في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
رام الله- لم تنتظر ابتسام يوم الاثنين لتتوجه إلى رام الله لاستقبال شقيقها محمد كامل خليل عمران، المقرر الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى التي أقرت في إطار توقيع وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إذ غادرت منزلها منذ السبت خشية أن تغلق قوات الاحتلال الطرق وتمنعها من لقائه في لحظة الحرية المنتظرة.
فما إن تلقت مكالمة هاتفية منه يخبرها بأنه سيُفرج عنه إلى مدينته الخليل ، حتى سارعت إلى السوق لشراء ملابس جديدة له، وحملتها معها متجهة نحو رام الله على أمل احتضانه بعد غياب دام أكثر من عقدين.
لكن الصدمة الكبرى كانت في صباح اليوم التالي، حين تفاجأت بتعديل في قائمة الأسرى المرشحين للإفراج عنهم، إذ ورد اسم شقيقها ضمن مجموعة تقرر إبعادها خارج الأراضي الفلسطينية، دون تحديد وجهة هذا الإبعاد.
غلبها البكاء والذهول لساعات، لكنها أصرت على البقاء في الساحة المخصصة لاستقبال الأسرى، متمسكة بأمل ضئيل بأن يكون ما حدث مجرد خطأ في القوائم المنشورة. وقد تعزز هذا الأمل حين أكد بعض الأسرى المفرج عنهم أنهم كانوا برفقة محمد في سجن عوفر حتى مساء أمس.
قالت ابتسام للجزيرة نت: "لم أتوقع هذا القرار أبدا، خصوصا أننا تلقينا اتصالا من ضابط المخابرات الإسرائيلي هددنا فيه من الاحتفال بعد الإفراج عنه في منزل العائلة".
محمد من بلدة دورا جنوب الخليل، اعتقل عام 2002 وحكم عليه بالسجن المؤبد 13 مرة. وبالنسبة لعائلته، فإن الإفراج عنه في هذه الصفقة كان بمثابة ولادة جديدة بعد سنوات طويلة من المعاناة داخل السجون.
وتقول شقيقته: "تواصلنا مع كل المؤسسات الفلسطينية التي تتابع شؤون الأسرى، لكن لم نتلق أي رد واضح. حتى الآن لا نعرف إلى أين سيتم إبعاده".
وتغالب ابتسام دموعها وهي تتحدث عن شوق 23 عاما من الغياب، وعن والديها اللذين توفيا وهما ينتظران لحظة الإفراج عنه: "قمنا بتجهيز كل شيء لاستقباله في البيت، لكن الاحتلال يصر على إنقاص فرحتنا حتى النهاية، وكأن 23 عاما من الحرمان لم تكف".
حال عائلة عمران يشبه حال 12 عائلة من أصل 108 عائلات كانت تستعد اليوم لاستقبال أبنائها، قبل أن يفاجئها الاحتلال في اللحظات الأخيرة بقرار إبعادهم إلى خارج الوطن.
عائلة الأسير محمد زكريا حمامي من نابلس عاشت الصدمة ذاتها. تقول شقيقته نهاد للجزيرة نت: "لا أصدق ما حصل، لو علمنا منذ البداية بقرار الإبعاد لكنا حضرنا أنفسنا لاستقباله في الخارج، أما الآن فنحن لا نعرف أين هو ومن سيستقبله".
ومنذ مساء أمس، كانت نهاد وأشقاؤها في رام الله تحسبا لأي إغلاق للحواجز حول نابلس التي شدد الاحتلال قبضته عليها. "قضينا الليلة في المكان المخصص لاستقبال الأسرى، وكل ما يشغلني الآن هو كيف سنعود إلى نابلس بعد تهديد الاحتلال لنا ومنعنا من الاحتفال به".
وتضيف: "اقتحم ضابط المخابرات منزلنا بعد إعلان الإفراج عنه مباشرة، وخرّب الجنود محتويات البيت وهددونا بأنه في حال أقمنا أي مظاهر فرح سيعاد اعتقاله".
محمد حمامي محكوم بالسجن المؤبد 3 مرات، أمضى منها 21 عاما. وبالنسبة لعائلته، كانت الفرحة الكبرى هي عودته إلى بيته، لا أي شيء آخر، لكن ما جرى اليوم سلبهم هذه اللحظة المنتظرة.
مثل عائلة عمران، تواصلت عائلة حمامي مع جميع الجهات الرسمية لمعرفة مصير ابنها، دون جدوى. وكل ما يمكنها فعله الآن هو الانتظار لمعرفة مكانه من خلال زملائه الأسرى أو ذويهم، في وقت تستعد فيه لخوض رحلة معاناة جديدة لرؤيته في المنفى الذي سيبعد إليه.
التلاعب بأسماء الأسرى وشروط الإفراج عنهم ليس جديدا في صفقات التبادل، إذ تكررت هذه الممارسات في محاولات إسرائيلية لانتزاع الفرحة من العائلات حتى اللحظات الأخيرة.
يقول رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري، للجزيرة نت، إن ما فعله الاحتلال بتغيير القوائم ليس سابقة، بل يأتي في سياق مساعيه الدائمة لتفريغ صفقات التبادل من مضمونها الإنساني والسياسي. ويضيف: "الاحتلال يسعى دائما لتنغيص حياة الأسرى حتى في لحظات حريتهم الأخيرة، سواء عبر الضرب والإهانة أو التلاعب بمصيرهم أثناء الإفراج".
ويتابع الزغاري: "هذه الممارسات تعبر عن رغبة انتقامية، وعن رفض الاحتلال أن يرى الأسرى وعائلاتهم يحتفلون بانتصارهم بعد كل هذه السنوات الطويلة من الاعتقال".
حتى اللحظة، لا توجد معلومات دقيقة حول وجهة المبعدين، لكن التقديرات تشير -كما يقول الزغاري- إلى أنهم سيبعدون عبر معبر رفح إلى مصر ومنها إلى دول أخرى.
ويضيف أن هذا الإجراء سيعقد أوضاع العائلات التي منعتها سلطات الاحتلال خلال اليومين الماضيين من السفر عبر معبر الكرامة، حيث أعيدت عشرات العائلات ومنعت من المغادرة حتى إشعار آخر.