في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لم يكن اختيار العاصمة المجرية بودابست لعقد القمة الثانية بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين قرارا عشوائيا، فقد وصف ترامب رئيس الوزراء المجري بقوله "أوربان رجل أحبه، ويحبه بوتين أيضا".
ويُعرف فيكتور أوربان بخروجه عن الإجماع الأوروبي فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، ويتمتع بعلاقات جيدة مع كل من ترامب وبوتين، كما اشتهرت حكومته باستضافة قادة مطلوبين للاعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية مثلما حدث حين استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي استضافه في أبريل/نيسان الماضي.
وعلى الرغم من أن المجر لا تزال عضوة في المحكمة الجنائية الدولية حتى الآن -رغم إعلان نيتها الانسحاب منها في أبريل/نيسان المقبل- فإنه من المرجح ألا تلتزم بودابست بواجبها القانوني في اعتقال بوتين إذا زارها.
ومع ذلك، تبقى زيارة بوتين إلى المجر الدولة التي لا تملك حدودا بحرية وتحدها بلدان جميعها أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو في المحكمة الجنائية الدولية مغامرة محفوفة بمخاطر أمنية وسياسية كبيرة.
بعد مكالمتهما المطولة -والتي استغرقت ساعتين ونصف ساعة حسب المتحدث باسم الكرملين- اتفق بوتين وترامب على عقد قمة جديدة لبحث إمكانية إنهاء الحرب في أوكرانيا، لكن المكان الذي وقع عليه الاختيار كان عاصمة دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي وعضوة في الناتو ومحاطة بدول تتمتع بالمواصفات ذاتها.
وقد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 تشمل إغلاق المجال الجوي الأوروبي أمام الطيران الروسي.
فوفقا لوكالة سلامة الطيران الأوروبية يُحظر على الطائرات الروسية التجارية والخاصة دخول أجواء الاتحاد الأوروبي، مع استثناءات محدودة تتعلق بالحالات الإنسانية أو الدبلوماسية بشرط الحصول على استثناءات من الدول المعنية.
وليست العقوبات الأوروبية العقبة الوحيدة أمام سفر بوتين، فهو يواجه مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وذلك على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب، خصوصا الترحيل القسري لعشرات آلاف الأطفال الأوكرانيين من المناطق المحتلة.
وتعتبر جميع دول الاتحاد الأوروبي -بما في ذلك المجر- أعضاء في محكمة الجنايات وموقعة على نظام روما الأساسي الذي ينص في مادته الـ27 على أن القانون يسري على الجميع دون استثناء، بمن في ذلك رؤساء الدول، وهو ما يجعل الدول الأعضاء ملزمة من حيث المبدأ بالتعاون مع المحكمة.
أورد تقرير لصحيفة تلغراف البريطانية تحت عنوان "كيف يمكن لبوتين الوصول إلى المجر دون أن تسقط طائرته أو يُعتقل؟" أن الرئيس الروسي يخاطر بالاعتقال أو الهجوم أثناء توجهه جوا للقاء ترامب.
وحدد التقرير الذي أعده محرر الشؤون الأوروبية في الصحيفة جيمس كريسب 3 مسارات يمكن أن يسلكها بوتين للوصول إلى بودابست:
كانت الرحلات الجوية المباشرة من موسكو إلى بودابست تستغرق نحو 3 ساعات، مرورا فوق بيلاروسيا وغرب أوكرانيا.
لكن الطيران في المجال الجوي الأوكراني الآن قبل الحرب مستحيل عمليا بالنسبة لبوتين، لأن سماءه منطقة حرب نشطة ومحفوفة بالمخاطر بشكل لا يصدّق، ولا سيما عبر مناطقها الغربية الخارجة عن السيطرة الروسية.
وحتى في حال عدم صدور توجيه رسمي بمحاولة إسقاط طائرة بوتين فإن القوات المارقة التي تمتلك أسلحة ثقيلة قد تحاول شن هجوم.
هناك احتمال آخر لبوتين، وهو سلوك طريق مدته 5 ساعات عبر بيلاروسيا وصولا إلى بولندا قبل الانعطاف جنوبا عبر سلوفاكيا إلى المجر.
وسلوفاكيا مثل المجر متعاطفة بشكل ملحوظ مع موسكو على الرغم من عضويتها في الاتحاد الأوروبي.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، استخدم رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو حق النقض (فيتو) لمنع فرض عقوبات أوروبية جديدة على روسيا، كما تحدى الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من هذا العام بالسفر إلى موسكو، حيث صافح بوتين وحضر عرض يوم النصر الروسي.
وهذا المسار وإن كان ربما سهلا فيما يتعلق بسلوفاكيا لكنه لن يكون كذلك بالنسبة لبولندا، إذ طالما اشتكت بولندا من اختراق الطائرات المسيرة الروسية أجواءها، وقد أبلغت روسيا سابقا أنه لا ينبغي لها "التذمر" إذا أُسقطت طائراتها أو صواريخها فوق أراضي دول الناتو.
