في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
الثامن من سبتمبر/أيلول 2025. قبل أن يُكمل عاما واحدا في رئاسة الوزراء، سقط فرانسوا بايرو في تصويت سحب الثقة في البرلمان الفرنسي، لتُكتب بذلك نهاية الحكومة الرابعة منذ انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا لفترة ثانية عام 2022، فيما يبدو أنها ستكون فترة رئاسية حفلت بتشكيلات حكومية متوسِّط عُمرها عام واحد، إن لم يكن أقل.
أزمة وراء أزمة، صارت فرنسا بلدا غير قابل للحُكم في رأي الكثير، طالما على رأسه رئيس لا يحب القوى السياسية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وفي شوارعه شعب يعاني اقتصاديا، ويخطط لإضراب يشل البلاد صباح غد 10 سبتمبر/أيلول المقبل.
منذ وصوله إلى الإليزيه، تعامل إيمانويل ماكرون بطريقة مختلفة مع السلطة، وبدلا من أن يُعلن توجُّها سياسيا أو أيديولوجيا واضحا، اختار خيارا مختلفا بأن يكون هو نفسه التوجه السياسي، مبتدعا تيارا كاملا يدور حوله، وهو تيار هجين يجمع شخصيات يسارية وأخرى يمينية، وأفكارا من كل حدب وصوب تصل بعض توجهاتها إلى أقصى اليمين الفرنسي، متفوقة في تطرفها أحيانا على اليمين المتطرف الفرنسي ذاته.
بدا كل ذلك كأنه يمهد لبدء مرحلة زوال عهد ماكرون قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد عامين، حيث بدأت القوى السياسية تستعيد عافيتها ضد ماكرون وفريقه وشعبيته، وترسم مستقبلا بل وحاضرا صعبا للرئيس الفرنسي.
قبل أن تُسحَب الثقة من حكومة بايرو، كانت فرنسا على موعد أمس مع جلسة لتبني ميزانية العام الجديد. وقد اقترحت حكومة بايرو تخفيض تلك الميزانية بقيمة 44 مليار يورو، وإلغاء بعض أيام العُطل لدفع الفرنسيين للعمل أكثر، وهو أمر يُعَد من الكبائر في فرنسا، إذ إن المعارضة والشعب من ورائها، يرون أنه ما من مُسوِّغ لأن يدفع الفرنسيون ثمن التسيير المالي السيّئ للحكومات التي عملت تحت قيادة ماكرون، خصوصا أن الأخير أرهق البلاد اقتصاديا بدعمه المالي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.
بدوره، يعيش ماكرون أزمة عميقة، ولا تقتصر المشكلة هنا على سقوط الحكومة، فالمشكلة الحقيقية أن ماكرون عاجز عن تشكيل حكومة غير قابلة للسقوط، وإدارة البلاد بصورة مُستدامة ومستقرة فيما بقي من فترته الرئاسية، فهو يدور في فلك 4 أحزاب هي حزبه النهضة، وحزب الجمهوريين، والحركة الديمقراطية، وحزب آفاق، ولذلك حاول في الفترة الأخيرة استمالة الحزب الاشتراكي وحزب الخضر نحو التحالف معه.
بهذه الخطوة كان ماكرون يرغب في توسيع نسبة المؤيدين لحكومته لحمايتها، وهي مهمة لم تنجح. ولكن الإشكال يظل في أن إدخال اليسار يطرح سؤالا مهما: هل كان اليمين الجمهوري حليفه الحالي سيقبل بالتحالف مع خصمه الأيديولوجي تحت قيادة ماكرون؟
من جهة ثانية، وبينما يتبنى ماكرون في المجالين الاجتماعي والثقافي سياسات هي أقرب لأفكار اليمين فعليا، فهل كان الاتفاق مع اليسار في بعض هذه الملفات مُمكنا أصلا، أم أنه كان خطوة ستؤجل سقوط الحكومة ليس إلا.
