آخر الأخبار

الإمارات في السودان.. جدل الدور وحدود النفوذ | الحرة

شارك

منذ اندلاع الحرب في السودان، في أبريل 2023، بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع”، تصاعدت الأسئلة حول تأثير التدخلات الخارجية في مسار الصراع.

في قلب هذا الجدل، برز اسم دولة الإمارات العربية المتحدة، على خلفية تقارير واتهامات سودانية وأخرى إعلامية تحدثت عن دعم مباشر أو غير مباشر لقوات الدعم السريع، عبر إسناد لوجستي أو تمرير أسلحة أو توفير قنوات مالية يُعتقد أنها ساعدت على توسيع نفوذها، خصوصاً في مناطق مثل الخرطوم ودارفور.

ترفض الإمارات رسمياً هذه التهم، وتشدد أن حضورها في السودان “ذو طابع إنساني”، وأنه يركز على الإغاثة وتقديم المساعدات للمتضررين من الحرب.

وبين روايتين متعارضتين، باتت القضية جزءاً من نقاش إقليمي أوسع يرتبط بحسابات الاقتصاد والأمن والسياسة، لا سيما مع الحديث عن الذهب السوداني، والاستثمارات الزراعية، والأهمية الاستراتيجية لساحل البحر الأحمر.

الجدل تعمّق أكثر، بعدما اتهمت الحكومة السودانية رسميا أبو ظبي بالتواطؤ في جرائم جسيمة نُسبت إلى قوات الدعم السريع في غرب دارفور، قبل أن تتطور الاتهامات إلى دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية. وهي الدعوى التي رفضتها المحكمة، في مايو الماضي، حيث تتحفظ الإمارات على المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، التي تشير إلى سلطة محكمة العدل الدولية.

بالنسبة لمحللين إماراتيين، الاتهامات السودانية مجرد مزاعم دون أدلة.

“لم تقدم الحكومة السودانية ملفا إثباتيا متماسكا أمام أي جهة قضائية دولية”، يقول الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي إسماعيل المنصوري.

ويتابع: “الدعوى التي رفعتها الخرطوم الى محكمة العدل الدولية افتقدت الوثائق الحاسمة، مثل عقود نقل السلاح أو أوامر الشحن أو أي شكل من أشكال التتبع القانوني لشحنات سلاح خرجت من الإمارات باتجاه الدعم السريع”.

أما محمد باهارون، المدير العام لمركز دبي لبحوث السياسات العامة، فيقول إن الإمارات واجهت تقارير مشابهة سابقة حول تدخلات لأبو ظبي في اليمن وليبيا وغيرها، لكنها كانت فقط “جزءا من حملات تضليل لا تستند الى أدلة”.

على الطرف الآخر، يقول خبراء في الأمم المتحدة ومشرعون أميركيون بأن ادعاء الجيش السوداني أن الإمارات تزود قوات الدعم السريع بالأسلحة “ذو مصداقية”، وفق ما  نقلت  وكالة رويترز.

وعلى مستوى الحكومة الأميركية، أحجم وزير الخارجية ماركو روبيو عن ذكر الإمارات بالاسم عندما سُئل الشهر الماضي عن دوها في الصراع. لكنه قال: “نعرف الأطراف الضالعة… ولهذا السبب هم جزء من المجموعة الرباعية، إلى جانب دول أخرى مشاركة”.

الفاشر: تصاعد الاتهامات

مع اشتداد المعارك في دارفور وتدهور الوضع الإنساني، برزت مدينة الفاشر كمحطة مفصلية في الجدل السياسي المرتبط بالحرب. فقد تداولت تقارير حقوقية وإعلامية روايات عن انتهاكات واسعة شملت القتل خارج القانون والعنف الجنسي والانهيار الكامل للخدمات الصحية، ما أعاد طرح سؤال: من يدعم الأطراف المتحاربة، وكيف تُبنى قدراتها العسكرية؟

هنا أيضا، رفعت الحكومة السودانية ملفاً إلى مجلس الأمن اتهمت فيه الإمارات بتقديم دعم عسكري لقوات الدعم السريع، ودعت إلى تحقيق دولي بشأن خطوط الإمداد التي تقول إنها ساعدت على تمددها في دارفور.