وإن كانت الصحيفة تستبعد أن تستهدف وارسو طائرة بوتين الرئاسية، لأن ذلك الاستهداف قد يشعل فتيل حرب عالمية ثالثة، لكنها ترى أن وجود هذا الاحتمال الضئيل يجعل هذا المسار غير مناسب سياسيا وعسكريا لبوتين.
يستغرق المسار الأكثر منطقية لبوتين 8 ساعات، ويمتد جنوبا إلى تركيا العضوة في الناتو، والتي تجنبت قطع العلاقات مع موسكو.
ويمكن لبوتين عبر المجال الجو التركي أن يتجنب اليونان ويعبر البحر الأبيض المتوسط والبحر الأدرياتيكي قبل التوجه شمالا نحو الجبل الأسود ثم صربيا فالمجر.
ولعل المخاطرة الوحيدة في هذا المسار هي المرور عبر الجبل الأسود العضو في المحكمة الجنائية الدولية وحلف الناتو، أما صربيا فلا تزال أحد حلفاء روسيا الأوروبيين القلائل.
وهناك سابقة لمثل هذا المسار المعقد حسب التلغراف، ففي وقت سابق من هذا العام غيّر نتنياهو مسار رحلته المعتاد من إسرائيل إلى نيويورك متجنبا أوروبا القارية ومستخدما مضيق جبل طارق بدلا من ذلك.
رجح تقرير لمراسل "بي بي سي" للشؤون الأوروبية بول كيربي بعنوان "هل يمكن "للكرملين الطائر" أن يعبر المجال الجوي للاتحاد الأوروبي إلى بودابست؟" أن يسافر بوتين إلى بودابست على متن طائرته الرئاسية نفسها التي حملته إلى قمة ألاسكا، وهي طائرة ركاب معدلة من طراز "إليوشن إيل-96" تُعرف باسم "الكرملين الطائر" ومزودة بـ4 محركات وأنظمة دفاعية.
وأكد التقرير أن المجر -التي لا تطل على أي بحار- ليست الوجهة الأسهل لرئيس روسي نادرا ما يزور الخارج ولم يزر الاتحاد الأوروبي منذ سنوات.
واعتبر كيربي أنه بما أن سماء الاتحاد الأوروبي محرمة على الطيران الروسي وبما أن بوتين لن يأخذ القطار في رحلته إلى بودابست فسيحتاج إلى تصريح خاص إذا قرر التحليق فوق أي دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي.
ورأى التقرير أن من أهم دول الاتحاد الأوروبي التي تقع في مسار بوتين إلى بودابست رومانيا التي تمتلك ما يُتوقع أن يصبح أكبر قاعدة لحلف الناتو في أوروبا، وبلغاريا التي تبني قاعدة تابعة للناتو في إطار جهودها لتعزيز الجناح الشرقي للحلف الدفاعي.
وفي حين لم تحصل قناة "بي بي سي" على رد من وزارة الخارجية البلغارية للتعليق على الموضوع صرح متحدث باسم الخارجية في بوخارست للقناة بأن هذه القضايا لا تزال مجرد تكهنات في الوقت الحالي، وأن "رومانيا لم تتلق طلبا بالتحليق من الاتحاد الروسي حتى الآن".
لا شك أن رحلة بوتين إلى بودابست تبدو محرجة للاتحاد الأوروبي، سواء باعتبارها تمثل اختراقا رمزيا للعزلة التي فرضها الأوروبيون على بوتين، أو لكون الرئيسين الروسي والأميركي اختارا لقمتهما بشأن أوكرانيا دولة كثيرا ما خالفت الإجماع الأوروبي على دعم أوكرانيا.
ويبدو الإحراج الأوروبي جليا من خلال المواقف المتناقضة من زيارة بوتين إلى المجر، فقد أورد تقرير لموقع يورونيوز بشأن الموضوع أن وزارة الخارجية الألمانية حثت بودابست على اعتقال بوتين إن وصلها.
كما نقل الموقع عن دبلوماسي أوروبي رفيع قوله "إذا هبط بوتين في بودابست فإن اعتقاله سيكون النتيجة المنطقية، لكن لا أحد سيتفاجأ إذا لم تفعل المجر ذلك".
بدورها، نقلت شبكة "يورا أكتيف" الإخبارية عن المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أنور العوني ردا على سؤال بشأن تأثير مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية على قمة بودابست المزمع عقدها بأن الاتحاد الأوروبي لا يزال "ملتزما التزاما راسخا بالعدالة الجنائية الدولية".
وأشار العوني إلى أنه على الرغم من أن عملية انسحاب المجر من المحكمة الجنائية الدولية جارية "فإنها لا تؤثر على واجب الدولة في التعاون فيما يتعلق بالتحقيقات والإجراءات التي بدأت قبل ذلك التاريخ".
في المقابل، نقل تقرير "يورا أكتيف" أيضا عن دبلوماسيين أوروبيين آخرين أن أوروبا لن تعرقل عقد قمة قد تفضي إلى السلام.
ورحب المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أولوف جيل يوم الجمعة الماضي بعقد اجتماع في بودابست بين الرئيس الأميركي ونظيره الروسي إذا كان من شأنه المساعدة في إنهاء الحرب بأوكرانيا.
وقال جيل "نعيش في عالم الواقع، ولا تُعقد الاجتماعات دائما بالترتيب أو الشكل الدقيق الذي نتمناه، ولكن إذا كانت الاجتماعات تدفعنا نحو سلام عادل ودائم لأوكرانيا علينا الترحيب بها".
كما صرحت المتحدثة باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أنيتا هيبر بأنه يمكن للدول الأعضاء إصدار استثناءات للسماح بالسفر عبر مجالها الجوي الوطني.
بعد ساعات من اختيار بودابست كمكان لعقد القمة اتصل رئيس الوزراء المجري ببوتين هاتفيا وأعلن على صفحته على فيسبوك أن "الاستعدادات جارية على قدم وساق".
وأشاد أوربان ببلاده باعتبارها "المكان الوحيد في أوروبا" الذي يمكن أن يُعقد فيه مثل هذا الاجتماع، مؤكدا أن الاجتماع سيُعقد مهما كانت التحديات.
وفي إشارة ربما إلى احتمال التعرض للرئيس الروسي خلال سفره إلى المجر، أوردت صحيفة نوفوستي الروسية أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان حذر قادة الاتحاد الأوروبي من خطر جر القارة العجوز إلى الحرب عمدا أو خطأ.
ونقلت الصحيفة الروسية عن أوربان قوله "إن خطر جر أوروبا إلى الحرب -عمدا أو عن طريق الخطأ- وصل الآن إلى أعظم مستوياته منذ بداية الصراع".
وشجب رئيس الوزراء المجري مواقف زعماء الاتحاد الأوروبي باعتبارها تعرقل الجهود الرامية إلى حل الصراع سلميا، مشددا على أنه لولا تدخّل الجانب الأوروبي لكانت المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا قد أفضت بالفعل إلى وقف لإطلاق النار.
ولا يكترث أوربان كثيرا لدعم الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، وقد سارع إلى توضيح أن الاتحاد لن تكون له أي علاقة بالمحادثات المرتقبة في بودابست.
وصرح أوربان لإذاعة المجر يوم الجمعة الماضي قائلا "بما أن الاتحاد الأوروبي مؤيد للحرب فمن المنطقي استبعاده من عملية السلام هذه".
بدوره، أكد وزير خارجية المجر بيتر زيجارتو أن بلاده "ستضمن دخول الرئيس الروسي بوتين إليها وإجراء مفاوضات ناجحة هنا، ثم عودته إلى وطنه".
وأضاف زيجارتو -حسب ما نقل عنه تقرير لـ"بي بي سي"- أنه "لا حاجة لأي نوع من التشاور مع أي أحد، فنحن دولة ذات سيادة، سنستقبل بوتين باحترام ونستضيفه، وسنوفر له الظروف المناسبة للتفاوض مع الرئيس الأميركي".
نقلت صحيفة فيدوموستي الروسية عن الباحث في معهد الدراسات الأميركية والكندية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم فلاديمير فاسيلييف قوله إن اختيار بودابست مكانا للقمة المقبلة انتصار رمزي للدبلوماسية الروسية.
واعتبر فاسيلييف أن العاصمة المجرية موقع أكثر ملاءمة لموسكو، مشيرا إلى أن هذا قد يعزز موقف المجر في نزاعها مع الاتحاد الأوروبي.
وأضاف فاسيلييف أن المحادثات المقبلة في بودابست ستمثل رمزيا عودة روسيا إلى أوروبا.
وأوردت شبكة "روسيا اليوم" الإخبارية أن جهات أوروبية وصفت انعقاد القمة المرتقبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب في العاصمة المجرية بودابست بـ"الكابوس السياسي" للاتحاد الأوروبي.
ونقلت الشبكة عن تلك المصادر -التي لم تكشف عنها- قولها إنها ترى أن انعقاد القمة بين بوتين وترامب يمثل تجاهلا لأوروبا ويضع قادة الاتحاد وحلف "الناتو" في موقف محرج.
وأشارت إلى أن مسؤولين في بروكسل يؤكدون أمام الإعلام أن القمة ستكون مفيدة إذا ساهمت في تقدم عملية تسوية النزاع في أوكرانيا.
لكنها تنقل عن مصادر أوروبية تأكيدها أن القمة المرتقبة ستكون بمثابة "كابوس سياسي" للاتحاد، وأن لقاء بوتين وترامب قد يشكل انتصارا للزعيم الروسي.