سقطت الحكومة على أي حال، ويبدو ماكرون الآن أمام خيارين، إما إعلان حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية جديدة كما حدث في يونيو/حزيران من العام الماضي، وهي الانتخابات التي انهزم فيها أمام اليسار، ورفض بعد ذلك الخضوع لمنطق الانتخابات باختيار وزير أول يساري، فاختار بايرو بدلا من ذلك.
يعني هذا السيناريو هزيمة ثانية أمام المعارضة، أو ربما اليمين المتطرف هذه المرة. أما الخيار الثاني فهو استقالة ماكرون من رئاسة فرنسا، كما دعت إلى ذلك صراحة مجلة فورين بوليسي الأميركية في مقال للباحث أرثر غولدهامر، الزميل بمركز الدراسات في جامعة هارفارد، لكنه أمر شبه مستحيل في الوقت الحالي.
ليس مصطلح "الماكرونية" مجرد مصطلح عابر للحديث عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بل هو في الواقع مصطلح حقيقي يشير إلى تيار كامل شكَّله الرجل، وبدأ ظهوره مع حركة "إلى الأمام" التي أسسها الرئيس الفرنسي بمساعدة عدد من المقربين منه.
وتقول ليبيراسيون إنه في محيط ماكرون لا يوجد مرشح وأنصار، بل رئيس ومساعدون، حيث ينظر الرئيس الفرنسي إلى الدولة بمنطق الشركة، وهو القادم من خلفية مصرفية. وذلك لا يخفى في توجهاته الليبرالية التي تصل إلى حد التطرُّف أحيانا، فلطالما وصفه كل من جان لوك ميلانشون زعيم اليسار الراديكالي، ومارين لوبان زعيمة أقصى اليمين، بـ"المصرفي" انتقادا لسياساته.
لا تقف الماكرونية عند هذا الحد، بل تجعل من فكر ماكرون أيديولوجيا قائمة بذاتها، فقد أوجد ماكرون لنفسه ما يعرف بـ"الطريق الثالث"، حيث إن الرجل عمل مع فرانسوا هولاند اليساري، رغم أنه ليس يساريا، كما جمع حوله مجموعة من قيادات حزب الجمهوريين اليميني، وهو في بعض الأحيان يكون أقل يمينية منهم، وفي أحيان أخرى أكثر يمينية منهم.
لذا، يعيش ماكرون مغامرة فردية غير متسقة أيديولوجيا، ويرفض ما يعتبره جمودا يُحرِّك الأحزاب السياسية التقليدية، ويتبنى طريقا آخر أكثر مرونة وتمحورا حول ذاته، ويبحث عن النجاح في إدارة الدولة وكأنها شركة، متبنيا نهجا إداريا أميركيا نوعا ما ومتجاوزا للسياسة التقليدية، وكأنه يعيش في ذروة العولمة مطلع الألفية، لا في لحظة انحسارها حيث تنهال عليها انتقادات من اليمين واليسار على حد سواء.
يدرك الرئيس الفرنسي أن بلاده تحمل تاريخا سياسيا عريقا، بيد أن الفرد عند ماكرون، وإن كان يرتبط دائما بالمكان والزمان، يعيش في عالم نيوليبرالي يعترف فقط بالفرد القوي الناجح والمتميز، ومن ثمَّ يفضل ماكرون الطبقات الوسطى العُليا التي تؤمن بالترقي الاجتماعي والانفتاح، ويشجع الحالمين بإدارة مشاريع خاصة، والمتسلقين للهياكل التنظيمية على كل المستويات، الذين يتبنون نسخة من الحلم الأميركي لكن بروح فرنسية، وللمفارقة يأتي هذا التصور في لحظة يحتضر فيها نموذج الحلم الأميركي في بلده الأم ذاته.
يحمل ماكرون أيضا بعض الأفكار التي تتناقض بشكل صارخ مع مبادئ الليبرالية، فهو يؤمن بالدولة القوية، ويتحرك أحيانا بطريقة متمركزة حول الدولة تتقاطع مع الاشتراكية، مثلما فعل مع قرار تأميم التأمين ضد البطالة وقرار إلغاء ضريبة السكن عن 80% ممن دفعوها في السابق، مما جعل البلديات المحلية أقل استقلالية وأكثر خضوعا للدولة. وتتلخص فلسفة ماكرون كما تقول ليبيراسيون في أن "الفرد يلعب، لكن الدولة تضمن له الأدوات اللازمة للعب"، جمهورية قوية، لكنها ليبرالية على تناقض الأمرين معا.
في خطابه السياسي يستعمل ماكرون ومنذ مدة مصطلح "التيارات المتطرفة"، للحديث عن أهم التيارات السياسية القوية في فرنسا اليوم، وعلى رأسها اليسار الراديكالي واليمين المتطرف. وقد استفاد ماكرون كثيرا من الصورة العالقة في أذهان الفرنسيين عن اليمين المتطرف، رغم أنه لا أحد ينكر أن سياساته ساهمت في توحُّش هذا التيار. ولكن ماكرون يقدم نفسه دائما على أنه الحل الوحيد للوقوف أمام مارين لوبان، وتمكن من تحقيق مكاسب كبيرة من هذه الفكرة أهمها بقاؤه رئيسا لفرنسا لولايتين رغم المعارضة الشديدة له في الشارع وشعبيته المتأزمة.
يسارا، عمل ماكرون على تصوير اليسار الراديكالي وكأنه خطر لا يقل عن اليمين المتطرف، فإذا كان اليمين يكره المسلمين، فإن اليسار الراديكالي معاد للسامية على حد قوله، ويشكل خطرا على اليهود. ولذلك فإن الحل الوسط هو التيار الرئاسي، الذي لا يميز بين الفرنسيين، أو هكذا يدَّعي ماكرون. فمنذ صعود ماكرون إلى سدة حكم فرنسا، عرف اليسار الاشتراكي واليمين الجمهوري خفوتا كبيرا وغيابا عن أي مشاريع سياسية، وانحصرت المنافسة بين ماكرون ويسار ميلانشون ويمين لوبان، وزادت المنافسة حدة منذ حوالي سنة.
في 9 من يونيو/حزيران من العام الماضي، قرر ماكرون حل البرلمان وإعلان انتخابات تشريعية بعد هزيمة حزبه في الانتخابات الأوروبية، وحينها جاءت النتيجة صادمة للجميع، إذ تصدَّر تحالف اليسار الانتخابات، في مفاجأة لماكرون ولمارين لوبان على حد سواء.
وقد رفض ماكرون الرضوخ لأصوات الناخبين في لحظة عناد مع الديمقراطية، التي لا يبدو أن لها مكانا مُعتبرا في نسخته الفرنسية من "الحلم الأميركي". ولم يُعيِّن رئيس وزراء من اليسار، بل اختار بايرو في سبتمبر/أيلول 2024، وهو خيار كان يعلم جيدا أنه لن يحل الأزمة السياسية، خصوصا أن الحكومة لم تكن سوى إعادة تدوير لحكومة غابريال عتال، فقد بقي عدد من الوزراء مع تغيير وزاراتهم فقط، وفي كل الأحوال بقي رجال الحكومة هُم رجال ماكرون مثلهم مثل الحكومة السابقة.
في تقرير له حول الموضوع، يقول موقع بيبليك سينا -وهو موقع البرلمان الفرنسي "غير الرسمي"- إن فرنسا تعيش إحدى أخطر الأزمات السياسية في عهد الجمهورية الخامسة، مما يجعل الأسئلة تزداد حول ضرورة تغيير المؤسسات، ويطرح فكرة لطالما طرحها اليسار، وهي إنهاء الجمهورية الخامسة وبناء الجمهورية السادسة.
وينقل التقرير عن مجموعة خبراء قانونيين ومؤرخين قولهم إن الأزمة تكمن في الصلاحيات الكبيرة الموسعة لمؤسسة الرئاسة، حيث يقول جون بيير كامبي، أستاذ القانون، إن تركيز السلطة في يد الرئيس موجود منذ دستور 1958، لكن كل ما حدث لاحقا زاد من هذه الظاهرة. وقد قلَّص تعديل الدستور عام 2008 صلاحيات الحكومة أكثر، مما أدى إلى وصول فرنسا إلى نموذج فيه رئيس يدير كل شيء في البلاد، ما لم تمنعه الأغلبية من ذلك.
وفي نفس السياق تقول ماري آن كوهينديت، أستاذة القانون الدستوري بجامعة باريس، إن الجمهورية الخامسة تمر باختبار صعب لأن المشكلة الرئيسية تكمن في عدم التوازن بين الشرعية والمسؤولية والسلطة. وتضيف أن الرئيس هو الحاكم والضامن لسير المؤسسات، وهذا طبيعي لأنه غير مسؤول سياسيا. لذلك، يجب أن تقود الحكومة سياسة الدولة، ولهذا يمكن إسقاطها، لكن عندما يمتلك الرئيس أغلبية، يتجاوز صلاحيات الحكومة رغم عدم مسؤوليته، مما يثير غضب الرأي العام.
لا تعيش فرنسا ماكرون أزمة سياسية فحسب، بل تعيش أزمة اقتصادية خانقة بدأ مداها يصل إلى أطباق الفرنسيين اليومية، وقد كانت حكومة بايرو أمام الكثير من التحديات التي لم تستطع حلها. وقد مهَّد ماكرون لهذه الطريق المتأزمة بعدد من الخطوات، منها تقديم تخفيضات ضريبية واسعة عقب انتخابه عام 2017، من دون تخفيضات مماثلة في تكاليف الرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة، حيث ألغى ضرائب الثروة والسكن، وخفض ضرائب الشركات، وفرض ضريبة موحدة على أرباح رأس المال، والنتيجة لم تكُن "حُلما فرنسيا" كما تصوَّر، بل حرمان الدولة بحلول عام 2023 من 62 مليار يورو من الإيرادات الضريبية السنوية، أي ما يعادل 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مع زيادة الدين الداخلي إلى 3.35 تريليون يورو، وهو ما يفوق الناتج المحلي ذاته.
صحيح أن هذه التخفيضات الضريبية جعلت من فرنسا إحدى أكثر الوجهات جذبا للاستثمارات الأجنبية في أوروبا، وساعدت على خفض البطالة بـ7%، لكن سلسلة من الأزمات الاقتصادية ضربت البلاد لاحقا، فأزمة السترات الصفراء وحدها كلفت ماكرون 17 مليار يورو لنزع فتيل الاحتجاج، كما كلفت آثار جائحة كوفيد 19 البلاد حوالي 42 مليار يورو إضافية، ثم أتى الغزو الروسي لأوكرانيا الذي رفع أسعار الطاقة، فرد ماكرون بتقديم 26 مليار يورو في صورة إعانات للطاقة.
غرقت فرنسا في الديون رُغم السياسات النيوليبرالية النموذجية، لأن اللحظة الحالية من عُمر النظام الرأسمالي العالمي، ومن عُمر المنظومة الأوروبية وأزمتها الجيوسياسية مع روسيا، لم تكن مواتية لإنجاح نموذج من هذا النوع. لكن الرجل الذي جاء بسُترة مدير الشركة لم يلق بالا للتاريخ أو الجغرافيا السياسية بما يكفي، ففوجئ بتوقُّف النمو وقفزة الديون. ورغم ذلك، رفض ماكرون زيادة الضرائب، كما واجه صعوبة في تقليص المخصصات الاجتماعية، ثم رأى أن من الحلول الممكنة رفع سن التقاعد إلى 64 عاما بحلول 2030، مما يوفر 17.7 مليار يورو، ويضيف للفرنسيين عاميْن آخريْن من العمل قبل بلوغ المعاش.
