الخرطوم – عادت الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان إلى الأضواء بعد نحو 29 شهرا من الحرب في البلاد، حيث شهدت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أنشطة سودانية ودولية ركزت على ضرورة تخفيف المعاناة الإنسانية عن السودانيين، والسعي للوصول إلى هدنة لإدخال المساعدات للمتضررين.
وجدد رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التزام حكومته بخارطة الطريق التي سلمتها للمنظمة الدولية في وقت سابق، والتي تتضمن وقف إطلاق النار مصحوبا بانسحاب قوات الدعم السريع من المناطق والمدن التي تحتلها، ورفع الحصار عن مدينة الفاشر وما حولها، تنفيذا لقرار مجلس الأمن 2736 الصادر منذ أكثر من عام.
وعدّ إدريس في خطابه استمرار الصمت الدولي حيال "جرائم المليشيا الإرهابية المتمردة" وحصارها مدينة الفاشر وقصفها مخيمات النازحين، ضوءا أخضر لها لمواصلة جرائمها وانتهاكاتها.
كما بحث إدريس الأوضاع الإنسانية في بلاده مع وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية توم فليتشر، والمفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي ، والمديرة التنفيذية ل برنامج الغذاء العالمي سيندي ماكين، ومديرة منظمة " اليونيسيف " كاثرين راسل، وذلك بمقر بعثة السودان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
وحسب إعلام مجلس الوزراء، ناقش الاجتماع سبل تعزيز دعم الأمم المتحدة للعمليات الإنسانية في السودان، وتسهيل إيصال المساعدات، وتوسيع نطاق التدخلات الإنسانية، وحشد الدعم الدولي، وإنهاء حصار مدينة الفاشر ، إلى جانب تقديم المساندة للعائدين واللاجئين، كما تعهد رئيس الوزراء بتيسير كافة الإجراءات الضرورية والإدارية التي من شأنها أن تحسن الأوضاع الإنسانية.
وفي لقاء آخر، ناقش وزراء خارجية المجموعة الرباعية، التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، تطورات الأوضاع في السودان، وخاصة الإنسانية في الفاشر.
وكشفت تقارير نشرتها منصات سودانية موالية للحكومة أن الاجتماع الرباعي لم يتمكن من إصدار بيان مشترك بعد تحفظ أطراف في المجموعة على فقرة تطالب قوات الدعم السريع بإنهاء حصار الفاشر، وإدانة قصفها مسجدا بالمدينة أدى إلى مقتل 75 مصليا الأسبوع الماضي.
وفي السياق ذاته، قالت الخارجية المصرية في موقعها الإلكتروني إن وزيرها بدر عبد العاطي، الذي شارك في الاجتماع الوزاري للرباعية، شدد على دعم مصر لسيادة ووحدة وسلامة أراضي السودان ومؤسساته الوطنية.
وأكد الوزير على ضرورة وضع حد للمعاناة الإنسانية الناجمة عن النزاع، وأنه لا يمكن فرض أي ترتيبات على الشعب السوداني، معربا عن "القلق من الحصار وتدهور الأوضاع الإنسانية بمدينة الفاشر"، ومطالبا بفك الحصار فورا.
وبشأن المواطنين المحاصرين في حاضرة إقليم دارفور، أعرب المبعوث الأميركي لشؤون أفريقيا مسعد بولس عن أمله في دخول مساعدات إنسانية خلال الأيام المقبلة إلى الفاشر، التي تحاصرها قوات الدعم السريع منذ أكثر من 15 شهرا.
وقال بولس لصحافيين في نيويورك إن قوات الدعم السريع وافقت على السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المدينة، وتم "الاتفاق على وسيلة تتيح إيصال هذه المساعدات".
وتحذر الأمم المتحدة من أن نحو 300 ألف مواطن يعانون انعداما حادا للأمن الغذائي، في ظل توقف كامل للمساعدات منذ أكثر من عام.
وفي تحرك آخر، طالب الاجتماع الوزاري الذي نظّمه الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بشأن السودان، بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن الفاشر.
وشارك في الاجتماع وزراء خارجية وممثلون لـ25 دولة وجهة، وبحث الاجتماع الجهود المشتركة لتنسيق خطوات حماية المدنيين وخفض التصعيد في السودان، ودعا بيان صدر عقب الاجتماع كل الأطراف المتحاربة إلى تنفيذ هدنة إنسانية في الفاشر وفق ما اقترحته الأمم المتحدة.
وأدان البيان بشدة "تورط دول خارجية وجهات فاعلة من غير الدول في النزاع"، وحثها على الكف على مفاقمة النزاع، ولا سيما من خلال توفير المعدات العسكرية والدعم المالي.
كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون الإفريقية للجزيرة: نسعى لتفعيل مبادرة جدة بشأن السودان وطلبنا من طرفي الصراع الحضور من أجل الحوار#الأخبار pic.twitter.com/rXgo7UAihm
— قناة الجزيرة (@AJArabic) September 25, 2025
ويرى الناشط في العمل الإنساني بدارفور علي التجاني أن الأزمة الإنسانية في ولايات دارفور وكردفان التي تجري فيها العمليات العسكرية حاليا كانت بعيدة عن الأضواء والاهتمام، وأنه حتى المؤتمرات التي نظمت في باريس ولندن لتوفير التمويل للمساعدات الإنسانية لم تحقق سوى نحو 25% من التقديرات التي يحتاجها نحو نصف عدد سكان البلاد.
ويقول التجاني للجزيرة نت إن ما يحدث في الفاشر من مجاعة وتدهور للأوضاع الإنسانية وحصار المدينة ومنع الغذاء والدواء وحتى المياه عن المواطنين تسبب في حرج أخلاقي للمجتمع الدولي والإقليمي، وتوقع انفراجا قريبا لرغبة واشنطن في تحقيق اختراق في ملف الأزمة السودانية.
أما الكاتب والمحلل السياسي عثمان ميرغني فيرى أنه رغم الجهود التي بذلتها بعثة السودان لدى الأمم المتحدة لعقد لقاءات مع أطراف دولية واقليمية، فإنها قد لا تؤثر كثيرا على الأوضاع في السودان.
وحسب حديث الكاتب للجزيرة نت، فإن "السودان يعاني من عزلة دولية منذ انقلاب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ثم ضاقت حلقات العزلة بعد انفجار الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023″.
واستبعد ميرغني انفراجا في السودان وعلاقاته الخارجية قبل حل القضايا التي تهم المجتمع الدولي والإقليمي، معتبرا أن مجرد إلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أو عقد سلسلة لقاءات في نيويورك لا يغير من نظرة العالم إلا بقدر ما يصدقه من فعل داخلي في السودان، "وحتى الآن يغيب الفعل الداخلي في هذا الاتجاه"، حسب قوله.