في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تحذر هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز من أن الولايات المتحدة تسلك طريقا واضحا نحو التراجع الديمقراطي وفق 12 مؤشرا دوليا في الأنظمة التي تنتقل من الديمقراطية إلى الحكم السلطوي.
وترى الصحيفة، وفقا لافتتاحيتها، أن هذه المؤشرات الاثني عشر تنطبق بدرجات متفاوتة على الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب ، الذي يستخدم سلطاته بأسلوب غير مسبوق وتجاوزات قانونية خطيرة.
وفيما يلي هذه المؤشرات ومدى انطباقها على الوضع في أميركا تحت حكم الرئيس ترامب:
مارست إدارة ترامب ضغوطا مباشرة على وسائل الإعلام، وأجبرت محطات تلفزيونية على وقف برامج انتقدته، كما ألغت تأشيرات طلاب أجانب بسبب آرائهم السياسية، وفتحت تحقيقات ضد منظمات غير ربحية ليبرالية. كما أن انتقاد ترامب العلني للقضاة والمعارضين جعلهم عرضة للتحريض من أنصاره، في محاولة لخلق مناخ يخشى فيه المواطنون من التعبير عن آرائهم.
تحولت وزارة العدل إلى أداة لخدمة مصالح ترامب الشخصية، حيث وجهت اتهامات ضد المدعية العامة في نيويورك ليتيتيا جيمس والمدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي ، وفتحت تحقيقات ضد شخصيات معارضة مثل السيناتور آدم شيف.
وفي المقابل، منح ترامب العفو الكامل لمقتحمي مبنى الكونغرس في السادس من يناير/كانون الثاني، ما يوضح استخدامه القضاء لمعاقبة خصومه وحماية مؤيديه.
تجاوز ترامب صلاحيات السلطة التشريعية في الإنفاق العام، وأوقف تمويلات أقرها الكونغرس لمشاريع تعليمية وبحثية، واستخدم تبرعات من رجال أعمال لتمويل أنشطة حكومية وحتى بناء قاعة في البيت الأبيض . كما فرض رسوما جمركية من دون موافقة تشريعية، في انتهاك مباشر لمبدأ الفصل بين السلطات.
نشر ترامب الحرس الوطني في لوس أنجلوس لقمع احتجاجات رغم معارضة السلطات المحلية، وحاول الأمر نفسه في بورتلاند وشيكاغو، كما أقال ضباطا كبارا بلا مبرر واضح، وتعد هذه الإجراءات محاولة لاستعراض القوة العسكرية داخليا، وهو سلوك شائع في الأنظمة السلطوية.
تجاهلت إدارة ترامب أوامر قضائية فدرالية، كما حدث عندما رفضت الامتثال لأمر بوقف ترحيل مهاجرين إلى السلفادور، ورغم أنه لم يتحدَّ المحكمة العليا مباشرة، فإنه تحايل على أحكام المحاكم الأدنى، مما يضعف استقلال القضاء ويقوض إحدى ركائز الديمقراطية.
لجأ ترامب إلى اختلاق أزمات وهمية لتوسيع صلاحياته، منها ادعاؤه أن عصابة فنزويلية غزت الولايات المتحدة لتبرير قتل مدنيين أجانب في المياه الدولية. كما استخدم الطوارئ لفرض سياسات اقتصادية وأمنية خارج صلاحياته، وهو نهج خطير في تركيز السلطة.
صور ترامب المهاجرين كمصدر تهديد وطني، ونشرت إدارته مقاطع ساخرة لمهاجرين مكبلين، وهاجم المتحولين جنسيا ومنعهم من الخدمة العسكرية، وأنهى برامج التنوع العرقي، وسعى إلى إزالة كتب تتناول العبودية والعنصرية من المكتبات العسكرية. كما روّج لفكرة أن البيض والمسيحيين أصبحوا "ضحايا"، وهي وسيلة كلاسيكية لبناء قاعدة سياسية تقوم على الانقسام.
أقال ترامب رئيس مكتب الإحصاءات بعد نشر بيانات اقتصادية سلبية، وأوقف برامج بحث تتعلق بالمناخ، وسعى للهيمنة على الإعلام عبر الضغط على شركات مثل تيك توك ، وإجبارها على البيع لمستثمرين مقربين منه.
وكذلك رفع دعاوى قضائية ضد صحف كبرى مثل نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال، وفرض تسويات مالية على شركات إعلامية بزعم "التحيز ضده"، في مسعى لإخضاع وسائل الإعلام وتضييق مساحة النقد.
استهدف ترامب التعليم العالي باعتباره مركزا للمعارضة الفكرية، فقلص تمويل الأبحاث، وفرض قيودا على التوظيف والقبول، وأجبر رئيس جامعة فرجينيا على الاستقالة، وتعتبر هذه السياسة محاولة لإسكات الفكر النقدي والحد من الاستقلال الأكاديمي.
انتشرت صور ضخمة لترامب على المباني الحكومية، ونشر مقاطع مصورة يظهر فيها متوجا أو بطلا خارقا، وأصدر عملات رقمية ومعدنية تحمل وجهه احتفالا بالذكرى 250 لاستقلال البلاد، وأصبح وزراؤه يتسابقون إلى الإطراء عليه علنا، مما يعزز صورة القائد المنقذ الذي يربط وجود الدولة بشخصه.
استخدم ترامب الرئاسة لتحقيق مكاسب شخصية مباشرة، من فرض رسوم على حراسه في فنادقه إلى تحصيل ملايين الدولارات من صفقات إعلامية وعقارية. كما تلقى دعما من حكومات أجنبية واستفادت عائلته من النفوذ السياسي، فيما ارتفعت أرباح مؤسسته إلى أكثر من 860 مليون دولار خلال نصف عام واحد فقط.
حاول ترامب إلغاء نتائج انتخابات 2020، ثم في ولايته الثانية ضغط على الجمهوريين للمضي في التلاعب بالدوائر الانتخابية، وأصدر أوامر تنفيذية للتدخل في إدارة الانتخابات داخل الولايات، ورغم أنه لم يتخذ خطوات فعلية لتجاوز الحد الدستوري للولاية الثالثة، فإنه كثيرا ما لمح إلى إمكانية البقاء في الحكم بعد عام 2029.
وفي خلاصة تقييمها، تقول هيئة تحرير نيويورك تايمز إن الولايات المتحدة ليست دولة استبدادية بعد، لكنها بدأت فعلا تسير في هذا الاتجاه، فما زال هناك قضاء مستقل وصحافة حرة إلى حد ما، لكن مظاهر التآكل الديمقراطي باتت واضحة وخطيرة، وتضيف الصحيفة أن التهاون الشعبي والسياسي في مواجهة هذا الانحراف يهدد مستقبل الديمقراطية الأميركية نفسها.
وتختم بالقول إن هذه المؤشرات الاثني عشر تقدم وسيلة لقياس مدى انحدار النظام الأميركي نحو السلطوية، مؤكدة أنها ستحدث هذا "المؤشر الديمقراطي" في عام 2026 لتتبع ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتمكن من وقف هذا المسار أو ستواصل الانزلاق نحو الحكم الفردي.
المصدر:
الجزيرة