الفاشر- في تصعيد دموي جديد، قُتل 13 شخصا على الأقل وأصيب 20 آخرون جراء قصف مدفعي شنته قوات الدعم السريع على مسجد يؤوي نازحين في مدينة الفاشر ، عاصمة ولاية شمال دارفور ، في حصيلة أولية مرشحة للارتفاع.
ووقع القصف، أمس الأربعاء، على مجمع "المسجد العتيق" في حي "أبو شوك الحلة"، حيث لجأت أكثر من 100 أسرة فرّت من مناطق القتال، وجاء الهجوم بعد أيام من استهداف مسجد آخر في أثناء صلاة الفجر، وهو "ما يعكس نمطا متكررا في ضرب دور العبادة التي تحولت إلى ملاجئ للمدنيين".
وأكد شهود عيان للجزيرة نت أن القصف كان بالمدفعية الثقيلة والطائرات المسيّرة، واستهدف المسجد بشكل مباشر، إلى جانب عدد من المنازل المجاورة.
وقال آدم جمعة، أحد مشايخ المسجد، للجزيرة نت إن القصف أسفر عن مقتل 13 شخصا وإصابة 20 آخرين، بينهم من كانوا قرب مضخة مياه بجوار المسجد. وأضاف أن شدة القصف وتحليق الطائرات حالا دون نقل بعض الجثث، ما اضطر الأهالي إلى دفنها داخل ساحته.
وتداول ناشطون مقاطع مصورة تظهر حجم الدمار في مراكز الإيواء والمستشفى السعودي الوحيد الذي لا يزال يعمل في المدينة.
وحسب مراقبين، يبلغ عدد المساجد التي تُقام فيها صلاة الجمعة في الفاشر 124 مسجدا، إلى جانب 95 زاوية مخصصة لتعليم القرآن الكريم. وقد تم تدمير عدد كبير منها تدميرا كاملا أو جزئيا، وخرج معظمها عن الخدمة نتيجة نزوح المواطنين إلى مناطق أكثر أمانا أو هجرتهم إلى دول الجوار.
وأعرب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عن إدانته القوية للهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع على أحياء الفاشر، والتي استهدفت مستشفى السعودي ومسجدا كان يؤوي نازحين، مما أدى إلى قتل ما لا يقل عن 20 مدنيا.
وأكدت أوتشا أن المستشفى هو آخر مرفق طبي عامل في المدينة ويخدم آلاف المتضررين من الحرب، مشيرة إلى أن المدنيين فيها باتوا محاصرين ومقطوعين عن المساعدات، داعية إلى وقف فوري للقتال.
من جانبه، وصف الناشط الإغاثي أحمد إسماعيل الهجوم بأنه "جريمة حرب مكتملة الأركان"، قائلا للجزيرة نت إن "الضحايا لجؤوا إلى المسجد بحثا عن الأمان فوجدوا الموت، الاستهداف كان مباشرا ولم يرحم حتى النساء".
وفي تحليل للجزيرة نت، قال مدير برنامج شرق أفريقيا بمركز فوكس للأبحاث عبد الناصر سلم حامد إن "انتهاكات الدعم السريع لم تعد حوادث عابرة، بل نمطا ممنهجا"، مؤكدا أن ما جرى "يرقى إلى جريمة حرب موثقة". وطالب بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية ، محذرا من أن "الإفلات من العقاب يغذي دوامة العنف".
ميدانيا، تشهد الفاشر اشتباكات عنيفة بين القوات المسلحة السودانية والقوة المشتركة من حركات الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى.
وقال المتحدث باسم المقاومة الشعبية أحمد علي الإمام للجزيرة نت إن المعارك امتدت إلى 3 محاور وكانت عنيفة جدا، مؤكدا أنهم "يخوضون معركة وجود لا خيار فيها سوى الانتصار".
من جهته، كشف جمال عيساوي جوليس عضو اللجنة الإعلامية للقوة المشتركة عن تكبد قوات الدعم السريع خسائر كبيرة خلال المواجهات الأخيرة. وأضاف للجزيرة نت أن "العشرات من عناصرها قُتلوا، وتم تدمير 17 آلية عسكرية والاستيلاء على 3 سيارات"، وأن القوات المشتركة تعمل على تعزيز مواقعها ومنع أي محاولات تسلل.
وفي ظل استمرار القتال، يعيش سكان الفاشر أوضاعا إنسانية "مرعبة"، وفقا لمنظمات محلية حذرت من أن "أكثر من 500 ألف مدني محاصرون ويواجهون خطر الموت جوعا أو عطشا"، وسط نقص حاد في الغذاء والمياه والأدوية.
ومنذ 15 أبريل/نيسان 2023، ظلت مدينة الفاشر مركزا إستراتيجيا للحرب في السودان ، وشهدت موجات متكررة من النزوح والاقتتال. ومع بداية حصارها في العاشر من يونيو/حزيران 2024، تحولت إلى ساحة مواجهة مفتوحة، حيث ارتكبت فيها قوات الدعم السريع انتهاكات ممنهجة ضد المدنيين، حسب تقارير حقوقية.
ورغم تصاعد الهجمات، فلم تُفعّل حتى الآن أي آلية دولية لحماية السكان، ويثير هذا الفراغ الأمني تساؤلات عن مسؤولية المجتمع الدولي في منع تكرار سيناريوهات الإبادة الجماعية التي شهدتها دارفور سابقا.
وإلى جانب المساجد والمستشفيات، تعرضت الأسواق ومراكز توزيع الغذاء للقصف أو الإغلاق القسري، مما أدى إلى حرمان السكان من الحصول على المستلزمات الأساسية، وتفاقم أزمة الجوع في المدينة. وتقول منظمات إنسانية إن "الاستهداف الممنهج للبنية التحتية يعكس رغبة في تفريغ المدينة من سكانها".
ومع استمرار القصف على المساجد والمرافق الحيوية وتفاقم الحصار الإنساني، تتزايد الدعوات إلى تدخل دولي عاجل يوقف دوامة العنف ويضع حدا "لانتهاكات الدعم السريع". غير أن غياب الإرادة الدولية حتى الآن يطرح سؤالا ملحا: هل تُترك الفاشر لمصيرها؟ أم أن المجتمع الدولي سيتحرك قبل أن تتحول المدينة إلى فصل جديد من مأساة دارفور؟