فور إعلان سقوط حكم حزب البعث في سوريا برئاسة بشار الأسد، بعد أكثر من 60 عاما من حكم البلاد بالحديد والنار أثيرت التساؤلات حول “الدب الروسي” حليف بشار الأول ووجوده في المنطقة، وكيفية تدارك خسارته في منطقة البحر المتوسط، بعد ترجيح فقدان قواعدها في سوريا، وهل ستنقل موسكو ثقلها العسكري إلى مناطق أخرى على رأسها ليبيا كبديل لما خسرته في سوريا.
ميناء طبرق البديل
معهد دراسة الحرب الأمريكي رجّح أن يكون لخسارة روسيا قاعدتها في سوريا آثار كبيرة على البصمة العسكرية العالمية لها وقدرتها على العمل في إفريقيا.
ورأى المعهد الأمريكي أن روسيا ستسعى للاستفادة من وجودها في ليبيا أو السودان لتكون بدائل لها، مشيرا إلى أن الافتقار إلى الاتفاقيات الرسمية مع هذه البلدان والبنية التحتية غير الكافية يجعل منها بدائل غير كافية.
ووفقًا لموقع “إيتاميل رادار” الإيطالي المتخصص بالملاحة الجوية، فقد أظهرت الصور الفضائية لميناء طرطوس الثلاثاء أرصفة فارغة وسفنًا روسية متمركزة في عرض البحر على بُعد 10 كيلومترات من الساحل.
وقال الموقع إن شائعات انتشرت تشير إلى إنذار موجه لروسيا، يطالبها بسحب قواتها من سوريا خلال 48 ساعة عقب سقوط نظام الأسد.
وتابع أنه لم يتضح حتى الآن هل يعدّ هذا الانسحاب مؤقتًا أو دائمًا، بينما أوصى الموقع بمراقبة المواني الروسية الصديقة، لتحديد وجهة الأسطول الروسي، خصوصًا ميناء طبرق في ليبيا الذي عدّه في مقدمة المواني التي من الممكن أن ينسحب إليها الأسطول الروسي.
ويضم الأسطول الذي كان يتمركز في ميناء طرطوس الفرقاطتين “الأدميرال غريغوروفيتش” و “الأدميرال غولوفكو”، والغواصة “نوفوروسيسك”، والناقلة “فيازما”.
تقويض نفوذ
المحلل السياسي موسى تيهوساي يرى أن روسيا تعرضت لضربة استراتيجية غير متوقعة في سوريا وانتكاسة لمشروعها الجيوسياسي في المنطقة، وسيكون عليها أن تعيد ترتيب وهيكلة وجودها برمته في منطقة الساحل الإفريقي بشكل يمكنها من الحفاظ على المكاسب الحالية، بناء على البنية التحتية في ليبيا وتطويرها لتعويض ما فقدته في سوريا على الرغم من أن ذلك صعب للغاية.
وأضاف تيهوساي، في تصريح للرائد، أن موسكو ستواجه متاعب أخرى في ليبيا لأن الغرب سينتهز الفرصة بل بدأ يتحرك فعليا لتقويض نفوذ روسيا في هذه المنطقة الاستراتيجية، وأن أمامه فرصة غير عادية لتحقيق ذلك ويتعلق الأمر بشكل أساسي بالأطراف الليبية وهل ستساعد في تقليص وربما إنهاء العلاقة مع الروس أو احتوائهم ومنح “الكريملن” فرصة نجاة من الانكماش غير المسبوق لوجوده خارج الحدود؟
وأشار موسى إلى أنه سيكون أمام حفتر خيارات صعبة في هذا الوضع، وقد يختار في نهاية المطاف علاقات استراتيجية مع الروس بدلا من السعي وراء وعود الغرب غير المطمئنة، لأن إنهاء العلاقات مع الروس سيكون مكلفا للغاية بالنسبة لسيطرة حفتر المطلقة على شرق وجنوب البلاد، وسيكون مجبرا على مجاراة حكومة الدبيبة وهو أمر غير مريح شخص مثل حفتر.
إعادة تموضع
المحلل السياسي والكاتب الصحفي عبد الله الكبير يرى أن ما حدث في سوريا له تداعيات على كل المنطقة العربية، فهو يؤكد أن الثورات العربية حاضرة وحيّة، وأنّ من راهن على فشلها وموتها يرى الآن أوهامه.
