آخر الأخبار

الضفة الغربية.. خط أحمر أميركي يعيد رسم معادلات النفوذ

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

ترامب يشدد على أن الضم الإسرائيلي للضفة الغربية لن يحدث

تتحرك السياسة الأميركية هذه المرة بنبرة تحذيرية أكثر منها دبلوماسية. الضفة الغربية باتت الخط الأحمر الجديد الذي يرسم حدود النفوذ بين واشنطن وتل أبيب، ويعيد ضبط مسار اتفاق غزة الهش.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلنها صراحة: الضم لن يحدث، مؤكداً التزامه الشخصي أمام الدول العربية التي منحته ثقتها في مسار السلام.

هذه الرسالة لم تأتِ في فراغ، بل تزامنت مع إجماع عربي وإسلامي على رفض ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وموقف إماراتي حازم جدد التأكيد أن الضفة الغربية "خط أحمر".

بذلك، تقف واشنطن على مفترقٍ حادّ بين دعم إسرائيل وحماية الاستقرار الإقليمي الذي نسجت خيوطه عبر اتفاق غزة.

تحذير واشنطن.. الخط الأحمر الأخير

تحذير إدارة ترامب من خطوات الضم الإسرائيلية حمل طابعاً استثنائياً. فبعد أن هدأت الجبهة في غزة باتفاق هش، تخشى واشنطن أن يشعل نتنياهو جبهة الضفة بما ينسف ما تحقق من مكاسب سياسية وأمنية.

التحركات الأميركية المكثفة – من زيارات نائب الرئيس جي دي فانس، إلى المستشار جاريد كوشنر، ثم وزير الخارجية ماركو روبيو – بدت كجهد منسق لتثبيت الهدنة واحتواء الانفجار المحتمل.

الهدف المعلن هو تثبيت وقف إطلاق النار، لكن الرسالة الضمنية أعمق: أي خطوة أحادية في الضفة الغربية ستعد تجاوزاً لخط أحمر استراتيجي لا واشنطن ولا حلفاؤها العرب يمكنهم تحمله.

التزامات متبادلة بين واشنطن والعرب

في حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية، قدّم مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق ديفيد شينكر قراءة دقيقة لهذا الموقف، مؤكداً أن ما يحدث ليس مجرد رد فعل عابر بل ترجمة لالتزامات متبادلة.

قال شينكر إن الرئيس ترامب قدم "تعهدات واضحة" للدول العربية في مقابل التزاماتها بوقف إطلاق النار في غزة، وإن واشنطن لن تدعم التصرفات الإسرائيلية الأحادية.

وأضاف:


* لن يضع الرئيس نفسه في موقفٍ يخلق له مشكلات مع الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة بسبب خطوات إسرائيلية أحادية.
* ترامب، رغم طابعه غير المتوقع، يدرك أهمية علاقات بلاده مع السعودية والإمارات والأردن ومصر، وهي دول حدّدت صراحة أن الضفة الغربية خط أحمر.
* الموقف الأميركي لن يتغير جوهرياً في المستقبل القريب، حتى مع تغير الإدارات، لأن واشنطن تنظر إلى الضفة باعتبارها محوراً لاستقرار المنطقة وأساساً لشراكتها مع العواصم العربية.

حدود الدعم الأميركي لإسرائيل

يرى شينكر أن الدعم الأميركي لإسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر كان شاملاً، لكن حدوده بدأت تتكشف حين اصطدمت المصالح الأميركية بتصرفات إسرائيلية تتجاهل الحسابات الإقليمية.

وأوضح أن إدارة ترامب «أعربت عن إحباطها» من بعض السلوكيات الإسرائيلية التي تقوض الجهود الأميركية في إنهاء الحرب ودمج المنطقة ضمن اتفاقيات إبراهيم. هذا التوتر في العلاقات ليس الأول، فشينكر يذكّر بما حدث في عهد جورج بوش الأب حين ألغت واشنطن الضمانات المالية لإسرائيل بسبب الاستيطان، معتبراً أن الولايات المتحدة وصلت اليوم إلى لحظة مشابهة من الإحباط الصريح.

ويخلص شينكر إلى أن تصرفات إسرائيل ستنعكس مباشرة على العلاقات الثنائية، لأن الدعم الأميركي «ليس مطلباً من إسرائيل بل تعبير عن الواقع».

ومع تراجع حلفاء تل أبيب حول العالم، يدرك نتنياهو – على حد قوله – أن الحفاظ على علاقة إيجابية وفعالة مع واشنطن أصبح مسألة بقاء سياسي لا خيار فيها.

واشنطن تمسك بخيوط اللعبة

من الجانب الفلسطيني، قدّم إياد أبو زنيط، المتحدث باسم حركة فتح، قراءة موازية تؤكد أن الولايات المتحدة ما زالت تمسك بمفاتيح الاتفاق رغم هشاشته.
يقول أبو زنيط إن واشنطن تترك لإسرائيل مساحة حركة ما دامت قراراتها لا تتعارض مع المصالح الاستراتيجية الأميركية، لكنها تتدخل بقوة حين تمسّ هذه المصالح، كما يحدث اليوم في ملف الضفة الغربية.

في تحليله، يرى أن نتنياهو يميل لتفجير الأوضاع كلما شعر بتهديد داخلي، لكن هذه المرة لن يُسمح له بذلك، لأن أي تصعيد جديد «سيضر بالولايات المتحدة نفسها»، خصوصاً في ظل إدراكها أن إسرائيل المعزولة لا يمكنها الاستمرار من دون غطاء سياسي عربي – وهو ما لا يمكن ضمانه في حال الإصرار على الضم.

الضفة الغربية.. أخطر من غزة

يذهب أبو زنيط أبعد من ذلك حين يعتبر أن اشتعال الضفة الغربية أخطر من انهيار اتفاق غزة، لأن الضفة تمثل رمزاً عقائدياً وسياسياً لكل الأطراف.
يشرح قائلاً إن الدول العربية ترى في الضم خطوة نحو التهجير ونسف القضية الفلسطينية من جذورها، بما يعني نهاية حل الدولتين وغياب أي أفق سياسي.

ويضيف أن للضفة الغربية أبعاداً دينية معقدة – يهودية وإسلامية ومسيحية – تجعل من المساس بها تهديداً لأمن المنطقة برمتها، بل وللاستقرار الدولي، نظراً لحساسية المقدسات في القدس وتأثيرها على الرأي العام العالمي.

من هنا تأتي خطورة الموقف: فبينما تمضي غزة نحو إعادة الإعمار وتسوية الملفات الأمنية، تظل الضفة قنبلة مؤجلة قادرة على إشعال كل الجبهات دفعة واحدة.

الانقسام الفلسطيني نحو نهايته؟

يرى أبو زنيط أن الانقسام الفلسطيني لم يعد قابلاً للاستمرار، مشيراً إلى اجتماعات القاهرة التي تبحث آلية توحيد الموقف الفلسطيني وفق برنامج منظمة التحرير.

ويشير إلى أن الاتفاق يقوم على ثماني نقاط أساسية، أبرزها:

• وحدة الجغرافيا بين الضفة وغزة.

• سلاح واحد وقانون واحد.

• الالتزام بالمقاومة الشعبية والحل الدولي.

هذه البنود، كما يقول، تمثل الأساس الذي ستبني عليه الدول العربية دعمها لأي حل سياسي مقبل، بشرط التزام جميع الفصائل به.

ويؤكد أن حركة حماس مطالبة بترجمة تصريحاتها عملياً عبر تسليم السلاح إلى جهة فلسطينية موحدة – سواء السلطة الوطنية أو كيان فلسطيني تحت إشراف عربي – تمهيداً لإطلاق عملية سياسية جديدة.

القاهرة.. ساحة التنسيق العربي الفلسطيني

يضع أبو زنيط مصر في قلب هذا المسار، مشيراً إلى أن القاهرة تتحرك بمسارات متوازية: دعم المصالحة الفلسطينية، وضبط سلوك إسرائيل، ومنع أي تصعيد جديد.

ويعتبر أن التنسيق المصري مع الأطراف الفلسطينية والعربية يجعل «الخطوة التالية» أكثر نضجاً وواقعية، على عكس ما يريده نتنياهو الذي «ينتظر أي حركة غير محسوبة ليتخذها ذريعة لتفجير الأوضاع».

من وجهة نظره، فإن مصر اليوم تؤدي دور الضامن الإقليمي الذي يوازن بين ضرورات الأمن العربي وحق الفلسطينيين في تمثيل موحد.

إصلاح السلطة ومفهوم «الثمن السياسي»

يتطرق أبو زنيط أيضاً إلى إصلاحات السلطة الفلسطينية بوصفها شرطا لاستعادة الثقة الداخلية والعربية. فالإصلاح السياسي – كما يقول – لا يعني التخلي عن الثوابت الوطنية مثل القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، بل إعادة تفعيل المؤسسات والنظام السياسي بما يخدم مشروع الدولة.

ويشير إلى أن هذه الإصلاحات ستُربط بـ«ثمن سياسي» حقيقي، أي حل سياسي شامل لا يجرّد الفلسطينيين من حقوقهم كما حدث بعد انسحاب 2005.

برأيه، أي حل لا يضع القدس والمقدسات في قلب المعادلة سيكون مرفوضاً فلسطينياً وعربياً على حد سواء.

التحذير العربي من العزلة الإسرائيلية

يلفت أبو زنيط إلى أن العالم العربي أدرك خطورة السياسات الإسرائيلية الأخيرة التي «استهزأت» بالسعودية وأحرجت الحلفاء الإقليميين، ما أدى إلى تآكل الثقة السياسية بإسرائيل.

ويرى أن استمرار إسرائيل في تحدي الإجماع العربي سيجعلها أكثر عزلة، وأن «السياسة الإسرائيلية لا تعيش إلا في ظروف خارجية متوترة وداخلية هادئة»، لكن تلك المعادلة لم تعد قابلة للحفاظ عليها مع تصاعد الرفض الدولي والعربي لأي تصرف أحادي في الضفة الغربية.

بين التحذير الأميركي والوحدة الفلسطينية

بين تحذير واشنطن الحازم من الضم وجهود القاهرة لترميم الصف الفلسطيني، يقف الشرق الأوسط على حافة إعادة تشكل جديدة.

الإدارة الأميركية الحالية، رغم دعمها الثابت لإسرائيل، ترسم اليوم خطوطاً واضحة لحماية استقرار المنطقة ومنع انهيار اتفاق غزة. أما الفلسطينيون، فيخوضون سباقاً داخلياً لإنهاء الانقسام وتوحيد القرار الوطني تحت مظلة منظمة التحرير.

النتيجة حتى الآن أن الضفة الغربية تحولت إلى معيار حاسم لمصداقية الجميع:

• لواشنطن التي تختبر قدرتها على لجم حليفها.

• ولتل أبيب التي تواجه عواقب سياساتها المنفلتة.

• وللفلسطينيين والعرب الذين يسعون إلى ترجمة الإجماع السياسي إلى واقع ميداني.

في النهاية، يبقى السؤال مفتوحاً: هل تملك واشنطن ما يكفي من النفوذ لإيقاف الضم فعلاً، أم أن الخط الأحمر سيتحول إلى اختبار جديد لعلاقاتها مع إسرائيل والعالم العربي؟.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا