في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية الرئيسية بعد عامين من الحرب المتواصلة على قطاع غزة ، حيث لم تتمكن من تدمير القوى العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) بشكل كامل، ولا من تفكيك البنى التحتية للمقاومة، ولا من تحرير الأسرى المحتجزين، في مؤشر واضح على انهيار إستراتيجيتها القائمة على الحسم السريع.
وفي هذا السياق، كشف الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد حاتم الفلاحي أن التداعيات على المنظومة العسكرية والأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية كبيرة جدا على جميع المستويات، مشيرا إلى أن استمرار القتال حتى اليوم والذهاب إلى طاولة المفاوضات بين الطرفين يمثل دليلا قاطعا على هذا الفشل.
وفي مقدمة هذه التحديات، يمثل الانهيار الاستخباراتي أبرز الإخفاقات التي واجهها الجيش الإسرائيلي ، بحسب الفلاحي، الذي أكد أن هذا الانهيار بدأ منذ الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ثم تجلى طوال فترة الحرب في عدم القدرة على الوصول إلى الأسرى المحتجزين داخل القطاع.
وإلى جانب ذلك، شكلت الأنفاق الموجودة في غزة إشكالية كبيرة للجيش الإسرائيلي في عمليات التوغل طوال الفترة الماضية، حيث ظلت وسيلة رئيسية لعمليات المباغتة ضد قوات الاحتلال.
وتؤيد تقارير دولية متخصصة هذا التقييم، إذ نشر مركز للجيش الأميركي تقريرا الشهر الماضي، أشار فيه إلى أن الحجم الهائل والتعقيد الكبير لشبكة الأنفاق في غزة أثبتا أنهما عنصر محوري في الحرب، حيث شكلا تحديا حقيقيا للتفوق التقليدي للجيش الإسرائيلي وفرضا تطورا سريعا في إستراتيجية القتال تحت الأرض.
ولا يقتصر الأمر على الجانب الاستخباراتي فحسب، بل أضاف العقيد الفلاحي أن النقص الحاد في القوى البشرية القتالية مثل إشكالية حقيقية للجيش الإسرائيلي، لافتا إلى أن هذه المنازلة الطويلة تناقضت كليا مع الإستراتيجية التقليدية لإسرائيل القائمة على الحرب الخاطفة في جميع حروبها السابقة.
وفي السياق ذاته، كشف عن نقص كبير في الخبرة لدى الجيش الإسرائيلي في القتال بالمناطق المبنية، مما انعكس على عدم استطاعة تحقيق الأهداف وأدى إلى إطالة أمد المعركة.
ونتيجة لهذه الإخفاقات، اضطرت إسرائيل إلى استخدام أسلوب الأرض المحروقة في عمليات التوغل إلى جميع المناطق، مستخدمة أقصى ما يمكن من طاقة تدميرية سواء للقوات الجوية أو المدفعية بالإضافة إلى الدبابات، في إشارة واضحة إلى عجزها عن التقدم دون هذا الكم الهائل من الإسناد النيراني.
وعلى صعيد التقديرات الإستراتيجية، أكد الفلاحي أن الجيش الإسرائيلي فشل فشلا ذريعا في تقدير موقف الاستخبارات، بدءا من عدم تقدير قوة كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس عندما شنت هجوم الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول الذي انهارت فيه منظومة الردع الإسرائيلية على جميع المستويات.
وتفاقم هذا الإخفاق عندما فشلت الاستخبارات في اكتشاف الأنفاق التي تواصل استخدامها حتى اليوم، وفي الوصول إلى الأسرى المحتجزين.
وفي قراءة للعوامل الخارجية المؤثرة، أشار الخبير العسكري إلى أن الدعم الأميركي الكبير كان عاملا حاسما في قدرة إسرائيل على الاستمرار، مؤكدا أن مقومات الصمود للجيش الإسرائيلي استندت بشكل أساسي على الدعم الأميركي والاستخباراتي الذي قُدم من العديد من الدول، مشددا على أنه لولا هذا الدعم لما استطاعت إسرائيل الاستمرار طوال هذه الفترة في المعركة.
وعلى الجانب المقابل، أظهرت فصائل المقاومة الفلسطينية قدرة استثنائية على التكيف والبقاء رغم الخسائر الكبيرة، حيث تحول نمط قتالها من مواجهات شبه تقليدية إلى مزيج من حرب عصابات لا مركزية تعتمد على عمليات نوعية وهجمات كر وفر داخل أحياء مدمرة وأنفاق معقدة.
ويدعم هذا التقييم تقريرا حديث لمشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة المعروف بـ"أكليد"، الذي أوضح أن المقاومة مزجت بين هجمات مفاجئة ومنظمة جزئيا واستنزاف لوجستي ونفسي، مستخدمة نيران القنص والعبوات الناسفة والمفخخات والطائرات المسيّرة الصغيرة.
وفي تفصيل لهذه التكتيكات، أوضح الفلاحي أن فصائل المقاومة اعتمدت منذ البداية على عدم الدخول مع الجيش الإسرائيلي في معركة حاسمة، ولجأت إلى حرب العصابات والقتال الخاص، حيث نُفذت أغلب العمليات من قبل مقاتلين على شكل مجموعات صغيرة أو حتى شخص أو شخصين فقط، وفي الوقت نفسه، حافظت على بنيتها التحتية بشكل مكّنها من القدرة على المطاولة والاستمرار في المعركة.
وفي رؤية متوافقة مع هذا التحليل، يتفق تحليل لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي مع هذا التوصيف، حيث أكد أن الأمر تحول بعد عامين إلى حرب عصابات الأفضلية فيها لصاحب الأرض، مشيرا إلى أن القتال الحضري المعقد أجبر الطرفين على تفكيك الوحدات الكبيرة إلى فرق صغيرة تعمل ببطء وبحذر، وهو ما يفضله بنيويا لاعب حرب العصابات الذي يعرف مسرح المعركة أكثر من الطرف المهاجم.
وفي قراءة تكتيكية لإستراتيجية المقاومة، التي وظفت الأرض بشكل إستراتيجي، بحسب العقيد الفلاحي، الذي لفت إلى أن المناطق المبنية توفر مراقبة وإمكانية إخفاء وتنقل من منطقة إلى أخرى.
وإضافة إلى ذلك، استخدمت الهاونات والصواريخ كإستراتيجية قتال غير مباشر عندما لا تستطيع المواجهة المباشرة، سواء في داخل القطاع أو في المناطق المحيطة أو حتى باتجاه تل أبيب .
ورغم ذلك، رجح معهد الأمن القومي الإسرائيلي أن تكون الكتائب الـ24 التي تمتلكها القسام قد دُمرت أو أُنهكت بشدة، لكنه اعترف بأنها احتفظت بقدرة على إعادة التجميع على مستوى الخلية.
وفي تقدير مختلف، أشارت مصادر أخرى إلى أن القسام و سرايا القدس الجناح العسكري ل حركة الجهاد الإسلامي تمكنتا من إعادة تعبئة آلاف العناصر، مما أعاد إليهما جزءا من قدراتهما.
وفي تحليل لنمط القتال المعتمد، تحول إلى دفاع معمق، وفق تحليل المعهد الملكي للخدمات المتحدة المعروف بـ"روسي"، الذي اعتبر ذلك من الدروس المركزية في قتال المدن، عبر استخدام العبوات والألغام وكمائن لمضادات الدروع والقنص والقصف قصير المدى، ثم الانسحاب إلى بطن الأرض وإعادة الظهور في نقاط أخرى.
وبهذه التكتيكات، فرضت المقاومة وتيرة استنزاف حتى داخل مناطق سبق أن أعلنت إسرائيل السيطرة عليها، وغيّرت القسام إستراتيجيتها لتركز على البقاء بدلا من المواجهة المباشرة مع تدمير مناطق كاملة وتوغل أوسع لجيش الاحتلال.
ولرصد الواقع الميداني بالأرقام، يشير تقرير "أكليد" إلى أن الفصائل الفلسطينية المسلحة خاضت معارك أقل بنسبة 65% مقارنة بالأشهر الـ6 السابقة، كما تراجع استخدام التفجيرات عن بعد بنسبة 35% تقريبا، ولكن رغم هذا التراجع الكمي، سُجل أكثر من 100 حادث أمني مرتبط بالقسام وحدها، قتلت خلالها هجمات القسام وبقية الفصائل نحو 50 جنديا إسرائيليا.
في تقييم واقعي للوضع، أقر الفلاحي بأن قدرات المقاومة تضررت بشكل كبير نتيجة المعارك الطويلة وعدم وجود دعم وإسناد من الخارج لإعادة ملء المخازن بالذخيرة، مشيرا إلى أن هذه الإمكانيات نضبت نتيجة طول أمد المعركة واستخدام ما لديها من مخازن وأسلحة.
لكنه في الوقت ذاته، أكد أن المقاومة لا تزال موجودة وقادرة على إحراج الجيش الإسرائيلي والاستمرار إذا استمرت الحرب.
وفي قراءة لموازين القوى الميدانية، لفت الخبير العسكري إلى أن الجيش الإسرائيلي يقاتل الآن بـ4 فرق في منطقة لا تتجاوز 50 كيلومترا في مدينة غزة ، مما يعني اختلالا كبيرا في موازين القوى بين الطرفين، مؤكدا أن الاعتماد على العمليات الفردية والمجموعات الصغيرة هو ما يمكّن المقاومة من الاستمرار والمطاولة.
وفي الحصيلة النهائية لعامين من المواجهة، تعرضت فصائل المقاومة لخسائر في القوى والقيادة، لكنها أظهرت قدرة على تنفيذ عمليات معقدة، وغيّرت من تكتيكاتها ومقاربتها، وتكيفت مع الظروف الميدانية مستخدمة كل ما توفر لها، بما في ذلك الركام والقنابل غير المنفجرة، في مؤشر على إستراتيجية صمود طويلة الأمد تتحدى الحسابات الإسرائيلية.