بعد وصوله إلى رئاسة الحكومة، كان بايرو أمام العديد من الملفات الصعبة، ومنها ملف التقاعد. في يناير/كانون الثاني الماضي، وعد بايرو بإعادة النظر في قرار رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، لكن بعد أربعة أشهر من المفاوضات لم يحدث أي شيء، ولم تصل الحكومة إلى اتفاق مع النقابات وأرباب العمل، ولم تُعتمَد حتى التعديلات البسيطة التي اتُّفق عليها، مثل تحسين حقوق النساء أو تخفيض طفيف في سن إلغاء الخصم من المعاشات. وتسبَّب هذا الأمر في تأجيج الغضب النقابي وعودة الدعوات إلى الإضرابات لإحراج الحكومة.
وقد قدمت الحكومة الفرنسية أيضا أداء ضعيفا في الخدمات الصحية، حيث عرف القطاع الطبي عجزا بلغ 23 مليار يورو عام 2025، وغرقت المستشفيات في الديون حتى وقفت على حافة الإفلاس، وكان الطب النفسي الضروري في فرنسا بسبب معدلات الأمراض النفسية والانتحار ضحية من ضحايا هذا التقشف.
بدأ المعبد التهدم على رأس ماكرون الذي جاء من بعيد لرئاسة البلاد بعدما لم يكن اسمه مطروحا أصلا. وقبل حوالي خمسة أشهر، خرجت صوفي بريماس، الناطقة الرسمية باسم الحكومة الفرنسية، بتصريح مثير للجدل على قناة سي نيوز قالت فيه إن "الماكرونية ستُكتب نهايتها على الأرجح في الأشهر المقبلة مع نهاية الولاية الرئاسية الثانية للرئيس ماكرون.. والسؤال هو كيف سنعيد بناء المرحلة التالية؟".
في مقال لها حول الموضوع تقول الكاتبة الصحفية إيتيان جيرنيل إن نهاية الماكرونية لم تبدأ في الأشهر الأخيرة، بل بدأت بعد الفشل في الانتخابات الأوروبية وحل البرلمان الفرنسي، ثم الهزيمة في الانتخابات التشريعية. وتضيف جيرنيل أن البعد الأوروبي هو الإرث الأبرز، وربما العمود الفقري الوحيد الذي لم يتراجع عنه ماكرون، لكن داخليا كانت الماكرونية عبارة عن فلسفة حكم جديدة عرفتها فرنسا، واستولت منذ عام 2017 على مفاتيح الدولة لخدمة مصالح رأس المال الخاص ليس إلا.
يعيش ماكرون أياما صعبة للغاية، ويبدو أن القادم أصعب بعد سقوط حكومة بايرو، ولعله يشعر بأن إستراتيجيته التي تمكن من خلالها من الاستمرار في حكم فرنسا مدة ولايتين قد انتهت صلاحيتها، وأن تسليم البلاد لليسار الذي حاربه بشدة أو لليمين الذي قال إنه يحاربه بشدة، أصبح مسألة وقت، وحينها ستكون فرنسا على موعد مع مرحلة جديدة، ورئيس وتيار متجاوزَين لإطار الجمهورية الخامسة، بعيدا عن يسار الوسط الضعيف واليمين الجمهوري الأضعف. وكل ذلك مع مستقبل ضبابي للغاية، لم ينجح فيه ماكرون إلا في البقاء في الإليزيه، وكأنه حاكم من العالم الثالث أطال أمد بقائه في السلطة على حساب الشارع والأداء الاقتصادي والسياسي، لا حاكم من بلاد "الحلم الأميركي" الذي ألهم إدارته المتآكلة على مدار أعوام ثمانية من الأزمات الدولية أطلقت إشارات واضحة، المرة تلو المرة، من واشنطن إلى بيروت، بأن عصر تحويل "المدير الناجح" إلى "سياسي" قد ولَّى.