آخر الأخبار

النزوح في غزة.. فرار من الموت إلى الموت

شارك

غزة- للمرة الثانية، عاد أهل مدينة غزة والشمال إلى النزوح نحو مناطق الجنوب، بعد عودتهم إبان اتفاق 19 يناير/كانون الثاني 2025، الذي نصّ على عودة النازحين إلى مخيمات الشمال ومدن غزة التي هُجّروا منها منذ بداية الحرب والاجتياح البري.

وأشارت منظمة " أطباء بلا حدود " إلى أن أكثر من مليون شخص في غزة يواجهون رعبا متجدّدا بعد تلقيهم أوامر عاجلة بإخلاء المدينة.

وأوضحت أن الهروب مستحيل على كثير من كبار السن والحوامل والحالات الحرجة والجرحى، وأن من يبقى في غزة قد حكم عليه الجيش الإسرائيلي بالموت، في حين يلاحق القصف العنيف من يحاولون الفرار، أما الناجون فيصلون إلى مناطق مكتظة في الوسط والجنوب، حيث لا أمان ولا مقومات أساسية للحياة.

وأكدت المنظمة أن ما يحدث في غزة ليس كارثة إنسانية فقط، بل إبادة جماعية ممنهجة لشعب أعزل بأكمله، مشيرة إلى أن مستوى الخسائر البشرية هائل، وأن إسرائيل تستخدم أسلحة فائقة القوة صُمّمت لساحات القتال المفتوحة.

وفي الثامن من أغسطس/آب الماضي، أقرّ المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- لاحتلال قطاع غزة ، الذي يتعرض لإبادة جماعية منذ 22 شهرا.

مصدر الصورة "أطباء بلا حدود" أكدت أن ما يحدث في غزة ليس كارثة إنسانية فقط، بل إبادة جماعية ممنهجة لشعب أعزل بأكمله ‏(رويترز)

إخلاء وقصف متجدد

وتمهيدا للعملية، أصدر جيش الاحتلال أوامر لسكان غزة بإخلائها بالكامل نحو مخيمات الوسط ومناطق الجنوب في مواصي خان يونس ، ثم فرض حصارا على المدينة وبدأ مناورة عسكرية داخلها.

وحذّر الجيش السكان من البقاء، مركزا هجماته على الأبراج السكنية القريبة من خيام النازحين لإجبارهم على النزوح.

وذكر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن أكثر من 700 ألف مواطن ما زالوا متجذّرين في مدينة غزة، متمسكين بأرضهم وبيوتهم، ورافضين بشكل قاطع النزوح جنوبًا، رغم وحشية القصف وحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضمن جريمة التهجير القسري المنافية لكل القوانين والمواثيق الدولية.

إعلان

والأمر الأكثر غرابة أن الجيش الإسرائيلي أصدر تعليمات بإخلاء مناطق في وسط وجنوب قطاع غزة المكتظة بالنازحين، معلنا تصعيد الهجمات فيها بالتزامن مع إخلاء مدينة غزة، من دون إعلانها مناطق آمنة، بل مع مواصلة النشاطات العسكرية داخلها. وهي المناطق نفسها التي كان قد طلب من سكان غزة التوجه إليها.

نزوح بين الوسط والجنوب

ويؤكد المواطن سمير أبو عامر -القاطن في حي الأمل بخان يونس قرب ما يُسمى المنطقة الآمنة في مواصي خان يونس- أن القصف المدفعي والجوي والطائرات المسيّرة أجبرهم على النزوح نحو وسط القطاع، إلى مخيم النصيرات الذي يتعرض أيضا للقصف المستمر.

ويروي للجزيرة نت: "تركنا بيتنا على عجل تحت أصوات الانفجارات والدخان الكثيف، ولم نحمل سوى بعض الملابس وأوراقنا الثبوتية. ظننا أننا سنجد في النصيرات مكانا أكثر أمانا، لكننا فوجئنا أن القصف يلاحقنا أينما ذهبنا. لم يعد هناك مكان يمكن أن يُسمى آمنا".

ويضيف "أسرتي المكوّنة من 9 أفراد اضطرت للسكن في منزل قريب لنا، لأنني غير قادر على استئجار بيت أو حتى شقة صغيرة إن وُجدت، أو العثور على مأوى بديل".

ولم يكن الأمر أفضل حالا مع المواطن عبد الله جلال، الذي عاد إلى ركام بيته في منطقة العرايشية قرب مستشفى الهلال الأحمر بخان يونس، فقد نصب خيمة مهترئة ليعيش فيها مع أسرته، لكن الدبابات الإسرائيلية هاجمت المنطقة فجأة، فلم تُمَهله للاستقرار، فهرب تاركا خلفه كل ما يملك.

ويقول للجزيرة نت: "أعيش حياتي ما بين كر وفر، فبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي عدت مع كثيرين من السكان وجيراني إلى المنطقة، ولم يكن أمامي خيار سوى نصب خيمة مؤقتة قرب أنقاض بيتي. رغم إدراكي أنها منطقة خطرة لا تغادرها الطائرات المسيّرة التي تطلق نيرانها تجاه خيامنا باستمرار".

ويتابع "كنت أعلم أن المكان مهدد دائما باجتياحات جديدة. أعيش وباقي السكان حولي بين خوف من عودة الدبابات في أي لحظة، وعجز تام عن الانتقال إلى مكان آخر لعدم توفر الإمكانيات المادية والمالية".

مصدر الصورة مع استمرار معاناة نزوح السكان لا مكان آمن في غزة (الأمم المتحدة)

مقامرة يومية مع الموت

أما المواطن خالد علي، من منطقة أبو هولي شمال شرق دير البلح، فيصف الحياة هناك بأنها "مقامرة يومية مع الموت". فقد كان يعيش مع أسرته في جزء من بيته المدمّر تحت خطر دائم من القصف والاجتياحات، لكنه لم يكن يملك تكاليف النزوح أو استئجار مأوى بديل.

ويقول للجزيرة نت "بقيت مع عائلتي في البيت رغم الخوف، لأننا لا نملك خيارا آخر. النزوح يحتاج إلى مال للسكن والمواصلات والطعام. بالكاد أستطيع إطعام أولادي. كنا ننام على أصوات الانفجارات ونستيقظ على أخبار المجازر، نعيش وكأن كل يوم هو الأخير".

ويتابع أن "الخطر اقترب أكثر حين اجتاحت الدبابات المنطقة فجأة، ترافقها الطائرات المسيّرة والقصف المدفعي، ولم يكن أمامنا سوى الهروب حفاة وتحت الرصاص للنجاة بأرواحنا".

بعد ساعات من التيه، وجد خالد نفسه وأسرته بين النازحين في غرب دير البلح، حيث لم يجدوا مأوى يحميهم، فافترشوا الشوارع وناموا في العراء، يلتحفون السماء وسط مئات العائلات.

شاهد وحارس لذاكرة المكان

وحين سألت الجزيرة نت الكاتب الفلسطيني يسري الغول عن سبب إصراره على البقاء في منزله بمعسكر الشاطئ، قال "رفضت النزوح في المرة الأولى، وعشت مع عائلتي أهوال الحرب، وواجهت الموت عدة مرات، وتنقلت من مكان إلى آخر داخل غزة تحت أزيز الرصاص وقذائف المدفعية وصواريخ الموت".

إعلان

وتابع "أرفض النزوح مرة أخرى، لأنني أعتبر نفسي جزءا من هذه الأرض، ومسؤوليتي أن أبقى صامدا في وجه كل ما يحدث، شاهدا على المعاناة وحارسا لذاكرة المكان، حتى وإن كان الثمن حياتي".

ويضيف "رغم ذلك، تركت أمر الاختيار هذه المرة لعائلتي، التي قررت النزوح خوفا من القصف غير المسبوق على منطقتنا وبقيت وحيدا".

ولا يخفي الغول خوفه من القادم، في ظل حرب إبادة لا هوادة فيها تستهدف البشر قبل الحجر، ولا يعلم كيف سينتهي به المطاف في بقعة جغرافية محاصرة لم تعد فيها أي مناطق أو أماكن يمكن الهرب إليها.

وتعمد إسرائيل عبر سياستها التي تتجاوز العمليات العسكرية المباشرة والتي تأخذ منحى إستراتيجيا يقوم على تعمد تهجير السكان قسريا من خلال الإخلاءات القسرية والنزوح، والقصف المكثف والعشوائي واستهداف الأحياء السكنية والبنية التحتية، بما في ذلك المناطق التي تسميها آمنة لإشعار المدنيين بعدم وجود مكان أمن.

وتقوم كذلك بالاجتياحات البرية للمناطق المكتظة وتدمير المنازل أو تفخيخها، مما يجعل العودة إليها لاحقًا شبه مستحيلة، وتستهدف "الملاذات الآمنة" والمخيمات والمراكز التي يُقال إنها مخصصة للنازحين مما رسخ لدى المواطنين أن الترحيل والنزوح قدر محتوم.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا