في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تونس- فتحت استقالة الأمين العام ل لاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ، أمس الثلاثاء، منعطفا جديدا في أزمة خانقة تعيشها أكبر منظمة نقابية في البلاد، تتقاطع فيها الانقسامات الداخلية مع توتر علاقتها بالسلطة التي يقودها الرئيس قيس سعيد .
وفي تصريح إعلامي أمس، أكد المتحدث باسم الاتحاد سامي الطاهري تقدُّم الطبوبي -الذي يتولى هذا المنصب منذ سنة 2017- باستقالته منه، مشيرا إلى أن الهياكل النقابية ستتباحث حولها.
وكان الطبوبي قد لوّح قبل أيام بإقدامه على هذه الخطوة على خلفية انقسام وجهات النظر وصراع الأجنحة داخل المكتب التنفيذي للاتحاد بين أعضاء يتمسكون بعقد المؤتمر الانتخابي في مارس/آذار المقبل، وآخرين يطالبون بترحيله إلى 2027.
ولا تُعد استقالة الأمين العام نافذة بصفة فورية، إذ يُنتظر أن يبت قسم النظام الداخلي فيها، سواء بإقرارها أو رفضها أو محاولة ثنيه للتراجع عنها. ولم يحدد بعد موعد اجتماع للنظر فيها، إذ ينص النظام الداخلي للاتحاد على دعوة المعني بالأمر في أجل أقصاه 15 يوما، للاستفسار عن أسباب الاستقالة ومحاولة احتوائها، وفي حال تمسكه بها، تصبح نافذة.
وتأتي استقالة الطبوبي في ذروة انسداد سياسي ومواجهة مفتوحة بين السلطة والأجسام الوسيطة كالأحزاب والمنظمات، وعلى رأسها اتحاد الشغل، الذي لم يعد يُسمح له بلعب أي دور في المفاوضات الاجتماعية خاصة المتعلقة بالزيادة في الأجور.
ولم تصدر حتى الآن أسباب رسمية أو تسريبات دقيقة تفسر استقالة الطبوبي، غير أنه من المحتمل أن تكون صعوبة إدارة الصراعات الداخلية داخل المنظمة النقابية قد جعلت استمراره في موقعه أمرا مستحيلا.
من جانبه، قال النقابي الطيب بوعايشة للجزيرة نت إن استقالة الطبوبي تأتي ضمن مسار أزمة متراكمة منذ تنقيح الفصل 20 من النظام الداخلي، الذي أصبح يتيح إمكانية التمديد في المسؤوليات القيادية داخل المنظمة.
وتم تعديل هذا الفصل في المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي بمحافظة سوسة في الثامن والتاسع من يوليو/تموز 2021، بهدف تمكين بعض أعضاء القيادة الحالية من الترشح لدورة ثالثة أو أكثر، خلافا لما كان يسمح به الفصل الأصلي الذي يحدد مدّة المكتب التنفيذي بـ5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
وبعد هذا التعديل، انقسمت الهياكل بين من يتمسّك بتقديم مؤتمر انتخابي في مارس/آذار المقبل احتراما للقواعد الديمقراطية، ومن يرى في عقده في سنة 2027 خيارا مبررا بالظرف العام المتسم بالانسداد، ناهيك عن الاستعداد لتهيئة ظروفه.
وأكد بوعايشة أن ذروة هذه الخلافات سادت أشغال المجلس الوطني للاتحاد في سبتمبر/أيلول 2024، إذ برزت صراعات حادة داخل المكتب التنفيذي أدت إلى استحالة العمل المشترك، مما أدخل المنظمة في حالة عطالة.
وبرأيه، لا تبدو الأزمة داخل الاتحاد نقابية خالصة، إذ تتقاطع مع توتر متصاعد في علاقته بالسلطة التي يتهمها نقابيون باستهداف المنظمة، في وقت قررت فيه قيادته خوض إضراب عام في 21 يناير/كانون الثاني 2026 احتجاجا على إقصائه من قبلها من المفاوضات الاجتماعية حول الزيادة في الأجور وعدم تنفيذ اتفاقات سابقة.
وفي ظل هذا الفصل الجديد من الصراع، يتساءل مراقبون عن تداعيات الاستقالة وعن تأثيرها على مستقبل هذه المنظمة التاريخية. ووسط تواتر الأنباء عن احتمال حدوث استقالات أخرى داخل اتحاد الشغل، يتوقع البعض أن تؤثر الاستقالة على الإضراب المنتظر باعتباره أداة مواجهة مع السلطة للمطالبة بحق التفاوض والعمل النقابي.
وقد تطرح هذه الأزمة خيار تأجيل الإضراب أو حتى إلغائه، مما قد يزيد من إضعاف الاتحاد ويفتح باب احتوائه من قبل السلطة.
من جهته، قال الصحفي بجريدة الشعب التابعة لاتحاد الشغل صبري الزغيدي للجزيرة نت إن هذه الاستقالة من شأنها أن تؤثر على التحضيرات للإضراب العام المزمع تنفيذه يوم 21 يناير/كانون الثاني المقبل. ولم يستبعد كذلك أن تكون لها انعكاسات على دور المنظمة في المشهد الاجتماعي والسياسي في البلاد.
وتباينت ردود الفعل الأولى حول استقالة الطبوبي بين من ركّز على شخصه وخياراته، ومن قرأ الخطوة ضمن سياق أوسع. فقد اعتبر البعض أنه "رغم محدودية تكوينه الأكاديمي"، فإنه ظل نقابيا بعيدا عن الإقصاء الأيديولوجي، ورجل توافق وتهدئة داخل محيط نقابي شديد التسييس.
في المقابل، ذهب آخرون إلى أن الاستقالة تمثل لحظة فاصلة وربما مزلزلة في تاريخ الاتحاد بعد سنوات من التآكل الداخلي والتصدعات في الجسم النقابي، مرجحين أن تتبعها استقالات أخرى وتمهد لمؤتمر قادم يفرز مكتبا تنفيذيا مواليا للسلطة، بما يعني نهاية مرحلة وعودة المنظمة إلى مربع الموالاة.
وبرز رأي يدعو إلى التعاطي البراغماتي مع الحدث، معتبرا أن الأولوية اليوم تكمن في تجاوز الفراغ التنظيمي سريعا عبر إعلان خريطة طريق واضحة للمؤتمر، وتفادي الانزلاق في صراع الخلافة بين شقي المكتب التنفيذي بما يهدد وحدة المنظمة.
وحذر آخرون من تفكك الاتحاد، أحد أهم المنظمات التي ضمنت استمرارية الحياة العامة منذ الاستقلال، معتبرين أن إضعافه أو تفجيره من الداخل ستكون له كلفة اجتماعية ووطنية باهظة. في حين رأى آخرون في الاستقالة فرصة لإصلاح هياكل المنظمة واستعادة استقلاليتها وشفافيتها.
في المقابل، اعتبر أنصار الرئيس قيس سعيد أن الاستقالة ذات طابع تكتيكي وتهدف إلى التهرب من المحاسبة والمسؤولية، مطالبين بمساءلة الطبوبي، رغم تأكيده سابقا أن "كل من يمتلك ملفا ضده أو ضد الاتحاد مدعو لتقديمه إلى القضاء".
المصدر:
الجزيرة