وأوضح الكبير، في تصريح للرائد، أن التأثير على ليبيا سيكون من عدة جهات، الأولى عودة الروح لثورة فبراير وقد يثير هذا موجة ثورية جديدة، وعلى الجهة الثانية فقدان حفتر لحليف مهم وعضو سابق في نادي الطغاة العرب، وعلى الجهة الثالثة موقف الروس لأنهم يقيّمون استراتيجياتهم في إفريقيا انطلاقا من المنصة الليبية.
الفيلق الإفريقي
وقال الباحث السياسي المصري علاء فاروق إن أنظار موسكو تتوجه الآن إلى ليبيا كبديل استراتيجي وتعويض قواعدي ومكاني عن خسارتها لحليفها المتواطئ معها دوما بشار الأسد.
وأشار فاروق، في مقال خاص للرائد، إلى أن الدور الروسي سيقوى جدا الفترة القادمة في ليبيا لاستكمال المشروع الأكبر الذي أطلقته موسكو بداية العام الجاري وهو مشروع :الفيلق الإفريقي الروسي” الذي يعد بمثابة القوة الروسية الفاعلة في المنطقة للسيطرة على دول عدة في الساحل والصحراء بعد ما أسست فروعا له في بوركينافاسو والنيجر وتشاد.
ولفت فاروق إلى أن الخسارة الروسية في سوريا ستعوضها تكثيف الوجود العسكري والسياسي والتسليحي في شرق ليبيا، مستغلة حالة الجمود السياسي الذي تمر به ليبيا، وكذلك وجود قوات روسية مسيطرة بالفعل على قواعد جوية استراتيجية في ليبيا لتنقل موسكو بعد ذلك قواتها البحرية من طرطوس إلى بنغازي وجنودها بالآلاف من اللاذقية إلى سرت.
صدمة
موقع “أفريكا إنتليجنس” الاستخباراتي الفرنسي تطرق لتداعيات سقوط نظام الأسد في سوريا وعلاقته الوثيقة مع حفتر الذي أصيب بالصدمة بعد السقوط المفاجئ للنظام السوري، بحسب الموقع.
وقال الموقع، في تقرير له، إن سقوط بشار الأسد لن يمر دون عواقب سلبية على مصالح حفتر، مبينا أن بعد سقوط النظام في دمشق بساعات، وصلت طائرة تابعة لشركة “أجنحة الشام” إلى بنغازي تحمل ضباطا سوريين، مرجحا أن يكون شقيق بشار “ماهر الأسد” من بينهم.
وتابع أن سقوط نظام الأسد قد يدفع موسكو إلى مراجعة استراتيجيتها في المنطقة، بعد أن كانت السفن الروسية تمر عبر ميناء طرطوس وتتوقف في ميناء طبرق، حيث تفرغ معداتها العسكرية وتلتقطها قوات الفيلق الأفريقي وتنقلها برا إلى الدول المجاورة.
وأشار الموقع إلى أن النظام السوري كان يدرب الطيارين الليبيين التابعين لحفتر في سوريا، حيث فقدت قوات حفتر طائرتين مخصصتين للتدريب العسكري من طراز “إل 39 ألباتروس” بعد استيلاء المعارضة السورية على قاعدة النيرب الجوية في 2 ديسمبر الجاري.
تطوير 3 قواعد في ليبيا
وكانت صحيفة “ذا تلغراف” البريطانية كشفت، في تقرير لها الأسبوع الماضي، عن توسيع روسيا وجودها العسكري في ليبيا منذ بداية العام الجاري، عبر إرسال مزيد من الأسلحة والعتاد العسكري والجنود إلى ثلاث قواعد عسكرية رئيسية هي الجفرة وبراك الشاطئ والقرضابية.
وبحسب صور الأقمار الصناعية، بدأت القوات الروسية تجديد وتعزيز المنشآت في قاعدة براك الشاطئ العسكرية وبحلول أبريل الماضي، كانت الطائرات العسكرية الروسية قادرة على الهبوط في براك على مهبط طائرات لم يستخدم منذ سنوات.
وفي أبريل، تمكنت القوات الروسية في أربع مناسبات من توصيل معدات عسكرية عبر ميناء طبرق، تشمل مركبات عسكرية وذخيرة، وصلت بعدها إلى قواعد عسكرية واقعة تحت سيطرة روسيا في أنحاء ليبيا، بينها قاعدة براك الشاطئ، بحسب الصحيفة.
فهل تدخل ليبيا مرحلة جديدة من الصراع الإقليمي في ظل تطور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط؟