئاسة الدولة.
وعن مسارات الحل المطروحة من البعثة الأممية، قال دغيم إن أولها يتمثل في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة ولكن غير مقترنة النتائج.
وأضاف دغيم أن المسار الثاني يتمثل في إجراء انتخابات برلمانية أولا، تتولى تأسيس هيئة لوضع الدستور، ومن ثم يتم انتخاب رئيس للدولة أو مجلس رئاسي.
وتابع دغيم أن المسار الثالث دستوري بحت يناقش وضع أساس دستوري معين تجرى بموجبه الانتخابات، دون التقيد بالضرورة بمسودة الدستور التي أعدتها الهيئة التأسيسية.
أما المسار الرابع، فيقضي بخروج كافة الأجسام السياسية الحالية وتشكيل مجلس تأسيسي يتولى قيادة البلاد نحو الانتخابات، بحسب دغيم.
وذكر دغيم أن المهلة المتداولة حالياً للتوافق على مخرجات اللجنة هي ستة أشهر، وهي مدة يراها المجلس الرئاسي “طويلة جداً”.
وكشف دغيم عن عزم لمجلس الرئاسي طرح استطلاع شعبي عبر مفوضية الاستعلام الوطني والاستفتاء، تشارك فيه البعثة الأممية والمنظمات الدولية، للاستفتاء على مقترحات اللجنة الاستشارية خلال شهرين.