آخر الأخبار

بعد استبداله مسمى حرب غزة.. نتنياهو يهندس الوعي الإسرائيلي

شارك

بعد أكثر من عامين على بدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة -والتي جرت حتى الآن تحت اسم "السيوف الحديدية"- أفلح رئيس الحكومة المطلوب للجنائية الدولية بنيامين نتنياهو في استصدار قرار من حكومته بتغيير الاسم إلى حرب "النهضة" أو "الانبعاث".

وكان نتنياهو منذ بداية الحرب يسعى إلى تغيير اسم هذه الحرب وبقصد تجهيل تاريخ انطلاقها في 7 أكتوبر/تشرين الأول، باعتبار هذا التاريخ عنوانا لواحد من أكبر الإخفاقات في تاريخ إسرائيل.

ولاحظ كثيرون أن نجاح نتنياهو في إقرار الاسم الرسمي الجديد -رغم شدة الاعتراضات- يعود إلى نجاحه في تمرير اتفاق لإنهاء الحرب رغم انتهاك وقف النار في وقت تمرير القرار.

وفي نظر كثيرين يُعتبر تغيير اسم الحرب جولة في معركة السردية التي يريد نتنياهو تسجيل نقاطها في كتب التاريخ، فاسم "السيوف الحديدية" الذي اختاره الجيش تأكيدا على أن هذه حرب وجودية مهمة لم يرق لنتنياهو منذ البداية لأنه ليس اسما صارخا ولا يحمل في ثناياه المعاني التي يريد ترسيخها، فالسيوف الحديدية تشير إلى بدء الحرب، في حين نتنياهو يريد ترسيخ نهايتها.

وطوال الوقت كانت الاعتراضات من جانب المعارضين تركز على أن انشغال نتنياهو بالاسم يُقصد به إبعاد المسؤولية عن الفشل والالتصاق فقط بالنجاح.

لفت الأنظار

وكان زعيم المعارضة يائير لبيد قد علق في الماضي على اقتراح تغيير اسم الحرب، وكتب "هل تريد حرب النهوض؟ ابدأ بشيء بسيط: أعتذر".

وقد عرض نتنياهو اقتراحه لتغيير اسم الحرب لأول مرة رسميا في اجتماع الحداد الخاص الذي عُقد في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024 بمناسبة مرور عام على الحرب.

حينها أعلن أنه يريد تغيير اسم حرب "السيوف الحديدية" إلى "حرب النهوض" أو الانبعاث بعد أن كان عرض حتى اسم حرب "سمحات هتوراه" أو حتى "حرب القيامة".

وقبل ذلك، أكدت مصادر مقربة من نتنياهو أنه بعد نحو شهرين من بدء الحرب كان مهتما بالفعل باسم "يلفت الأنظار" على الصعيدين العام والدولي، بحيث تُذكر الحرب كـ"حرب مهمة وليست مجرد عملية عسكرية".

مصدر الصورة لبيد طلب من نتنياهو الاعتذار قبل تغيير اسم الحرب (الفرنسية)

ويستذكر كثيرون أن تغيير اسم العمليات العسكرية ليس جديدا، فعملية "سلامة الجليل" في العام 1982 عُرفت لاحقا باسم "حرب لبنان "، كما أن حرب لبنان الثانية عام 2006 سُميت في البداية عملية "الجزاء المناسب" ثم "تغيير الاتجاه"، وبعدها تكرست باسمها المعروف.

إعلان

وتغيير الاسم ليس مجرد تغيير إجرائي، بل إنه أيضا عملية قانونية تتطلب تغييرا في ملفات، وفي حالة الحرب تتطلب تغييرا حتى في شواهد قبور القتلى، مما يعني أن هناك أيضا تكلفة مادية.

وحسب ما نشرت الحكومة الإسرائيلية، فإن التكلفة المالية لهذا التغيير ضئيلة ولا تتجاوز مليوني شيكل، أي أقل من مليون دولار، لكن الأمر هنا لا يتصل بالتكلفة المالية، وإنما بالمقاصد والغايات السياسية.

عموما، تقدم نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس باقتراح للحكومة بتغيير الاسم إلى حرب النهضة، مبررين ذلك بضرورة التغيير لأن التسمية مؤقتة من ناحية وأن الحرب "تطورت إلى حملة عسكرية على 7 جبهات مختلفة، ولأن هذه الحرب تمثل نقطة تحول في نهضة دولة إسرائيل".

ونص مشروع القرار على أن الهدف من هذه الخطوة هو "إعطاء الحرب اسما يعبر عن أهميتها الوطنية ونهضة الشعب اليهودي والروح القتالية والوحدة التي كانت جوهرها".

وقد أقرت الحكومة بأغلبية الأصوات تغيير التسمية مع اعتراض وزيرة من الصهيونية الدينية وامتناع وزير من الليكود عن التصويت.

وفي بداية اجتماع الحكومة قال نتنياهو "لقد نهضنا من كارثة 7 أكتوبر المروعة، ونتذكر كيف بدأنا".

وأضاف "لقد نهضنا بقوة، ورددنا حربا عصيبة على أعدائنا، أزلنا عنا التهديد الوجودي للمحور الإيراني، أسسنا مشروع النهضة الوطنية في أرض إسرائيل، في دولتنا القوية والمزدهرة، هذه حرب نهضة شعبنا، كاستمرار مباشر لحرب الاستقلال".

تأسيس الدولة

وكما سلف في الحكومة عارضت وزيرة الاستيطان والبعثات الوطنية أوريت ستروك القرار وصوتت ضده، قائلة "إن الحرب لم تنته بعد بيقين في النهضة".

كما امتنع وزير الشتات عميحاي شيكلي عن التصويت، لأنه يعتبر مسميات الانبعاث والنهضة أمرا "يتعلق بتأسيس الدولة".

وهذا يشهد على أن من وافقوا نتنياهو على التغيير انطلقوا من رغبة في المجاراة وربما التملق أكثر من قناعة بجدوى مثل هذه الخطوة، خصوصا أن ستروك تعتبر من الخط المتشدد في حزب أيديولوجي متماثل داخليا.

مصدر الصورة وزيرة الاستيطان الإسرائيلية أوريت ستروك عارضت وقالت إن الحرب لم تنته بعد (مواقع التواصل الاجتماعي)

وبدا واضحا من مواقف الوزراء حجم التملق من مريدي نتنياهو، فوزير الزراعة آفي ديختر أعلن "قلت في بداية الحرب إنه يجب تسميتها حرب غزة، لكنها امتدت بعد ذلك إلى قطاعات أخرى".

أما الوزير ديفيد أمسالم "غالبا ما تُسمى الحروب بنهاياتها، مثل حرب الأيام الستة وحرب الاستقلال، وغيرهما، هنا أيضا بدأنا بكارثة مروعة وانتقلنا إلى إحياء شعب إسرائيل في أرضه، عادت قوة الردع، واليوم نسير في ثورة على أرضنا".

وقال وزير الإعلام شلومو كرعي "مع التهجئة الخاطئة فإن كلمة "تكوما- النهضة" في الحساب الرقمي تساوي 545، وهي نفس القيمة العددية لـ"بيبي نتنياهو".

وينص القرار على أن تغيير الاسم سيتم دون أي ميزانية إضافية من ميزانيات الوزارات القائمة.

كما ينص على أن المقترح لا يمس وضع قوات الأمن أو حقوق العسكريين المحددة بموجب قانون الجنود المسرحين أو قانون الأشخاص ذوي الإعاقة، وأنه لم تُثر أي اعتراضات من الوزارات الحكومية المعنية، وينص رأي قانوني مرفق بالقرار على عدم وجود مانع قانوني من تغيير الاسم.

إعلان

وصرح المحامي أورال فيشمان أورين نائب المدعي العام بأن "قرار الحكومة بتحديد اسم رسمي للحرب يتماشى مع السابقة التي سادت في الماضي عندما تم تحديد اسم "حرب الاستنزاف" رسميا عام 1970 بقرار حكومي، وحتى في ذلك الوقت -كما هو الحال الآن- لا يتطلب القانون أي موافقة إضافية".

ولتجنب الجدال مع عائلات القتلى آثر القرار عدم إلزام عائلات قتلى الحرب بتغيير اسم الحرب على شواهد قبور أبنائها.

وجاء في القرار "في التعديلات التي ستُجرى على قبور القتلى ستُمنح العائلات خيار الاحتفاظ باسم "سيوف حديدية" الذي تختاره".

لكن بعد القرار كتب إيال إيشيل (والد الجندية التي قتلت في الحرب روني إيشيل) على شبكة إكس "كل من يجرؤ على الاقتراب من قبر روني شيلي لتغيير اسم الحرب سيواجه مشكلة معي، إن شاهد قبر روني شيلي ليس لوحة إعلانية لحملة سردية سياسية كاذبة".

وفي مقابلة مع موقع "واي نت" تناول الوزير السابق يزهار شاي -الذي قُتل ابنه يارون في معركة 7 أكتوبر/تشرين الأول- هذه القضية، وقال "الاسم السابق كان أحمق، وهذا الاسم دعاية سياسية ساخرة تريد الحكومة الإسرائيلية فرضها على قبور أبطال إسرائيل".

المسؤولية عن المجزرة

وقد اعتبر باراك ساري في موقع والا الإخباري أن سعي نتنياهو لتغيير اسم الحرب هو "خطوة أخرى في سعيه لطمس مسؤوليته عن المجزرة المروعة في 7 أكتوبر، إنه يحاول بناء رواية جديدة لا تدور حول أكبر فشل في تاريخ الدولة، بل حول قصة نهضة قادها بنفسه".

وكتب ساري "بدأت محاولة محو ذكرى المجزرة المروعة في 7 أكتوبر، وإن لم يكن محوها فلننسها ولنطمسها، في الأيام الأولى التي تلت المجزرة، بعد تعافيه أدرك نتنياهو فورا أن مجزرة كهذه، كارثة كهذه، فشلا ذريعا كهذا أكبر خطأ فادح في تاريخ إسرائيل"

وأضاف "سيُكتب اسمه في كتب التاريخ بأحرف بيضاء، نتنياهو شغوف بالتاريخ، ذو وعي تاريخي متطور، وهو ابن المؤرخ البروفيسور بن تسيون نتنياهو، عندما اتضحت أبعاد المجزرة التي كانت تفوق التصور في تلك الأيام استوعب نتنياهو الأمر تماما، كان يعلم أنه بعد 100 عام و200 عام و700 عام سيُذكر عنه شيء واحد، سيُهدى إليه سطر واحد "في عهده، وقعت أكبر مجزرة للشعب اليهودي منذ المحرقة".

مصدر الصورة معلق إسرائيلي اعتبر أن تغيير اسم حرب غزة هدفه طمس مسؤولية نتنياهو عن 7 أكتوبر (أسوشيتد برس)

وكتب أمير بن دافيد في موقع "زمان إسرائيل" أن "نتنياهو اختار هذا الاسم منذ زمن بعيد، وبدأ استخدامه بعد 7 أكتوبر 2023 بفترة وجيزة، وبينما كانت الأمة المصدومة لا تزال تحاول فهم ما حدث واستيعاب حجم الكارثة كان رئيس الوزراء وأنصاره منشغلين بالفعل بتسويق الحدث وترويجه، والآن، بعد أن ادّعى نتنياهو تحقيق "نصر كامل" -وهي خدعة أخرى استخدم نتنياهو كامل قوته التسويقية لغرسها في عقول الإسرائيليين- يطلق العنان لصلاحيات الحكومة لممارسة "حرب الإحياء".

وخلص إلى أن "هذه ليست مجرد حكاية هامشية، بل معركة حقيقية من أجل وعينا جميعا، بل وأكثر من ذلك، من أجل وعي الأجيال المقبلة".

كما أن المعلقة السياسية طال شنايدر كتبت بعد صدور القرار "يعلمنا تاريخ دولة إسرائيل أن الأسماء الرسمية التي تستخدمها الحكومات لإخفاء اللحظات الصعبة أو تجميلها لا تلقى رواجا".

وأضافت "بنيامين نتنياهو رئيس وزراء يبذل الكثير من الجهد والطاقات في بناء هوية تجارية والتسويق وهندسة الوعي، بصفته رئيسا للوزراء يمتلك نتنياهو العديد من الأدوات، بما في ذلك السيطرة على نظام التعليم، وسيستخدمها جميعا".

زعيم فاشل

وواضح أن نتنياهو -الذي حكم إسرائيل أكثر من أي زعيم آخر- ليس معنيا بأن ينهي حياته كزعيم فاشل، ولذلك هو أكثر من أي شخص آخر كان مصمما على تغيير الاسم.

وأضاف أنه تعرّض لانتقادات عديدة للأسماء المدوية التي كان يقترحها كحرب الجبهات السبع وحتى حرب النهضة، لكن ذلك لم يمنعه من الإصرار، فالأمر في نظره كان ولا يزال صراع على الرواية وصراع على السردية، خصوصا أن نتنياهو كان على مدى أكثر من عقد من أنصار فكرة إبقاء التشرذم الفلسطيني عبر إبقاء حماس ، لذلك كان معنيا بإبعاد تاريخ 7 أكتوبر وعدم حصر المعركة بالفلسطينيين، وتصور أنها كانت حربا عالمية من "محور الشر"، وليس فقط من غزة على إسرائيل والعالم الحر.

إعلان

في المعارضة كان الحديث يدور عن جلسة للحكومة في أول اجتماع لها بعد انتهاء الحرب رسميا، وبدلا من اتخاذ القرار الصائب والمهم والبارز بتشكيل لجنة تحقيق رسمية يرون "أنها منشغلة بمواصلة طمس الفشل والعار والكارثة المروعة في تاريخ البلاد".

إنها تتهرب من البحث عن الحقيقة، وتنشغل بنسج قصة جديدة زائفة وغير صحيحة، هذه ليست حرب النهضة، لقد حاول نتنياهو منذ فترة طويلة وصف الحرب بـ"حرب النهضة"، وقد كرر هذا الوصف لأكثر من عام في خطاباته وتصريحاته الإعلامية، لكن حتى الآن لم يعجب الجمهور الإسرائيلي بهذا الاسم، وقد لا يعجب.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل دونالد ترامب حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا