في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في فجر التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2025 الجاري، شن الروس هجومًا ضخمًا منسقًا، اعتمد بالأساس على قوات الطائرات المسيرة الهجومية والصواريخ التي نفذت ضربات متتابعة ومحددة الأهداف عبر عمق شمال شرقي أوكرانيا، استُخدمت المسيرات ليس كإسناد ثانوي، بل كحربة اقتحام إلكترونية، لاستهداف مراكز القيادة، ونقاط الإمداد، وأنظمة الاتصالات، تمهيدًا لحركات برية محدودة.
اختيار التوقيت الصباحي تزامن مع دورات استمرار المسيرات تحديدا فوق الهدف لاستطلاع الميدان وتحديد النقاط الضعيفة، ثم التبديل إلى هجوم مباشر عند لحظة الانفصال.
واعتمدت الهجمات على خليط من مسيرات قادرة على الضرب الدقيق ذات مدى متوسط، ومسيرات انتحارية لاستهداف مواقع ثابتة، كما رصد استخدام تكتيكات قطيع في محاولات لإرهاق أنظمة الدفاع الجوي المحلية.
أعاد هذا الهجوم فتح باب التساؤلات الإستراتيجية حول مدى فعالية الترسانة الروسية من الطائرات المسيرة والضربات الصاروخية في الحرب الأوكرانية، ليس فقط من حيث دقتها وتكتيك استخدامها، بل من حيث قدرة موسكو على الحفاظ على وتيرة الإنتاج والتشغيل في حرب يبدو أنها طويلة الأمد.
تعتمد فعالية الضربات الجوية والصاروخية الروسية لأوكرانيا على الإطار الذي تُقاس به: فإذا نُظر إليها من زاوية معدلات النجاح فحسب، بدت هذه الضربات محدودة الجدوى، إذ تُسقط الدفاعات الأوكرانية نحو 85% من الصواريخ والطائرات المسيرة، ولا تزال دفاعاتها الجوية صامدة بدعم غربي وفقا لمعهد الدراسات الدولية والإستراتيجية "ِCSIS".
غير أن الأرقام لا تعكس وحدها حجم التأثير الحقيقي؛ فمن منظور معنوي وإستراتيجي، تمكّنت موسكو من تحويل وابل الضربات المتكررة –التي تقلّصت فتراتها الفاصلة إلى يومين فقط– إلى أداة ضغط مستمرة تُرهق الأعصاب وتستنزف الموارد وتزرع الشك في قدرة كييف وحلفائها على الصمود طويلًا.
ومع مرور الوقت، أثبتت روسيا قدرتها على التعلّم والتكيّف؛ فطائرات "شاهد" التي لم تتجاوز إصابتها 10% في السابق، أصبحت تحقق إصابة تقارب 20% بفضل تكتيكات جديدة تشمل المسارات المتداخلة وموجات الإطلاق المتدرجة.
والأهم أن هذا التطور لم يكن ممكنًا لولا نجاح موسكو في الالتفاف على القيود المفروضة على استيراد مكونات المسيّرات، مستفيدةً من شبكات تهريب معقدة وسوقٍ رمادية عالمية تمكّنها من مواصلة إنتاج أدوات الحرب الرخيصة والفعّالة في آنٍ واحد.
مع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من عامها الرابع، تسجل معدلات الهجمات الجوية الروسية، بالصواريخ والمسيرات، ارتفاعًا كبيرًا بلغ ذروته في سبتمبر/أيلول 2025، مقارنة بالأشهر الأولى من العام نفسه.
ففي مطلع هذا العام، لم يتجاوز عدد الصواريخ والمسيرات الروسية المستخدمة في أوكرانيا معدل 150 صاروخًا ومسيّرة يوميًّا، وبقي الأمر على هذه الوتيرة حتى مارس/آذار الماضي حين تجاوز العدد 250 صاروخًا ومسيرة، وفقًا لمعهد دراسات الحرب.
في يونيو/حزيران لوحظ تصاعد كبير في عدد المسيرات والصواريخ الروسية، حيث بلغ سقف 500 صاروخ ومسيرة في اليوم، واستمر هذا التصاعد ليقترب من سقف 750 صاروخًا ومسيرة في يوم واحد. إلا أن شهر سبتمبر/أيلول سجل ذروة هذا التصعيد، حيث تجاوز العدد سقف 800 صاروخ ومسيرة في اليوم.
تطرح هذه الأرقام المتصاعدة تساؤلات حول قدرات روسيا الصناعية العسكرية رغم العقوبات المفروضة على برامج صناعة الصواريخ والمسيرات لديها، حيث بلغت مجموعة العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على موسكو منذ بداية الحرب نحو 18 مجموعة.
ومنذ عام 2024 أصبحت روسيا الدولة الأكثر تعرضًا للعقوبات في العالم، في ظل أكثر من 16 ألف قيد على معدات الدفاع والتكنولوجيا الحساسة منذ يناير/كانون الثاني 2024، وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية.
ويعكس الاستخدام الكثيف لهذه الذخائر في ساحة المعركة قدرة كبيرة على الإنتاج بكلفة صغيرة نسبيًّا، ويشير إلى إخفاق الجهود الغربية المشتركة في الحدّ من القدرات الصناعية لدى موسكو، التي تعتمد على مصادر خارجية وقطع تجارية وطرق أخرى للتملص من قيود العقوبات.
لقد نشر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية "IISS" دراسة ميدانية تعقب خلالها بقايا الذخائر التي يستخدمها الجيش الروسي في أوكرانيا، والتي أمكن من خلال تحليل مكوناتها التعرف على مصادر إنتاجها حول العالم.
وثقت الدراسة آلاف القطع المستخدمة في صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة الروسية، بما في ذلك أشباه الموصلات والهوائيات والدوائر القابلة للبرمجة ميدانيًّا ووحدات القياس ووحدات نظام تحديد المواقع العالمي ودوائر المعالجات الدقيقة ومنظمات الجهد.
واللافت أن هذه القطع حملت علامات شركات مصنعة أميركية وآسيوية وأوروبية، لديها مقرات في 24 دولة أو منطقة على الأقل، لكن تحديد دولة المنشأ الأصلية الحقيقية بقي أمرًا صعبًا لعدة أسباب، حيث يقتصر دور هذه الشركات في كثير من الأحيان على تصميم شرائح أشباه الموصلات مثلًا، بينما تُنتجها بعد ذلك معامل التصنيع التي تقع عادة في دول أخرى، كما أن بعض هذه القطع مقلّدة.
وفقًا للدراسة المشار إليها، تتضمن عينات متوفرة لدى مركز أبحاث تسليح النزاعات قطعًا تعود لنحو 56 شركة في الولايات المتحدة ، لكن لا دليل على أن هذه الشركات صدّرت هذه القطع مباشرة إلى روسيا منذ بدء الحرب على أوكرانيا، أو أنها علمت قبل البيع أنها ستدخل في استخدامات عسكرية، مما يشير إلى دور الشركات الموزعة لهذه المنتجات.
خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي في مايو/أيار 2022، كشفت وزيرة التجارة الأميركية آنذاك جينا رايموندو أن القوات الروسية لجأت إلى استخدام قطع الغيار التي تحتويها الأجهزة المنزلية، مثل الغسالات والثلاجات، في صناعة الصواريخ، وهو ادعاء تكرر من قبل ساسة أميركيين وأوروبيين.
وأكدت تحقيقات مركز تسليح النزاعات أن الصواريخ والمسيرات الروسية تعتمد أكثر على قطع متاحة تجاريًّا قابلة للاستخدام في الصناعات العسكرية، مما يعكس ثغرات في القيود الغربية على الصادرات التجارية المزدوجة الاستخدام.
إن نقل هذه القطع إلى روسيا يحدث من طرف الموزعين لا من طرف مصانع الإنتاج الرئيسية، فضلًا عن صعوبة التحقق من الاستخدام النهائي المحتمل للقطع الإلكترونية.
ولذا، تقول الشركات المصنعة إن بعض القطع المستخدمة في الصواريخ والمسيرات الروسية لم تخضع حين بيعها لرقابة التصدير، فضلًا عن عدم قدرة هذه الشركات على الحفاظ على الرقابة الفعالة أو السيطرة على المبيعات خاصة تلك التي تجري عبر الإنترنت.
تصنف لوائح إدارة الصادرات بعض الإلكترونيات التي تنتجها الولايات المتحدة على أنها "بضائع استهلاكية ذات تكنولوجيا منخفضة"، ويتيح هذا تصديرها بدون ترخيص ما لم يكن إلى دولة محظورة أو جهة مشبوهة، أو كان دعمًا لاستخدام محظور، في إشارة إلى الثغرات التي تستغلها موسكو في الضوابط المفروضة على الصادرات.
تركز سلاسل التوريد العالمية على الموزعين مما يتيح الاستعانة بوسطاء تجاريين أجانب للحصول على القطع المستخدمة في الصناعات العسكرية والتهرب من القيود والعقوبات. وهذه الثغرة تستغلها روسيا في مشترياتها الداخلة في صناعة الصواريخ والمسيرات، وذلك عبر إنشاء شركات تجارية وهمية في دول لا تخضع للعقوبات.
كمثال على هذه العملية، تشير دراسة معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية إلى المذبذبات التي تحمل علامة شركة "JSC Morion"، حيث وثقت التحقيقات الميدانية استعمالها في مجموعة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الروسية، ولذا فرضت وزارة الخزانة الأميركية والاتحاد الأوروبي عقوبات على الشركة في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
ومع ذلك، تظهر البيانات التجارية أنها لا تزال تحصل على هذه المنتجات عبر نقل السلع من شركات في أوروبا وأميركا الشمالية وشرق آسيا إلى شركة تقع في الصين ، قبل شحنها إلى روسيا.
تعتمد روسيا على أسواق دول شرق آسيا للحصول على بعض القطع المستخدمة في صناعة الصواريخ والمسيرات، مثل الدوائر الدقيقة، وخاصة من الصين وهونغ كونغ ، مما يعكس أهمية هذه الأسواق بالنسبة لموسكو حيث لا توجد قوانين تمنع من إنشاء شركات تجارية هناك، كما لا تتطلب وجود مكتب للشركة أو إقامة المالك في الدولة نفسها.
تلجأ موسكو إلى تجار التجزئة في الصين وهونغ كونغ لشراء أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية "SN-99″ الداخلة في صناعة الصواريخ الباليستية من طراز " KH-59 وkh-101″، التي تنتجها شركة "KB Navis ". ولتفادي العقوبات المفروضة عليها منذ فبراير 2022، تعتمد الشركة بشكل متزايد في وارداتها إلى روسيا على شركة مقرها في الصين، وفقًا لمركز أبحاث تسليح النزاعات.
ورغم تأثير العقوبات في جهود روسيا الصناعية، فإن هذه المعطيات تعكس نجاحها في استثمار الاستقطاب الجيوسياسي المتزايد بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، والدول المناوئة لهما من جهة أخرى من المعسكر الشرقي، فضلًا عن توظيف ثغرات في لوائح التصدير التي لا تشمل أحيانا المنتجات التجارية القابلة للاستخدام في الصناعات العسكرية، وفضلا عن تعقيدات سلاسل التوريد التي تصعب مراقبتها والتحكم فيها على الدوام.
إن أبرز ما يتيح ثغرات كهذه لدول خاضعة للعقوبات هو التقدم التقني المتسارع في صناعة الصواريخ والمسيرات وفي الاستخدامات المتعددة للقطع الإلكترونية، الذي لا تستطيع لوائح التصدير مواكبته بالسرعة نفسها نتيجة أسباب هيكلية تتعلق بهذه القيود.
تعود نشأة أنظمة الرقابة الدولية على صناعة الصواريخ إلى الربع الثاني من القرن العشرين، مثلما تجلى في مجموعة الموردين النوويين ومجموعة أستراليا ونظام رقابة تكنولوجيا الصواريخ " MTCR"، وقد أعلن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة عن قائمة الأولويات العامة المشتركة "CHPL" مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية.
ورغم ذلك، لا تزال روسيا قادرة على الحصول على القطع اللازمة لصناعة الصواريخ والمسيرات، مما يشير إلى مشاكل في هيكلية أنظمة الرقابة.
فالدول قد تتباين في التعريفات والتطبيق العملي فيما يتعلق بضوابط التصدير المتعددة الأطراف، مما يحد من فاعلية القيود أمام تعدد الاستخدامات للمنتج الواحد كالطائرات المسيرة المدنية التي يمكن تسليحها بحمولة متفجرة في ميدان المعركة مباشرة.
كما أن هذه الأنظمة ليست بالشمولية التي تمنع تصدير كل العناصر المستخدمة في هذه الصناعات، فحتى قائمة الأولويات العامة المشتركة "CHPL" لا تشمل العديد من التقنيات المصنفة "منخفضة الأهمية" والمستخدمة في صناعة الصواريخ والمسيرات، خاصة حين تُنتج هذه التقنيات خارج الدول الملتزمة بالقائمة. كما أن هذه الأنظمة مقسمة إلى فئات، فبعض الدول قد تلتزم بفرض قيود على بعض الفئات دون الأخرى، مثل بريطانيا التي تطبق ضوابط نظام رقابة تكنولوجيا الصواريخ "MTCR" على الفئة الأولى منه دون الفئة الثانية.
ووفقًا لدراسة معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية، فإن الفئة الأولى من نظام المراقبة "MTCR" تقتصر على أنظمة الصواريخ الكاملة والطائرات المسيرة التي يتجاوز مداها 300 كيلومتر، والقادرة على حمل حمولة 500 كيلوغرام، وأنظمتها الفرعية الرئيسية، في حين تشمل الفئة الثانية الأنظمة التي لا تستوفي حد الحمولة للفئة الأولى، وتتيح للشركاء مرونة أكبر في تصدير سلع الفئة الثانية.
ويعني ذلك أن بالإمكان نقل مكونات تشملها الضوابط والقيود بين الدول التي تتعاون فيما بينها تجاريًّا، فلا تكون الدولة المصنعة بالضرورة هي المورّد للمستخدم النهائي، مما يتيح هامشًا لروسيا ودول أخرى للتحايل على هذه القيود والحصول على مستلزماتها عبر طرف ثالث أو وسطاء تجاريين.
وتكمن إحدى أبرز المشاكل في عودة التنافس الجيوسياسي في ظل تراجع النفوذ الأميركي، وصعود الصين لتصبح قوة تشكل تهديدًا لمكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وفي الوقت نفسه تتيح فرصة لخصومها الساعين إلى بناء تحالفات تخدم مصالحهم، مثل روسيا التي تضم إلى جانبها دولًا مثل كوريا الشمالية ، التي أثبتت التحقيقات الميدانية ضلوعها في تزويد موسكو بالذخائر والقطع المستخدمة في تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة.
تعكس الثغرات في نظم وقوانين مراقبة الصادرات، وقدرة روسيا وحلفائها على التملص منها، تداعيات تفكك نظام ما بعد الحرب الباردة وعودة الاستقطاب الدولي وفق محورين: شرقي يرتكز على تحالف صيني روسي، وغربي تتخلله تباينات متزايدة، وكلا المحورين يتجهان نحو عسكرة الاقتصاد والصناعة.
ويعزز هذا الواقع من سباق التسلح، كما يدفع الجهات والدول المناوئة لنفوذ الولايات المتحدة نحو مزيد من التعاون فيما بينها، مما يحد من فعالية أنظمة الرقابة، ويتيح هامشًا أوسع لروسيا وشركائها للحصول على مستلزمات صناعاتها العسكرية.
تثبت الأنظمة ولوائح الصادرات المشتركة محدودية فاعليتها أمام تعارض وتشابك المصالح الدولية حتى فيما بين دول المحور الغربي نفسها، وهو ما سيزداد أكثر مع التصدعات التي تبرز في العلاقات الأوروبية البينية، وعلاقات الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة.
ومع تقدم أساليب تحويل الصناعات المدنية إلى عسكرية وتوسع طرق التجارة الإلكترونية المرتكزة على أولوية الربح، إلى جانب العوامل المشار إليها أعلاه، فإن مجمع الصناعات العسكرية في روسيا سيحتفظ بقدرته على الإنتاج، وربما تطوير سلاسل الإنتاج. وأمام هذه التعقيدات، يبدو أن الخيارات التصعيدية في الميدان تتقدم على الخيارات القانونية.
في ميدان الحرب، تظهر الهجمات الروسية الأخيرة فعالية التطوير المستمر للصواريخ الباليستية الروسية لتحسين قدرتها على اختراق أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية، مثل صاروخي "إسكندر-إم" و"كينزال"، اللذين أثبتا قدرتهما على تنفيذ مناورات غير متوقعة خلال مرحلة الطيران النهائي لإرباك منظومات الدفاع الجوي الأوكرانية، وهو ما يفسر الانخفاض الملحوظ في معدلات اعتراض الصواريخ الروسية، ويحد من قدرة كييف على الاستفادة من أنظمة الدفاع الجوي الغربية.
تتزايد خطورة التصعيد مؤخرًا بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وتعتمد موسكو في تحدي قدرات الناتو على سلاح المسيرات الذي أصبح يهدد مطارات دول الحلف، مثل مطار ميونخ الذي اضطرت السلطات الألمانية لإغلاقه في 3 و4 أكتوبر/تشرين الأول بسبب رصد طائرات مسيرة تحلّق قربه، إذ صنفتها السلطات الألمانية بكونها طائرات استطلاع عسكرية مسيّرة.
كما رُصدت طائرة مسيرة صغيرة قرب مستودع ذخيرة قريب من مدينة جيفر الألمانية، واعتُقل مواطن كرواتي يتحكم في طائرة مسيرة على بعد مئات الأمتار من مطار فرانكفورت، ورُصدت ثلاث طائرات مسيرة حلقت فوق مقر سرب طيران الشرطة الفيدرالية في جيفورن، مما يعكس محاولات لتهديد البنية التحتية الألمانية الحيوية.
يربط معهد دراسات الحرب الأميركي هذه الأحداث بمحاولات روسية مستمرة لزعزعة استقرار أوروبا وتقويض تماسك حلف الناتو عبر زعزعة الثقة بين أعضائه، ويضعها ضمن استعدادات موسكو المحتملة لحرب مستقبلية مع الحلف.
وتأتي تصريحات رئيس قيادة الفضاء البريطانية اللواء بول تيدمان ووزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس لتعزز هذا الانطباع، حيث تشير إلى تعاون صيني روسي في هذا المجال مع قدرات بكين المتقدمة وجرأة موسكو على توظيفها الميداني.
أما المسيرات الصغيرة فقد تستخدمها روسيا في عمليات أمنية داخل أوروبا، حيث يسهل نقل المسيرات الصغيرة دون حمولة متفجرة ثم يمكن تزويدها بالمتفجرات قبل الاستخدام مباشرة. وفي هذا السياق، أشارت الاستخبارات البولندية إلى ضلوع الاستخبارات الروسية في محاولات لتنفيذ هجمات بطائرات مسيرة في كل من بولندا وألمانيا وليتوانيا.
تواجه دول الاتحاد الأوروبي التصعيد الروسي بمزيد من العسكرة وتعزيز الصناعات العسكرية وميزانيات الدفاع، حيث تشير تصريحات القادة الألمان إلى عزمهم تحويل الجيش الألماني ليصبح "الأقوى في أوروبا".
توازيًا مع ذلك، يواصل الاتحاد الأوروبي تقديم الدعم للصناعات الحربية الأوكرانية، فقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في 30 سبتمبر/أيلول تخصيص ملياري يورو لكييف لإنتاج الطائرات المسيرة، مما سيسمح لأوكرانيا برفع طاقتها الإنتاجية الكاملة للمسيرات، كما تناقش الولايات المتحدة مع سلطات كييف حزم الأسلحة الخامسة والسادسة لتقديم أسلحة بقيمة مليار دولار شهريًّا لأوكرانيا، وفقًا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي .
وفي المقابل، أعلن زيلينسكي عن سفر مجموعة من المتخصصين الأوكرانيين إلى الدنمارك لتدريب القوات الدنماركية على تكتيكات مكافحة الطائرات المسيرة، وذلك بعد رصد تحليق طائرات مسيرة في أجواء الدنمارك والنرويج بالقرب من منشآت عسكرية وحيوية متعددة، وفقًا لمعهد دراسات الحرب.
وفي المحصلة، تكشف تجربة الحرب في أوكرانيا أن روسيا أظهرت قدرةً لافتة على التكيّف الميداني والالتفاف على القيود الاقتصادية والتقنية المفروضة عليها، وتحويل أدوات محدودة الكلفة كالمسيّرات إلى وسيلة فعّالة لإرهاق الخصم واستنزاف دفاعاته.
وتعكس هذه المرونة تحولًا أعمق في طبيعة الحروب المعاصرة، حيث تتزايد أهمية الابتكار في التكتيك، والقدرة على دمج الحرب النفسية والاقتصادية والتقنية في منظومة واحدة. وبقدر ما مثّلت أوكرانيا ساحة اختبار لقدرات موسكو، فإنها كانت أيضًا مختبرًا لإعادة تعريف حدود الردع الغربي وفعالية العقوبات، لتغدو الحرب معركة استنزافٍ مطولة بين طرفين يحاول كل منهما إعادة تشكيل منطقة الصراع وفق رؤيته الخاصة.