آخر الأخبار

30 عاما والبوسنة في سلام بلا مصالحة ودولة بلا سيادة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في يوم 11 مارس/آذار 2006، وفي إحدى زنازين مقر الاحتجاز التابع لمحكمة العدل الدولية لاهاي، وجد حُراس السجن الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفتيش ميتا على سريره بعد أزمة قلبية.

كان ميلوشيفيتش أول رئيس دولة يُحاكم أمام المحكمة على الإطلاق، بعد اعتقاله في العاصمة الصربية بلغراد في ربيع عام 2001، قبل أن يُنقل إلى لاهاي في يونيو/حزيران 2001، حيث واجه هناك تُهَم تخطيط الإبادة بحق أهل البوسنة في النصف الأول من التسعينيات، حين اندلعت حروب يوغوسلافيا، وأسفرت عن تفكُّكها إلى 6 دول، هي: صربيا والبوسنة وكرواتيا وسلوفينيا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية، ثم كوسوفو بعد إعلان استقلالها لاحقا.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 لماذا يهدد ترامب بالحرب على نيجيريا؟
* list 2 of 2 كانديس أوينز.. نجمة اليمين الأميركي التي تدافع عن غزة والمسلمين end of list

أتى خبر وفاة ميلوشيفيتش حينها ونكأ جراحا مرَّت عليها 10 سنوات، إذ كانت الحرب قد وضعت أوزارها باتفاق دايتون عام 1995، بعد أن صمَّم ميلوشيفيتش وقادة النظام الحاكم في بلغراد على إنقاذ ما يُمكن إنقاذه من الدولة اليوغوسلافية تحت هيمنة صربية.

ومن ثمَّ أفلتت مقدونيا بعد إعلان استقلالها ثم نَجَت سلوفينيا بمواجهات محدودة، ودخلت صربيا في مواجهات مع كرواتيا شهدت عنفا واسع النطاق لأول مرة، قبل أن تنفجر المسألة الأكبر بإعلان البوسنة والهرسك استقلالها هي الأخرى، وهي الكيان الأهم والأكثر حيوية بالنسبة لبلغراد لأسباب جغرافية وديمغرافية.

مصدر الصورة تجمّعٌ خلال جنازة سلوبودان ميلوشيفتيش عام 2006 (الفرنسية)

مع الوقت، أفرزت الحرب واقعا لا يزال قائما إلى يومنا هذا، بدءا من خريطة يوغوسلافيا التي تشرذمت إلى دول صغيرة، وصولا إلى الواقع الديمغرافي الذي تغيَّر تحت وقع النزوح والتهجير، وأنتج دولا أكثر تجانسا من كُتلة يوغوسلافيا السابقة.

وأخيرا أنتجت وضعا مُعلَّقا في جمهورية البوسنة والهرسك، التي طُبِّق فيها نظام هجين جمع بين فدرالية هشة، تجمع البوشناق المسلمين والكروات الكاثوليك على ما يربو بقليل من نصف مساحة جمهورية البوسنة والهرسك التاريخية، وكيان صربيّ خالص تقريبا حاز على 49% من الأرض، في حين ظلّ إقليم برتشكو مقاطعة مشتركة بين الكيانين وتخضع لتحكيم دولي.

إعلان

ثمَّ توقَّف القتال دون أن يكتمل تحوُّل سياسي ومؤسّسي كامل، مُذكرا باتفاق السلام الهشّ الذي أنهى الحرب العالمية الأولى، وعبَّد الطريق فعليا لعودة الحرب بعد 20 عاما.

من فرساي عام 1919 إلى دايتون عام 1995، كانت هاتان اللحظتان مرحلتيْن عنوانهما الوحيد إقرار صيغة سلام توقف حرب ضروس، لكن دون بناء دولة أو سلام مستقر. ففي ربيع عام 1919، جلس الدبلوماسيون الأوروبيون في قصر فرساي لصياغة سلام يُنهي الحرب العالمية الأولى، وكان العالم يسعى حينها لوضع حدٍّ للدمار، لكن الاتفاق الذي خرج به لم يُعالج جذور الصراع، بل أوقف الحرب مؤقتا دون إعادة بناء منظومة دولية مُستدامة.

رسمت فرساي حدودا بخطوط المنتصرين، وهياكل سياسية مُشوّهة، وتوازنات قوى مصطنعة، فما لبثت أن انفجرت حرب أخرى، أشد وأكثر إيلاما، بعد عقدين، لذا لم يكُن ما جرى في فرساي سلاما بقدر ما كان تأجيلا للصِّدام.

وعلى الشاكلة نفسها تقريبا، وُلدت اتفاقيات دايتون للسلام في نوفمبر/تشرين الثاني 1995، بمدينة دايتون بولاية أوهايو الأميركية، ووُقِّعت في باريس يوم 14 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، لإنهاء الحرب في يوغوسلافيا السابقة، وتحديدا في دولة البوسنة والهرسك.