على الضفة الأخرى، نفت الإمارات مجددا أي دعم عسكري، واعتبرت الاتهامات توظيفاً سياسياً لمعاناة السودانيين. وخرج أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، بتصريح قال فيه إن بلاده لم تنقل أي أسلحة إلى الأطراف المتحاربة منذ بداية الحرب.

أما إسماعيل المنصوري، فيشكك في الاتهامات، واصفا إياها بأنها “تعتمد على تقارير صحفية وقراءات انتقائية لتقارير خبراء أمميين، وشهادات يقدمها ضباط وناشطون محسوبون على الجيش السوداني والحركة الإسلامية”.

الرباعية وأزمة الثقة في الوساطة

انعكست الاتهامات المتبادلة على مسارات الوساطة، خصوصاً في إطار اللجنة الرباعية المعنية بدفع جهود وقف الحرب. فقد اعتبرت أطراف سياسية ومدنية سودانية أن وجود الإمارات ضمن هذا الإطار يثير تساؤلات حول الحياد، في ظل اتهامات تتعلق بعلاقتها بالدعم السريع. وتحوّل ذلك إلى عامل ضاغط على الثقة في أي مقترحات تهدئة تُطرح باسم الرباعية.

من جهة أخرى، يجادل مؤيدو دور الرباعية بأن الأزمة لا تتعلق فقط بتركيبة الوسطاء، بل أساساً بغياب الإرادة السياسية لدى طرفي الحرب، وبأن بيانات الدعوة إلى وقف إطلاق النار والعودة للمسار المدني لم تتحول إلى واقع بسبب استمرار التصعيد الميداني. كما يشير هذا الاتجاه إلى أن المواقف الدولية العامة، بما فيها مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، تُركّز على وقف القتال وبدء مسار سياسي انتقالي، وهي مقاربة تقول الإمارات إنها تتبناها منذ بداية الأزمة.

ذهب وزراعة ومرافئ بحرية

إلى جانب السياسة والأمن، يتصدر الاقتصاد جزءاً أساسياً من النقاش حول نفوذ الأطراف الخارجية في السودان. وتُثار مزاعم متكررة بأن جزءاً كبيراً من الذهب السوداني -عبر قنوات رسمية أو غير رسمية- ينتهي إلى أسواق الإمارات، ما جعل الذهب عنصراً حساساً في روايات تتحدث عن “اقتصاد حرب”. في المقابل، تؤكد الإمارات أنها تشدد إجراءات تنظيم تجارة الذهب ومكافحة أي تدفقات غير مشروعة محتملة.

يبرز أيضا البعد الزراعي في النقاش، مع الحديث عن استثمارات إماراتية في الأراضي السودانية ضمن توجه أوسع لدى دول الخليج عموما لتعزيز الأمن الغذائي. ويتصل هذا المسار بمشروعات بنية تحتية على البحر الأحمر، من بينها مشروع تطوير ميناء أبو عمامة شمال بورتسودان وما يرتبط به من منطقة اقتصادية وخدمات لوجستية، وهو مشروع يُنظر إليه من قبل مؤيديه كرافعة تنموية، بينما يراه منتقدون جزءاً من تنافس نفوذ في واحد من أكثر الممرات البحرية حساسية في المنطقة.

في المقابل، ينفي باهارون أن يكون الصراع على النفوذ جزاء من المقاربة الإماراتية في السودان. “ما تبحث عنه الإمارات هو ارتباط اقتصادي يتطلب وجود دول مستقرة ومؤسسات حاكمة وقادرة على الالتزام بالاتفاقيات”، يقول المدير العام لمركز دبي لبحوث السياسات العامة.

يبقى دور الإمارات في السودان موضوعاً شديد الحساسية، تتنازعه روايات سياسية متصارعة ومصالح اقتصادية وتشابكات أمنية إقليمية. وبين اتهامات سودانية متكررة ونفي إماراتي رسمي، تبدو الحقيقة مرتبطة بقدرة المؤسسات الدولية والآليات الرقابية على تتبع مسارات التمويل والسلاح، وبمدى نجاح أي مسار تفاوضي في وقف الحرب وإعادة بناء الدولة السودانية

الحرة المصدر: الحرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا