غزة- يعاني سكان قطاع غزة من أزمات عديدة اصطنعتها إسرائيل بغرض الضغط على السكان وتحويل حياتهم إلى جحيم لا يطاق لتحقيق أهداف سياسية عدة، من بينها إجبار حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) على الاستسلام ودفع السكان إلى الهجرة.
وفي هذا التقرير نستعرض أبرز الأزمات التي أحدثها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة على مدى عامين من الحرب، والتي لم يسلم منها أي من سكان القطاع المحاصر منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لا يشعر أي فلسطيني يعيش داخل قطاع غزة بالأمان على حياته أو حياة أسرته، فكل شخص معرّض في أي لحظة للقتل أو الإصابة، فقد تسببت الحرب باستشهاد وفقدان أكثر من 76 ألف شخص وإصابة نحو 169 ألفا آخرين.
وفقد عشرات الآلاف حياتهم جراء قصف منازلهم على رؤوسهم دون سابق إنذار، أو خلال سيرهم في الشوارع والأسواق أو خلال وجودهم في مراكز الإيواء، كما أن عشرات الآلاف قد أصبحوا معاقين بعد أن فقدوا أطرافهم بسبب الإصابات، من بينهم الآلاف من الأطفال والنساء.
وتنتشر أجواء الخوف والهلع في صفوف السكان -خاصة الأطفال منهم- بسبب استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على مدار الساعة.
تؤكد الأمم المتحدة والكثير من المؤسسات الحقوقية الدولية أن إسرائيل تجوّع سكان قطاع غزة عمدا وتمنع إدخال الطعام والشراب بهدف تحقيق أغراض سياسية، ويضطر السكان إلى خوض رحلة معاناة يومية بحثا عن الطعام والماء الصالح للشرب أو للتنظيف.
ومنذ عامين لا تسمح إسرائيل إلا بإدخال أنواع محدودة من الطعام، وتمنع بقية الأصناف الضرورية، خاصة أصناف الطعام الطازجة كاللحوم والبيض والحليب.
وتبدو مشكلة المياه أكثر خطورة، حيث تحصل كل أسرة على كمية محدودة جدا من الماء لا تزيد على لترات عدة، ويضطر أفرادها إلى السير مسافات بعيدة والوقوف في طوابير طويلة للحصول عليها.
تسببت إسرائيل بإغلاق أغلبية المشافي والمراكز الصحية، وأصبح الحصول على الخدمات الطبية أمرا صعبا، حيث تبلغ نسبة إشغال الأسرّة في بعض المستشفيات قرابة 200%، ويضطر الجرحى إلى افتراش الطرقات وتلقي العلاج على الأرض.
ولا يجد أصحاب الأمراض المزمنة علاجاتهم الضرورية للبقاء على قيد الحياة، وكذلك أصحاب الأمراض الخطيرة كالسرطان، كما تعطلت بشكل شبه كامل خدمات تشخيص الأمراض المعتمدة على الأجهزة الحديثة كالرنين المغناطيسي والقسطرة القلبية.
وفي مؤشر واضح على مدى تردي الأوضاع الصحية تقول وزارة الصحة إن الإجراءات الإسرائيلية تسببت في وفاة قرابة 40% من مرضى غسيل الكلى.
كما يعاني القطاع من شح كبير في مختلف أنواع الأدوية، ويصل الأمر إلى غياب أبسط مسكنات الآلام والمضادات الحيوية.
هدمت إسرائيل أغلبية منازل قطاع غزة، وتعمل بشكل علني على هدم ما تبقى منها، وهو ما تسبب في تشرد السكان واضطرارهم للعيش في خيام لا تصلح للسكن الآدمي.
وبشكل متكرر، تدفع إسرائيل السكان المشردين القاطنين في الخيام إلى النزوح المتكرر من منطقة إلى أخرى، وهو ما يفاقم مأساتهم ويكبدهم الكثير من الخسائر المالية.
منذ عامين لا تسمح إسرائيل بإدخال البضائع الأساسية كالملابس والأحذية والوقود والإسمنت والبطاريات وألواح توليد الطاقة الشمسية، وهو ما يزيد معاناة السكان.
وتسبب هذا الأمر في ارتفاع هائل بأسعار البضائع واضطرار السكان إلى ارتداء ملابس قديمة مهترئة، وعدم القدرة على استخدام السيارات لغياب الوقود، أو ترميم منازلهم لعدم توفر مواد البناء.
تمنع إسرائيل إدخال الوقود منذ بداية الحرب، وعملت في الوقت ذاته على تدمير أغلبية السيارات والآليات، وهو ما تسبب في أزمة مواصلات خانقة.
واضطر السكان إلى العودة لاستخدام العربات التي تجرها الدواب، بالإضافة إلى استخراج أنواع رديئة من الوقود عبر صهر البلاستيك.
منذ بداية الحرب ضيقت إسرائيل سفر الفلسطينيين من القطاع أو العودة إليه، في انتهاك سافر لحقّ الإنسان في التنقل، كما تمنع المرضى والجرحى من السفر للعلاج في الخارج.
وتسبب هذا الحظر في حرمان الراغبين في المغادرة بحثا عن الأمان، وكذلك العالقين -الذين وُجدوا داخل غزة مع نشوب الحرب- من السفر، وفي المقابل لا يتمكن الموجودون في الخارج من العودة إلى القطاع.
تسببت الحرب في تدمير كامل لاقتصاد القطاع والحركة التجارية فيه، وهو ما تسبب في حرمان السكان من مصادر الدخل.
بالمقابل، يواجه السكان ارتفاعا فاحشا في أسعار جميع البضائع بسبب ندرتها، ويترافق ذلك مع شح المساعدات أو انقطاعها بين الفينة والأخرى جراء السياسات الإسرائيلية، ويضطر الكثير من السكان إلى بيع مقتنياتهم وأثاث منازلهم للإنفاق على أنفسهم، أو طلب مساعدات من أقاربهم.
فاقم إغلاق البنوك وعدم سماح إسرائيل بإدخال العملات النقدية من أزمات القطاع الاقتصادية، وتسبب في عدم القدرة على سحب الأموال من البنوك إلا عبر سماسرة يعملون في السوق السوداء، ويحصلون على عمولات كبيرة تصل أحيانا إلى 45% من قيمة المبلغ الأصلي، وهو ما تسبب في تآكل أموال المواطنين.
كما أن تلف العملات الموجودة يفاقم أزمات المواطنين بشكل كبير، حيث يتحفظ كل من المواطنين والتجار على استلامها من الطرف الآخر خوفا من عدم القدرة على تصريفها.
تستهدف إسرائيل بشكل علني المنظومة الحكومية، وأقرت بتنفيذ عمليات اغتيال ضد بعض رؤساء البلديات، وتسبب هذا الأمر في تعطل مصالح السكان وعدم قدرتهم على الحصول على الخدمات المدنية والحكومية والبلدية والأمنية، وبات من أهم مظاهر هذا الأمر تعطل شبكة الصرف الصحي وجمع النفايات.
تضررت شبكات الاتصالات والإنترنت بشكل كبير بسبب القصف الإسرائيلي، وهو ما تسبب في ضعف شبكات الاتصالات وعدم قدرة المواطنين على التواصل للاطمئنان مع بعضهم البعض.
كما أدى ضعف أو انقطاع شبكة الإنترنت إلى تضرر أعمال الكثير من القطاعات والأشخاص الذين تعتمد أعمالهم ومصالحهم على التواصل الإلكتروني.
على مدار عامين كاملين أغلقت المدارس والجامعات أبوابها بشكل كامل، وهو ما اضطر وزارة التعليم مؤخرا إلى عقد امتحانات الثانوية العامة لطلبة العامين الدراسيين 2024 و2025 من خلال تطبيق إلكتروني خاص.
ورغم وجود العديد من المبادرات التعليمية الإلكترونية أو الوجاهية فإن تربويين يحذرون من الآثار المدمرة لهذا الانقطاع عن الدراسة على المستوى التعليمي للطلبة.
قطعت إسرائيل منذ بداية الحرب إمدادات الكهرباء بالكامل عن قطاع غزة، وهو ما تسبب في تعطل مختلف مناحي الحياة، في حين تعتمد المستشفيات وآبار المياه على مولدات تعمل بكميات محدودة من الوقود الذي يدخل إلى القطاع بتنسيق خاص من مؤسسات دولية.
كما تمنع إسرائيل إدخال البطاريات أو ألواح توليد الطاقة الشمسية، الأمر الذي تسبب في ارتفاع هائل بأسعارها.
بسبب غياب قوى الأمن انتشرت ظاهرة سرقة شاحنات المساعدات من قبل جماعات عشوائية أو منظمة، في حين تقول الحكومة في غزة إن إسرائيل تشجع هذه الظاهرة، حيث إنها تتم قرب أماكن وجود قوات الاحتلال، وتم تسجيل الكثير من الحالات التي قصف فيها الاحتلال قوات الأمن التي حاولت منع عمليات السرقة.
رغم المساحة المحدودة لقطاع غزة فإن إسرائيل عملت منذ بداية الحرب على تقطيع أوصاله إلى جزأين، شمالي وجنوبي، وانقطع التواصل بين العائلات.
ورغم عودة التواصل بين السكان عقب اتفاق وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني 2024 فإن الاحتلال عاد من جديد إلى قطع الطريق الواصل بين شمال وجنوب القطاع بداية الشهر الجاري.