قالت صحيفة ليبيراسيون إن مرسم الإيكولوجيا السياسية (أتيكوبول) في تولوز يدعو الأساتذة الباحثين إلى رفض استخدام الذكاء الاصطناعي قبل فتح نقاش حول الآثار البيئية والاجتماعية لتنامي هذه الأداة.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم أوليفييه مونو- أن فريق البحث هذا، وهو تجمع لباحثين يعملون على التحولات البيئية الجارية وتداعياتها، أطلق الدعوة إلى ما سماه "الاعتراض الضميري" على هذه التكنولوجيا، في ظل التوسع السريع لاستخدام الذكاء الاصطناعي داخل الجامعات الفرنسية، مطالبا بفتح نقاش عام حول آثاره البيئية والاجتماعية.
وقد حظي هذا النداء الذي أُطلق مطلع ديسمبر/كانون الأول بدعم نحو ألفي موقع خلال أسابيع قليلة، مع أن أصحابه لا يهتمون بعدد الموقعين. يقول جان ميشال هوبيه الباحث في الإيكولوجيا السياسية بالمركز الوطني للبحث العلمي: "حتى لو لم نحصل إلا على 10 مؤيدين، لما نقص ذلك شيئا من صواب موقفنا. فالأمر يتعلق قبل كل شيء بمسألة الكرامة الشخصية، كما أن المعترض ضميريا لا يمنع اندلاع حرب، لكنه يرفض المشاركة فيها".
ويرى أصحاب المبادرة أن الذكاء الاصطناعي يسير في اتجاه يتعارض مع القيم الإنسانية ومع الالتزامات المناخية الدولية، مؤكدين أن توسعه يعتمد على استهلاك هائل للطاقة والموارد، ويعمق علاقات غير عادلة بين دول الشمال والجنوب عبر ممارسات استخراجية واستغلال عمالة هشّة.
ويحذر فريق الباحثين -كما تقول الصحيفة- من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يسهم في تسريع التضليل الإعلامي، وتعزيز التبعية للتكنولوجيا، ومنح شركات رقمية عملاقة سلطة متزايدة على المجتمعات.
ويشير الباحثون إلى أن الوسط الأكاديمي نفسه لم يعد بمنأى عن هذه التحولات، إذ بات كثير من العلماء يعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي في كتابة الأبحاث ومراجعتها، وهو ما يثير -حسب رأيهم- تساؤلات عميقة عن معنى الإنتاج العلمي ومستقبله.
وفي القاعات الجامعية، أصبح الاستخدام الواسع لهذه الأدوات من قبل الطلاب أمرا واقعا يفرض نفسه على الممارسات التعليمية من دون نقاش كاف، إلى درجة أن الأساتذة مضطرون إلى إدخال هذا الواقع في ممارساتهم.
الذكاء الاصطناعي يطرح اليوم سؤالا حضاريا كبيرا يتجاوز حدود التكنولوجيا ليشمل نماذج التنمية والمعرفة والعلاقة بين الإنسان والآلة
وشبهت الصحيفة خطوة مرسم الإيكولوجيا السياسية بمبادرات رابطة حقوق الإنسان ونقابة القضاة ومنظمة "كوادراتور دو نِت" التي نشرت مطلع 2025 بيانا من أجل "مقاومة الانتشار الكثيف والمعمم للذكاء الاصطناعي بوصفه مخالفا للحقوق الإنسانية والاجتماعية والبيئية".
غير أن هذه الدعوة -كما تقول الصحيفة- أثارت في المقابل انتقادات من باحثين آخرين يرون أن مقاطعة الذكاء الاصطناعي ليست الحل، وأن المواجهة الحقيقية تكمن في تنظيم استخدامه، ووضع قواعد أخلاقية له، وبناء بدائل نقدية من داخله بدل الانسحاب من الميدان.
وبين هذين الموقفين المتعارضين -كما تخلص الصحيفة- يتفق الطرفان على أن الذكاء الاصطناعي يطرح اليوم سؤالا حضاريا كبيرا يتجاوز حدود التكنولوجيا ليشمل نماذج التنمية والمعرفة والعلاقة بين الإنسان والآلة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة