بينما يبحث السياسيون والدبلوماسيون الأمريكيون والأوكرانيون والأوروبيون تفاصيل خطة السلام التي أطلقتها الولايات المتحدة يناقش الرأي العام الأوكراني النتائج المحتملة لحرب روسيا ضد أوكرانيا . ومن بين الموضوعات التي تتناولها هذه المناقشات "الخطوط الحمراء"، التي لا يمكن تجاوزها تحت أي ظرف من الظروف.
تعكس استطلاعات رأي مختلفة أن غالبية الشعب الأوكراني لا يقبل خطط السلام، التي تتضمن تنازلات عن أقاليم أو لا تنص على ضمانات أمنية.
وأظهرت دراسة أجراها "مركز أوروبا الجديدة" الأوكراني أن ما يقرب من 65 في المائة من المواطنين يرون أن أوكرانيا لا ينبغي أن تدخل في مفاوضات مع روسيا دون ضمانات أمنية وأن أكثر من 86 في المائة مقتنعون بأن تجميد الجبهة لن يؤدي إلّا إلى تأخير عدوان روسي جديد.
كما أظهر استطلاع أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع أن 75 في المائة من السكان يرفضون خطة السلام، التي تجري مناقشتها حاليا والتي تنص على انسحات القوات الأوكرانية من دونباس وفرض قيود على عدد القوات المسلحة الأوكرانية .
ويقول أنطون هروشيزكي من معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع لـ DW: "الغالبية منفتحة على المفاوضات وإنهاء الحرب بالطرق الدبلوماسية، بل ومستعدة لتقديم تنازلات صعبة. لكن في الوقت نفسه ترفض الخطط التي يُنظر إليها على أنها استسلام". وأضاف: "كما نرى فإن غالبية ثابتة من الأوكرانيين مستعدة لتحمل الحرب مادام كان ذلك ضروريا".
تستفيد السلطة الأوكرانية أيضا من هذا الموقف الواضح في المجتمع. ويوضح أولكسي هاران من مؤسسة "المبادرات الديمقراطية" الأوكرانية أن هذه ليست ظاهرة جديدة. ففي عهد الرئيس بيترو بوروشينكو كان الرأي العام قد وضع خطوطا حمراء واضحة لا يجوز تجاوزها.
"اليوم يساعد الرأي العام فولوديمير زيلينسكي على مواجهة ضغوط الولايات المتحدة وتوضيح ما لن يقبله الشعب الأوكراني. رأي المجتمع هو حجة لزيلينسكي في المفاوضات مع الولايات المتحدة. وبمقدوره الإشارة إلى أن السخط يمكن أن يزعزع استقرار أوكرانيا ويؤدي إلى صراع داخل البلاد، وهذا بالضبط ما يريده فلاديمير بوتين "، كما يقول خبير السياسة.
لذلك لن توقع القيادة الأوكرانية أي اتفاقيات قد تثير احتجاجات في البلاد. ويوضح أوليغ ساكجان من "المنصة الوطنية للمرونة والتماسك" في حوار مع DW أن فضيحة الفساد الأخيرة في محيط الرئيس زيلينسكي قد عززت دور الرأي العام كنوع من الضمان في المفاوضات.
"بعد أن أضعفته فضيحة الفساد أصبحت خيارات زيلينسكي للتوصل إلى حلول وسط أكثر محدودية. في الولايات المتحدة ابتهج البعض بالفضيحة وأملوا أن يصبح زيلينسكي الآن أكثر استعدادا للتوصل إلى اتفاق سلام"، يقول الخبير. لكن ما حدث كان عكس ذلك تماما. فالمجتمع الأوكراني لا يترك لزيلينسكي أي مجال للمناورة في المفاوضات.
تظهر الاستطلاعات أيضا أن سكان أوكرانيا مستعدون للاحتجاج ضد السلام المفروض غير العادل. وحسب دراسة أجراها "مركز أوروبا الجديدة" فإن نصف السكان سيخرجون إلى الشوارع إذا قدمت القيادة الأوكرانية في المفاوضات تنازلات يعتبرها المواطنون غير مقبولة.
وحسب أوليه ساكجان يلعب المجتمع الأوكراني دورا حاسما عندما يتعلق الأمر برفض الاتفاقات غير المقبولة. وتدرك الحكومة ذلك جيدا. وحسب الخبير فإن مكتب الرئاسة يعرف، بفضل العديد من الاستطلاعات، أين تقع الخطوط الحمراء بالنسبة للمجتمع.
ويشير ساكجان إلى أن هذه الشروط تشمل عدم وجود ضمانات أمنية وتنازلات عن أراض وإجراء انتخابات دون اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة. لكن خبير السياسة يرى أن الرأي العام قد يتقبل إذا كانت "الجرعة المرة الوحيدة في الاتفاق" هي التنازل عن انضمام بلاده إلى حلف الناتو في ظل ظروف معينة. ولهذا يجب أن يتضمن الاتفاق ضمانات حسب المادة 5 من معاهدة حلف الناتو . هذه المادة تلزم الحلفاء بدعم أي دولة عضو في حالة تعرضها لهجوم.
لكن السؤال الحاسم هو كيف تتوافق نتائج الاستطلاعات مع الواقع السياسي الذي تواجهه القيادة الأوكرانية في عملية التفاوض، كما يرى أولكسندر سوشكو من "مؤسسة النهضة الدولية".
"المجتمع الأوكراني يأخذ مسألة ثمن السلام على محمل الجد. وعلى الرغم من كل مآسي الحرب والخسائر الفادحة في الأرواح التي تدفعها أوكرانيا مقابل استمرار القتال يوميا فإن الأوكرانيين يريدون بوضوح ألا تعرض نتيجة الحرب سيادة الدولة واستقلالها ودعائمها الأساسية للخطر، ولا سيما قدرتها الدفاعية"، كما قال الخبير في حوار مع DW.
وفي الوقت نفسه يعترف بأن البحث عن حلول وسط سيكون صعبا على المجتمع، كما أنه سيشكل اختبارا صعبا للعلاقة بين الدولة والمواطنين.
وإذا كانت مسائل مثل تقليص حجم الجيش وضمانات الأمن وغيرها من القضايا الحساسة موضوع مفاوضات ملموسة بالفعل، فيجب على الحكومة أن تجري حوارا صادقا مع الشعب حولها، كما يرى سوشكو. فبدون مثل هذا الحوار المسبق قد تنشأ توترات خطيرة في البلاد.
أعده للعربية: م.أ.م
المصدر:
DW