وقد أوقفت الاتفاقيات النزيف الدموي في البوسنة، لكنّها لم تبنِ دولة حديثة متماسكة، وتركت إرثا ثقيلا تَمثّل في نظام دستوري مُعقّد يشبه هدنة طويلة تضمن غياب العنف المباشر أكثر مما تُحقق سلاما حقيقيا أو مواطنة مشتركة، تماما كما كتب مهندس الاتفاقيات الدبلوماسي الأميركي ريتشارد هولبروك في مذكراته: "لقد صنعنا سلاما، لكننا لم نبنِ دولة".

مصدر الصورة من اليسار: الرئيس الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش والبوسني علي عزت بيغوفيتش والكرواتي فرانجو تودجمان يوقعون اتفاقية دايتون 1995 (الفرنسية)

دايتون.. رحلة عالقة بين الحرب والسلام

" لقد جئت إلى يوغوسلافيا كي أرى التاريخ من لحم ودم"

بواسطة (ريبيكا وِست، رواية النعجة السوداء والصقر الرُمادي، 1941)

لم يكن نوفمبر/تشرين الثاني 1995 لحظة عابرة في تاريخ البلقان، بل محطة تراكمت عندها 4 سنوات من الحرب والحصار والإخفاق الدبلوماسي، فقد جاءت الدعوة إلى التفاوض في قاعدة رايت-باترسون الجوية في دايتون تتويجا لمسار من الفشل الدولي والتواطؤ الغربي في إيقاف حرب بدأت بصفقات سرية وانتهت بخرائط تُرسَم خارج البوسنة والهرسك، وبعيدا عن مصالحها الوطنية الحيوية.

بدأ العدوان على البوسنة والهرسك في ربيع عام 1992، إثر إعلان سراييفو الاستقلال عن يوغوسلافيا عقب استفتاء شارك فيه البوشناق بكثافة وأقرَّ حق استقلال جمهوريته بأغلبية ساحقة، وحصل على اعتراف دولي سريع.

غير أن ذلك الاعتراف لم يكن كافيا لردع المشروع القومي الصربي بقيادة ميلوشيفيتش، والذي استند إلى تصور توسُّعي من أجل "صربيا الكبرى"، وتغذَّت عليه القيادات العسكرية والأمنية في بلغراد.

لذا، تحركت وحدات من الجيش اليوغوسلافي والقوات الصربية لفرض حصار على المدن البوسنية، بينما دعمت القيادة الكرواتية، بقيادة الرئيس الكرواتي فرانيو تودجمان، تشكيلات قومية سعت إلى إنشاء كيان خاص بها في وسط البلاد وجنوبها.

إعلان

وهكذا وجد البوشناق أنفسهم بين فكي قوتين تتفوقان عليهم عددا وعتادا، وتسعيان إلى إعادة تقسيم دولة حصلت للتو على اعتراف دولي ناجز باستقلالها وسيادتها.

بين عامي 1992-1994، تعاملت القوى الكبرى مع الحرب في البوسنة بوصفها صراعا أهليا بين "جماعات متنازعة"، وهو توصيف خفَّف الإحساس بضرورة التدخل لوقف المجازر، وقد بَدَت الولايات المتحدة مُتردِّدة في الانخراط العسكري المباشر، بينما انقسمت المواقف الأوروبية بين مقاربات حذرة وأخرى مرتبكة، بل ومتواطئة، في حين وقفت الأمم المتحدة عاجزة عن حماية المدنيين حتى داخل ما عُرف بـ"المناطق الآمنة".

شكَّل هذا المزيج من الحذر والارتباك بيئة سمحت باستمرار العمليات العدوانية، وأعطت الأطراف المعتدية إحساسا بأن كلفة التصعيد لن تكون فادحة على المستوى الدولي.

وعندما وقعت مجزرة سريبرينيتسا في يوليو/تموز 1995 وانتشرت صور العدوان الغاشم على شاشات وصفحات كبريات المؤسسات الإعلامية الغربية منها والعالمية، تحوَّلت الجريمة إلى صدمة سياسية وأخلاقية دفعت العواصم الغربية، خصوصا واشنطن، إلى استنتاج أن إدارة الأزمة عن بُعد لم يعُد قابلا للاستمرار.

في منتصف العام 1995، برز اسم ريتشارد هولبروك، الدبلوماسي الأميركي المخضرم، بوصفه مهندسا لمسار تفاوضي جديد يهدف إلى فرض تسوية تنهي الحرب. وانطلق هولبروك من قناعة راسخة لديه بأن الأطراف الثلاثة، البوسنية والصربية والكرواتية، لن تتمكن من الوصول إلى اتفاق من تلقاء نفسها، وأن استمرار النزاع يحمل مخاطر تتجاوز حدود البوسنة.

ومن ثمّ بدأ هولبروك جولات مكوكية استخدم فيها مزيجا من الضغط السياسي وتهديد الصرب بالعزلة الدولية بالتنسيق مع أوروبا لتأمين غطاء سياسي للتسوية، وكان الهدف المباشر منع انهيار كامل للدولة البوسنية، حتى ولو جاءت التسوية على حساب تقاسم عادل للسلطة والأرض.

وحتى نفهم السياقات التي أدت إلى الحل غير العادل الذي فرضه هولبروك على المفاوضين اليوغوسلاف السابقين، يتوجَّب علينا شرح ميزان القوى في تلك المرحلة عندما جلس المفاوضون حول الطاولة في دايتون، حيث كانت موازين القوى مختلة لصالح الصرب.

لقد جاء علي عزت بيغوفيتش ممثلا لدولة مُنهكة ومحاصرة، لكنّها كانت لا تزال صامدة، مستندا إلى تحسن نسبي في أداء الجيش البوسني أثناء السنة الأخيرة، وإلى دعم أميركي منح سراييفو قدرا من الثقة التفاوضية.

وفي المقابل، دخل الرئيس الصربي ميلوشيفيتش المفاوضات من موقع أقوى بعدما نجح في تقديم نفسه دوليا ممثلا للصرب في صربيا والبوسنة على حد سواء، مستفيدا من النفوذ العسكري الذي كرسته قوات صرب البوسنة على الأرض.

أما فرانيو تودجمان، رئيس كرواتيا، فقد شارك وعينه على تثبيت النفوذ الكرواتي في الهرسك الوسطى والجنوبية، مستندا إلى وقائع ميدانية صنعها أثناء الحرب عبر تحالفات متبدلة مع الأطراف الأخرى. وفي ظل هذه الاختلالات، جاءت المفاوضات أقرب إلى إدارة تفاوتات القوة وفرض تسويات كأمر واقع، لا إلى عملية متكافئة لبناء سلام عادل ومتوازن.

وقد قَبِل البوسنيون بالذهاب إلى دايتون لأن الحرب استنزفت قدرات الدولة والمجتمع، ولأن الوعود الغربية قدمت الاتفاق بوصفه بداية محتملة لإعادة بناء مؤسسات الدولة وحمايتها من الزوال.

وقَبِل الكروات لأنهم حصلوا على مكاسب إقليمية وكانوا يسعون إلى تثبيتها داخل إطار قانوني دولي. أما الصرب، فرأوا في الاتفاق فرصة لرفع العقوبات الدولية عن بلغراد وإعادة تقديم ميلوشيفيتش شريكا في الاستقرار.

وهكذا اجتمعت الأطراف حول طاولة واحدة وهي تحمل مستويات متفاوتة من القناعة والثقة، لكن يجمع بينها إدراك مشترك بأن استمرار الحرب لم يعد مُمكِنا، فوُلدت في دايتون تسوية أنهت الحرب عمليا، لكنّها لم تُؤسِّس لبداية بناء دولة طبيعية، بل تركت البوسنة في مساحة بين وقف النار وبناء السلام.

مصدر الصورة هولبروك (الثاني من اليسار) بجانب وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر (وسط) ووفود أخرى أثناء محادثات السلام 1995 (الفرنسية)

دولة تعمل بنصف قلب

"دايتون منحتنا السلام لكنها لم تُعطنا الدولة"

بواسطة (علي عزت بيغوفيتش)

على مدار الأعوام الثلاثين الماضية، كان المواطن البوسني يستفيق كل يوم على حقيقة وجوده في دولة مُصمّمة لتذكّره بأنها لم تكتمل، فهي كيان بوجهين وإدارتين متوازيتين، 3 رئاسات، و3 حكومات، و10 كانتونات، وعشرات البرلمانات والوزارات ذات الصلاحيات المتداخلة، في نظام سياسي يشبه ساعة معقّدة تعمل بنصف قلب، بينما يسحبها نصفها الآخر إلى الوراء.

إعلان

لقد صُمِّم الإطار الدستوري للبوسنة والهرسك في دايتون لوقف النزيف، لا لإنشاء دولة نموذجية، حيث قُسّمت البلاد إلى كيانين: فدرالي يغطي 51% من مساحة البلاد ويضم عشرة كانتونات تعيش فيها أغلبية بوشناقية وكرواتية، وكيان آخر صربي خالص تقريبا، بالإضافة إلى مقاطعة "برتشكو" التي ظلت تتمتّع بحكم ذاتيّ وتحت حكم دولي مباشر.

وقد اعترف هولبروك في مذكراته بأن "الاتفاق لم يكن مثاليا، لكنه كان الوحيد الممكن في تلك الظروف". غير أن ذلك الحل الأدنى أنتج نظاما يُتيح لأي طرف تعطيل القرارات المركزية عبر آلية "حماية المصالح القومية الحيوية"، فيما يُشبه الفيتو الواسع الذي يوقف أي قرارات روتينية حتى من قبيل إنشاء مدرسة أو شراء معدات طبية.

هكذا تحوَّلت البوسنة والهرسك، بعد تعافيها الأولي إلى مساحة سياسية محكومة بفيتو دائم. وأصبح تعطيل الحياة السياسية لأشهر أمرا شائعا بسبب خلافات على مواد دراسية أو تعيينات إدارية، مع اللجوء الدائم إلى ذريعة "المصالح الحيوية" حتى تآكلت فكرة الصالح العام.

ويصف هولبروك ذلك بوضوح قائلا: إن "الاتفاق وضع البلاد على طريق السلام، لكنّه تركها محكومة بخريطة عرقية لا تنتمي للقرن الحادي والعشرين".

وفي هذا السياق، يضيف الفيلسوف البوشناقي الدكتور فريد موهيتش عُمقا إضافيا إلى قضية اتفاقيات السلام، مشيرا إلى أن دايتون "لم تُنهِ الحرب بل جمدتها.. وأنتجت سلاما بلا مصالحة، ودولة بلا سيادة، ومؤسسات بلا مركز".

ويرى موهيتش أن الإشكال لا يقتصر على توزيع السلطات، بل يكمُن في تكريس فكرة أن البوسنة والهرسك دولة أعراق لا دولة مواطنين، مما يُبقي منطق الحرب حاضرا في السياسة اليومية. ويُؤكد أن "دايتون" أسست "ديمقراطية تعايش لا ديمقراطية مواطنة"، حيث يعيش كل طرف في زمنه الخاص بعيدا عن زمن الدولة.

أفضى هذا النظام السياسي الهجين إلى "تضخم مؤسسي" غير مسبوق، حيث مئات الوزارات والإدارات المكررة، والمحاكم المتعددة، ومجالس لا تنتهي، ولا يعكس هذا التضخم قوة بل هشاشة، فكل مؤسسة تتحرك ضمن حدود عرقية، وكل قرار يعبُر بشبكة من الاعتراضات المحتملة.

واليوم، تبدو الدولة وكأنها تتحايل على نفسها لتعمل: تقطع خطوة إلى الأمام مع إصلاحات دولية مفروضة، ثم تتراجع خطوتين إلى الوراء تحت ضغط قوى قومية تدافع عن "مكتسبات" دايتون.

السياق العالمي وصعود النزعات الانفصالية

"إن البوسنة التي أنتجتها دايتون ليست دولة بل جهاز مُعقَّد لإدارة غياب الدولة"

بواسطة (حارث سيلايدجيتش سياسي بوسني بارز شغل مناصب قيادية عدة في البوسنة والهرسك من وزارة الخارجية إلى رئاسة مجلس الرئاسة)

تتشكَّل النزعات الانفصالية في البوسنة ضمن بيئة دولية متحولة تراجع فيها زخم النظام الليبرالي العالمي، وصعدت قوى منافسة أعادت إلى الواجهة منطق توازنات القوة أكثر من منطق الشرعية والمؤسسات الراسخة.

وفي هذا السياق، لم تعد البوسنة مجرد ملف محلي أو إقليمي محدود، بل تحوَّلت إلى ساحة ينعكس فيها اختلال موازين القوى بين الغرب وخصومه، ويتقاطع فيها ضعف المشروع الأوروبي مع تمدد نفوذ قوى دولية أخرى أهمها روسيا.

وقد أدَّى تفكُّك الكثير من مُسلَّمات مرحلة ما بعد الحرب الباردة إلى إضعاف قدرة المؤسسات الدولية على إدارة النزاعات المُركَّبة، لا سيَّما تلك التي تحمل في بنيتها عناصر انقسام إثني وديني عميقة. كما تراجع حضور الأمم المتحدة كفاعل حاسم، وتعثر مشروع الاتحاد الأوروبي، وتفاقمت أزمات الثقة في جدوى توسُّعه شرقا، وكلها عوامل قلصت فاعلية الأدوات التقليدية للضبط والوساطة.

في هذه الفراغات، وجدت النخب القومية بالبوسنة فرصة لتوسيع هامش المناورة، مُتكئة على إدراك متزايد بأن الضغوط الدولية لم تعد حاسمة كما كانت في العقد الذي أعقب توقيع دايتون، ومن ثمَّ تشكّل شعور ضمن شرائح من الطبقة السياسية بأن تكلفة تحدي الدولة المركزية أو تعطيلها أصبحت أقل من السابق، مما شجّع على مراكمة خطوات انفصالية متدرجة بدل الصدام المفتوح.

يدرك الاتحاد الأوروبي أن استقرار البلقان جزء من أمنه الداخلي، وأن البوسنة تمثل حلقة حساسة في هذا الاستقرار، لكنّ قدرته على تحويل هذا الإدراك إلى سياسة فاعلة ظلت محدودة.

إذ يشهد المشروع الأوروبي، في السنوات الخمس الأخيرة على وجه الخصوص، أزمات متداخلة تمثلت في صعود التيارات الشعبوية، مع أعباء ملفي الهجرة وأوكرانيا، وتراجع جاذبية التوسع في أعين المجتمعات المحلية. وضمن هذه المعادلة، أصبح وعد الانضمام إلى الاتحاد أقل إقناعا بوصفه حافزا للإصلاح أو رادعا ضد النزعات الانفصالية.

إعلان

وباتت بروكسل تتردَّد هي الأخرى في استخدام أدوات الضغط على القيادات الانفصالية، سواء عبر العقوبات أو تجميد مسارات التعاون، مما يبعث برسالة ضمنية مفادها أن تكلفة السلوك التصعيدي ليست كبيرة، وأن الاتحاد يُفضّل تجنب المواجهة، حتى لو جاء ذلك على حساب متانة الدولة البوسنية.

وبهذا المعنى، يتحول الاتحاد الأوروبي من مظلة اندماج واستقرار إلى شريك متردد يغذي خطاب التشكيك في جدوى الرهان على أوروبا.

أما الولايات المتحدة فقد كانت لعقود الضامن الأهم لاتفاق دايتون، سواء بدورها في هندسة الاتفاق ذاته، أو عبر حضورها السياسي والعسكري في المنطقة. غير أن التحوُّل في أولويات واشنطن الجيوسياسية وتزايد التركيز على التنافس مع الصين والملفات المشتعلة في الشرق الأوسط وشرق آسيا، أفضى إلى تقليص ملموس في حجم الانخراط المباشر في البوسنة والبلقان عموما.

وقد باتت البوسنة والهرسك حاضرة في الخطاب الأميركي بوصفها قصة نجاح يجب الحفاظ عليها، لكنها غائبة نسبيا عن جدول الأعمال التنفيذي اليومي لصُناع القرار، إلا في لحظات التوتر الحاد.

وخلق هذا الانكفاء النسبي حالة من عدم اليقين استغلها قادة مثل ميلوراد دوديك، رئيس جمهورية صرب البوسنة (صربسكا) ذات الإدارة الذاتية داخل البوسنة، لتوسيع هامش المناورة أمام إدراك متزايد بأن رد الفعل الأميركي لن يكون حاسما ما لم يبلغ التصعيد حد تهديد أوسع للاستقرار الإقليمي أو لمصالح الحلف الأطلسي.

مصدر الصورة ميلوراد دوديك الرئيس السابق لجمهورية صربسكا ذات الإدارة الذاتية داخل البوسنة يلقي خطابا (الأناضول)

موسكو تبحث عن فُرَص

"الصرب مُعجبون ببوتين لأنهم يرون فيه رجل دولة عظيم، وصديق يُمكنهم الاعتماد عليه دوما ويكترث لأمر شعبنا"

بواسطة (ميلوراد دوديك، الرئيس السابق لجمهورية صربسكا ذات الإدارة الذاتية في البوسنة)

حين أُعلِن خبر وفاة ميلوشيفيتش عام 2006، انقسمت العاصمة بلغراد بين مُحتفين بموته، رأوا في سياساته القومية والإثنية السبب في تفكُّك البلاد وتدهور أحوالها الاقتصادية بعد العقوبات الغربية، وبين مُتباكين عليه لما مثَّله في رأيهم من إرادة قومية صربية، متأثرين على الأرجح بتأجيج النّعرات القومية الصربية التي لازمت الحرب، حتى انتهت في منتصف التسعينيات.

بيد أن اللافت للنظر كان الحضور الروسي، الذي تمثَّل في تنديد موسكو بتجاهُل أوضاع ميلوشيفيتش الصحية، والتلويح ببدء تحقيق موازٍ في أسباب وفاته. وكان ميلوشيفيتش على علاقة وطيدة بموسكو، وكذلك أخوه الدّبلوماسي المعروف بوريسلاف ميلوشيفيتش، الذي استقر في موسكو سفيرا ليوغسلافيا الاتحادية، وساهم في تعميق الشراكة بين موسكو وبلغراد بعد اتفاق دايتون، ثم حظي موته هو الآخر عام 2013 باهتمام رسمي روسي ربما فاق ذاك الاحتفاء الذي خُصّص لأخيه.

اليوم، وبعد أن اكتملت عودة موسكو البطيئة إلى موقعها السابق كدولة تتمتّع بنفوذ واسع نسبيا في شرق أوروبا والبلقان، وبعد تراجع نسبي في الحضور الأوروبي والأميركي، تنظر موسكو إلى غرب البلقان، والبوسنة خصوصا، بوصفها ساحة مناسبة لموازنة الضغوط الغربية عليها في فضاءات أخرى تمتد من أوكرانيا إلى البحر الأسود.

ومن هذا المنطلق، يُشكّل أي تفكك محتمل في البوسنة فرصة لإرباك الاتحاد الأوروبي وإشغاله بأزمة إضافية في محيطه المباشر.

ولا يعني ذلك بالضرورة أن روسيا تسعى إلى تفجير الوضع اليوم، لكنّها تستخدم ورقة الانفصال في جمهورية صربسكا أداة للضغط السياسي والإعلامي، وقناة لإعادة إنتاج نفوذ تاريخي في منطقة عُدت تقليديا جزءا من المجال الحيوي للسياسة الروسية في جنوبي شرق أوروبا.

ويمنح هذا الدعم القيادات الانفصالية إحساسا بوجود ظهير خارجي يحميها من العزلة الكاملة، حتى وإن بقيت الخطوط الحمراء الدولية عائقا أمام ترجمة الخطاب الانفصالي إلى واقع قانوني جديد.

مصدر الصورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) وميلوراد دوديك (الفرنسية)

إلى جانب روسيا، تعمل الصين على ترسيخ حضور اقتصادي متدرج في البوسنة وغرب البلقان، مستفيدة من حاجة هذه الدول إلى الاستثمارات في البنية التحتية، ومن فتور الحماس الأوروبي لزيادة الانخراط المالي في المنطقة.

ولا يأخذ هذا الحضور شكل دعم سياسي للنزعات الانفصالية، لكنّه يوفّر بدائل تمويلية تعزز قدرة بعض الكيانات المحلية على التملّص من شروط الإصلاح الأوروبية، لذا، عندما تتسع هوامش البدائل الاقتصادية، تتراجع فعالية أدوات الضغط المالي التي تعتمد عليها بروكسل لكبح الميول الانفصالية.

في الوقت نفسه، تواصل تركيا لعب دور مركّب في البوسنة يجمع بين البعد الرمزي-التاريخي والبعد السياسي-الاقتصادي، فحضور أنقرة يمنح شريحة عريضة من المجتمع البوسني شعورا بوجود سند إقليمي في مواجهة اختلال موازين القوى المحلية، لكنّه يضيف أيضا طبقة جديدة من التنافس على النفوذ، ويُستخدم أحيانا في الخطاب القومي المضاد لتأجيج المخاوف من "تدويل" الهوية والانتماء في البوسنة.

ثمَّة تشابهات هنا مع حالة كتالونيا في إسبانيا مثلا، فقد ساهم ضعف استجابة مدريد للأزمة، وتردد الاتحاد الأوروبي في تبني موقف حاسم، في تعزيز شعور الانفصاليين بأن البيئة الدولية قد تتسامح مع خطوات أحادية إذا جرى تسويقها بوصفها تعبيرا ديمقراطيا عن الإرادة الشعبية.

وفي إسكتلندا أيضا، استندت موجات جديدة من المطالبة بالاستقلال إلى التحولات العميقة التي أحدثها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بما خلق إحساسا بأن العقد السياسي القديم لم يعد ملزما بالقدر نفسه. أما في حالة كوسوفو، فإن الاعتراف الدولي السريع باستقلالها، رغم اختلاف الأسس القانونية والسياسية عن حالة البوسنة، وفَّر مرجعا يستحضره الفاعلون الانفصاليون في المنطقة لتبرير مطالبهم.

لا تهدف هذه المقارنات إلى مساواة الحالات أو إلى إسقاط آلي للنتائج، بل إلى إبراز دور البيئة الدولية في إعادة تعريف كلفة الانفصال وجدواه في نظر الفاعلين المحليين، فحين تضعف المؤسسات الإقليمية والدولية، وتتشتت مواقف القوى الكبرى، وتتراجع جاذبية مشاريع الاندماج الاقتصادي والسياسي، تتغذى الهويات القومية المُغلقة وتجد في خطاب الانفصال مخرجا افتراضيا من الأزمات القائمة.

خريطة تُظهر منطقة البلقان (الجزيرة)

البوسنة ومعادلة عالمية متقلبة

تتقاطع في البوسنة اليوم معظم الشروط التي تجعل النزعات الانفصالية أكثر جرأة وأقل كلفة في آن واحد: ضعف الدولة المركزية، وتراجع واضح في حماس الاتحاد الأوروبي للتوسّع، وإعادة ترتيب الأولويات الأميركية، وحضور روسي نشط، وتوسع الاستثمارات الصينية، ودور تركيا المتنامي.

لا يعني هذا التشابك أن تفكك الدولة أمر وشيك أو محتوم، فميزان القوى الدولي، خاصة في ظل استمرار الشراكة الأطلسية الأميركية-الأوروبية، ما زال يملك القدرة على منع انهيار الدولة البوسنية إذا توفرت الإرادة السياسية. لكنّه يعني أن الهوامش المتاحة أمام الفاعلين الانفصاليين أوسع بكثير مما كانت عليه في السنوات الأولى التي تلت دايتون، وأن الخط الفاصل بين "التعطيل من الداخل" و"الانفصال المُقنَّع" أصبح أكثر هشاشة.

في هذه الظروف، تتحول البوسنة إلى اختبار لقدرة النظام الدولي على الانتقال من إدارة الأزمات إلى معالجتها جذريا، فإما أن تُعاد صياغةُ حضور الفاعلين الخارجيين بما يدعم إصلاحا حقيقيا لاتفاقيات دايتون ويُعزِّز بناء دولة مواطنة، أو أن يستمر الوضع القائم الذي يسمح للنزعات الانفصالية بأن تنمو ببطء داخل جسد دولة مُعلَّقة في ظل مستقبل ضبابي قد يُرجِّح كفة الانفصال في المستقبل البعيد.

لا يُمكننا فهم أزمات البوسنة بمعزل عن تحليل الخريطة الكبرى للعالم في فترة ما بعد الحرب الباردة، فقد وجدت هذه الدولة الصغيرة نفسها تسير على حافة توازن هشٍّ، داخليا بين قوميات ثلاث تتقاسم السلطة بتوجُّس، وخارجيا بين قوى دولية تُطل عليها كنافذة إقليمية لتثبيت نفوذها أو مواجهة نفوذ الآخرين.

وقد دخلت البوسنة القرن الحادي والعشرين تحاول لملمة شتات شعبها في ظل دولة مصطنعة رسمتها الحرب أكثر مما رسمتها معطيات الجغرافيا، وكان تحديها الأكبر التعامل مع عالم متغير، فأوروبا تتكامل ثم تتراجع، وأميركا تتدخل ثم تنسحب، أما روسيا وتركيا فعائدان لفرض وجودهما في البلقان.

ويتطلب رسم سيناريوهات مستقبل البوسنة النظر في ميزان القوى الداخلي وفي التحولات الإقليمية وفي أولويات القوى الكبرى، وأيضا في القابلية المجتمعية لبناء مشروع وطني جامع. وهنا تبرز 4 مسارات رئيسية واقعية في ضوء المعطيات الراهنة:


* الأول هو التصعيد الصربي ثم الانفصال

ويستمد جذوره من تمدد النزعة الانفصالية لدى صرب البوسنة والتراجع الأوروبي والتوظيف الروسي للقضية وضعف المؤسسات المركزية.

ولن يتحقق هذا السيناريو كإعلان صريح، بل سيكون تحققه على خطوات متلاحقة كتلك التي يتبعها ميلوراد دوديك، أي خلق مؤسسات موازية وتعطيل المركز والعمل الدؤوب على تآكل الشرعية تدريجيا.

وهذا هو التآكل الأخطر لأنه يهيئ الأرضية بأن يجعل الانهيار نهاية "عادية" بعد سنوات من التعايش مع "اللا دولة". وإن تحقَّق هذا، فسيفتح الباب لصدامات محلية، ونزوح جديد، ورسم حدود معقد في أكثر المناطق حساسية بأوروبا.


* السيناريو الثاني جمود دايتون

هو الأكثر واقعية، مع دولة اسمية تُدار بتوافقات اضطرارية دون إصلاح، فلا انفصال كاملا ولا وحدة حقيقية، بل استمرار المنظومة الدايتونية.

ويجذب هذا السيناريو القوى الدولية لأنه يُجنب البلاد الانفجار بتكلفة منخفضة، لكن ثمنه باهظ، إذ سيؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان ثقة المواطنين وهجرة العقول وشل مؤسسي مزمن وتآكل المواطنة.


* السيناريو الثالث هو إصلاح منظومة دايتون

وهو الأكثر طموحا، لكنّ ظروفه تتشكّل جزئيا ما بين ضغوط داخلية لبناء دولة طبيعية والتحرُّك الأوروبي مرتبط بأوكرانيا، والحاجة الغربية لتهدئة أطراف القارة.

ولا يعني هذا إلغاء دايتون، بل إعادة بناء دستورية تفضي إلى إلغاء حقوق الفيتو القومي، وتعزيز أداء وشرعية السلطة المركزية، وضمان حقوق الجماعات دون تعريض الدولة للشلل، وربط المسار التصحيحي بالانضمام الأوروبي، وهذا هو الطريق الأكثر عقلانية، لكنّه يحتاج إلى إرادة دولية صلبة وقيادة محلية شجاعة، وهما غائبتان حتى الآن.


* السيناريو الأخير فهو تحوُّل جيوسياسي من خارج البلقان يؤدي إلى تغيُّر خريطته

وهو سيناريو تتبدَّل بموجبه أوضاع البوسنة في سياق أكبر بحيث تكون جزءا من إعادة تشكيل حدود كوسوفو-صربيا، ومن تنافس روسي-غربي في أوكرانيا والبحر الأسود.

وفي هذا السيناريو تصبح البوسنة مفعولا به لا فاعلا، مع ترتيبات مفروضة تتجاوز الوضع الداخلي والإقليم بأسره. لذا قد يُعاد فتح ملف اتفاقيات دايتون، ليس بدافع إرادة محلية، بل بسبب توازنات إقليمية ودولية جديدة.

في نهاية المطاف، فإن مستقبل البوسنة والهرسك ليس قدرا محتوما، بل مسار تصنعه الإرادة السياسية والموازين الدولية وذاكرة الحرب، فالدولة البوسنية اليوم تبحث عن عقد اجتماعي جديد يمنح الأجيال حق وطن لا يُدار بالخوف أو وفق هوية واحدة أو توازنات متقلّبة أو شبح الذاكرة الجريحة.

ما بعد دايتون

"لقد نجحت دايتون في نقل الصراع من الساحة العسكرية إلى الساحة السياسية"

بواسطة روبرتو بِللوني، أستاذ السياسة الدولية والخبير في شؤون البلقان

لا يمكن القول إن البوسنة والهرسك ضحية دايتون وحدها، فهي دولة رهينة تاريخ لم يكتمل ومستقبل لم يبدأ، حيث تعيش منذ نهاية العدوان عليها عام 1995 في "زمن مُعلَّق"، فالحرب انتهت رسميا لكن بنية الدولة السياسية تُبقِي أدواتها حيّة داخل مؤسسات السلام.

ويمكننا القول إن اتفاقيات دايتون أوقفت النزيف بنجاح، لكنّها ثبَّتت خطوط الانقسام وجعلت كل خطوة نحو الدولة انتصارا لطرف وهزيمة لآخر، ومن ثمَّ أطفأت دايتون نار الحرب لكنّ جمرها بُعثِر في أركان الدولة.

وعن سؤال لماذا فشلت البوسنة في عبور عتبة ما بعد الحرب؟ ثمّة إجابات ثلاث:


* الأولى: وجود بنية دستورية تنتج دولة نصف مكتملة تعيش تناقضاتها أكثر من قدراتها.
* الثانية: هيمنة طبقة سياسية تُدير الخوف أكثر منها تدير دولة وتحوُّل الذاكرة إلى خزان تعبئة.
* الثالثة: السياق الدولي المضطرب الذي يجعل البوسنة تنتظر مصيرها بدلا من أن تكون هي مَن تصنعه بأيادي أبنائها.

هكذا أصبحت البوسنة والهرسك نموذجا لـ"الدول المؤجلة" في مساحة رمادية بين حرب وسلام، وبين وحدة معلّقة وانفصال غير مكتمل، وبين غرب وعَد كثيرا ولم يُوفِّ، وبين روسيا التي تستثمر في الشقوق والصين التي تُمهّد لهيمنة اقتصادية، وتركيا الساعية إلى استعادة نفوذها الإمبراطوري التليد.

لقد مرت 3 عقود على لحظة دايتون حاولت فيها البوسنة والهرسك أن تبني دولة في ظل دستور لم يُكتب ليصنع دولة، وأن تؤسس سلاما في ظل ذاكرة لم تتعلّم أن تستريح، وأن تبحث عن مستقبل بينما ظل حاضرها يعيش في غرفة انتظار طويلة ومؤصدة الأبواب.

اليوم، بينما يدخل العالم مرحلة جديدة من الاضطراب من حرب أوكرانيا إلى صعود القوى الإستراتيجية غير التقليدية، تبدو البوسنة مجددا على مفترق طرق حاسم. فإما أن تبقى "دولة مؤجلة" تواصل الدوران في أفق مُغلق، أو تُقرِّر أخيرا أن تفتح عهدا جديدا يتجاوز كل ما اختزنته السنوات الثلاثون الماضية من أوجاع وانقسامات.

إن مستقبل البوسنة والهرسك ليس مجرد سيناريوهات من 4 خيارات، بل اختبار أخلاقي وسياسي لعالم قال إنه تعلَّم من حروب القرن العشرين، ثم ترك جروح البلقان مفتوحة على أمل أن تلتئم وحدها، لكنّها لم تلتئم لأن شروط ذلك لم تتحقق.

قد لا يكون الطريق سهلا، وقد لا يأتي الإصلاح دفعة واحدة، لكنّ أوانه قد حان، وعلى البوسنيين أنفسهم والأطراف الإقليمية والدولية أن تراجع اتفاقيات دايتون، ليس بهدف فتح جراح الماضي، بل لإغلاقها بطريقة عادلة تمنح هذا البلد حقه الطبيعي في أن يكون دولة، لا مجرد مظلة تعيش على وقع هدنة طويلة ومرهقة وغير بنّاءة. إن البوسنة تستحق أكثر من أن تكون "إدارة أزمة"، وأن تصبح دولة ذات إرادة.

وإذا كانت الحروب تبدأ عادة من مشهد صغير يختل فيه التوازن، فإن بناء السلام الحقيقي يبدأ من لحظة يقرر فيها شعبٌ ما أن ينتمي إلى المستقبل أكثر مما ينتمي إلى الماضي، ونأمل أن تكون تلك اللحظة قد حانت في البوسنة لصالح شعوبها على مختلف انتماءاتهم العرقية والإثنية والدينية.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا