آخر الأخبار

العائدون إلى سوريا من تركيا بين التفاؤل وخيبة الأمل

شارك

دمشق- "عندما سقط النظام، فجر ذلك اليوم شعرت وزوجي بفرح غامر، واتخذنا قرارا حماسيا بالعودة إلى سوريا، بحثا عن حياة أفضل من تلك التي كنا نعيشها في تركيا . واليوم، بعد مضي 8 أشهر على عودتنا، أشعر بأن الطريق لا يزال طويلا أمامنا لتحقيق حلمنا البسيط بعيشة هادئة وكريمة".

بهذه العبارات تكشف السورية ملك رزق (31 عاما)، التي تعمل في مجال التسويق الرقمي، عن خيبة أملها من تردي الواقع المعيشي والخدمي الذي عايشته هي وزوجها في سوريا منذ عودتهما إليها من ولاية غازي عنتاب التركية قبل 8 أشهر.

وتضيف ملك في حديثها للجزيرة نت: "لقد ترك الأسد البلاد مدمرة بالكامل، ونحن ننتظر أن تتمكن الحكومة الجديدة من تسهيل حياة السوريين الذين عانوا كثيرا خلال 15 سنة مضت".

مصدر الصورة سوريون ينظمون أوراق عبورهم من تركيا إلى الأراضي السورية من خلال معبر باب الهوى (الجزيرة)

أرقام وبيانات

تشهد سوريا إحدى أكبر موجات العودة الطوعية للاجئين بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفضّل مئات الآلاف منهم العودة إلى ديارهم بعد سنوات من اللجوء القسري، في وقت سجل فيه العائدون من تركيا النسبة الكبرى بينهم.

غير أن هذه العودة سرعان ما تعثّرت خطاها بواقع صعب للغاية، إذ اصطدم العائدون بالدمار الواسع الذي لحق بمساكنهم، وغياب البنية التحتية في مدنهم الأصلية، فضلا عن تفشي البطالة وسوء الواقع المعيشي، إضافة إلى فقدان بعضهم الوثائق الرسمية والثبوتية، مما وضعهم مجددا أمام تحديات معيشية وقانونية قد تفتح فصلا جديدا من المعاناة.

ويقول مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مازن علوش إن نحو 450 ألف سوري عادوا من تركيا عبر مختلف المعابر الحدودية منذ "التحرير"، ودخل 215 ألفا عبر معبر باب الهوى، و135 ألفا عبر معبر السلامة، في حين توزّع الباقون على المعابر الأخرى.

إعلان

وأضاف علوش للجزيرة نت أن ما يقارب 250 ألف لاجئ آخرين عادوا من دول الجوار، بينهم 120 ألفا من لبنان، و100 ألف من الأردن، و20 ألفا من العراق.

مصدر الصورة مازن علوش: نحو 450 ألف سوري عادوا من تركيا عبر مختلف المعابر الحدودية بعد سقوط النظام (رويترز)

محاولات وتسهيلات

وأوضح المسؤول السوري أن السلطات تقدم كل التسهيلات اللازمة، وتستقبل العائدين من حاملي بطاقات الحماية المؤقتة "الكملك" بعد التخلص منها على الحدود التركية والدخول إلى سوريا، بينما يُحوَّل من لا يملك وثائق أو ثبوتيات من قبل السلطات التركية إلى أقرب دائرة هجرة ليُصار إلى ترحيله رسميا واستقباله من الجانب السوري.

أما بالنسبة للعائدين من دون هوية أو جواز سفر أو بطاقة حماية، فأوضح المسؤول أنه يتم التعامل معهم بطلب إبراز أي مستند يثبت شخصيتهم، مثل إخراج قيد أو صورة عن الهوية أو دفتر العائلة، وفي حال تعذر ذلك يُلزم اللاجئ بالتواصل مع أحد أقاربه لتزويده بصورة عن وثيقة رسمية تثبت هويته كدفتر العائلة أو إيصال تسجيل على بطاقة شخصية أو غيرها من الوثائق الثبوتية.

وفي ما يخص الأطفال المولودين في بلدان اللجوء، بيّنَ علوش أن المعابر تكتفي بشهادات الميلاد الصادرة عن المستشفيات في تلك البلدان أو أوراق التسجيل الممنوحة من مفوضية اللاجئين، حيث تُعرض هذه الوثائق على رئيس قسم الهجرة والجوازات للتدقيق، ثم يصار إلى استكمال الإجراءات وإدخال العائلة.

مصدر الصورة ازدحام على معبر "جيلوة غوزو" الحدودي التركي مع سوريا مع تدفق السوريين الراغبين في العودة إلى بلادهم (الأناضول)

صعوبات معيشية

ورغم أن المسؤولين عن المعابر الحدودية السورية يقدمون كافة التسهيلات للعائدين من بلدان اللجوء المجاورة، فإن هؤلاء يواجهون صعوبات وتحديات أخرى متعلقة بالسكن والمعيشة والخدمات العامة بعد دخولهم البلاد.

فمع عودتهما من تركيا، لم تتمكن ملك وزوجها توفيق من العيش في شقة يملكها الزوج في منطقة داريا بريف دمشق، إذ "سوّتها براميل النظام أرضا" كما تقول ملك. ولذا لجأ العروسان إلى استئجار شقة في مدينة دمشق بالقرب من مساكن أقربائهما ومعارفهما.

وحول الصعوبات التي تواجه الزوجين منذ عودتهما، تقول ملك "نواجه صعوبات في كل شيء تقريبا، سواء بالأشياء المادية والحياتية أو بالأشياء المعنوية".

وتشير ملك بدايةً إلى سوء الواقع الخدمي في البلاد، الذي اضطرها وزوجها إلى صرف جزء كبير من مدخراتهما لتركيب منظومة طاقة صغيرة تقيهما حر الصيف وتمكنهما من ممارسة حياتهما بشكل "شبه طبيعي".

وتلفت إلى صعوبة التأقلم مجددا في بلاد تُعتبر للعائدين بمنزلة "بلاد جديدة"، حيث يصبح هذا التأقلم أصعب في ظل "ندرة فرص العمل، وضعف الأجور، وسوء الخدمات، وغياب الأفق المستقبلي للحياة".

وتوضح ملك أن زوجها أصبح عاطلا عن العمل منذ وصولهما إلى سوريا، في حين تحافظ هي على وظيفتها التي تمارسها عن بُعد مع شركة تركية في مجال التسويق الرقمي.

ويأمل الزوجان أن تتمكن الحكومة الجديدة من النهوض بالاقتصاد مجددا، وتوفير مناخ جاذب للاستثمارات حتى تتوفر فرص العمل ويتمكن جميع السوريين من اغتنام فرصهم لعيش حياة أفضل.

مصدر الصورة اللاجئون السوريون يتخوفون من صعوبة استكمال أطفالهم التعليم لدى عودتهم إلى ديارهم (الفرنسية)

تحديات مضافة

وإلى جانب الصعوبات والتحديات المعيشية اليومية التي يواجهها اللاجئون السوريون العائدون من تركيا، يواجه عدد كبير منهم تحديات مختلفة تتعلق بالوثائق الرسمية وفقدان الأوراق الثبوتية.

إعلان

يقول عامل البناء محمد الموسى (36 عاما) -الذي عاد وأسرته في الآونة الأخيرة إلى سوريا من ولاية هاتاي التركية- إنه تمكن من العبور وعائلته إلى البلاد قبل شهرين دون أي مشكلة، لكن المعاناة بدأت مع دخوله سوريا وبدء معاملة تسجيل الأطفال في دائرة النفوس لإدخالهم المدرسة.

ولدى محمد طفلين وُلدا في تركيا خلال فترة لجوئه هناك من دون أن يتمكن من تسجيلهم في السفارة السورية. ولذا طُلب منه بعد وصوله إلى سوريا التوجه إلى دائرة النفوس لتسجيل أبنائه، وهناك أبلغه الموظف بأن عليه ترجمة الأوراق التركية إلى العربية وتصديقها في القصر العدلي.

وبعد أن أنجز محمد الترجمة والتصديق قبل يومين، طُلب منه تصديق المعاملة أيضا لدى وزارة الخارجية مع دفع مبلغ 50 دولارا عن كل طفل. وعن ذلك يقول محمد للجزيرة نت مستنكرا "لم أستقر بعد في سوريا، ولم أشتغل كما يجب ليُطلب مني 100 دولار، فبدلا من تجهيز أطفالي للعام المدرسي بهذه الـ100، سأدفعها بعد أيام للحكومة".

ويحاول محمد الإسراع في إنجاز المعاملات الورقية لتسجيل أبنائه في دائرة النفوس حتى يستطيع الطفلان الالتحاق بالمدرسة مع بداية العام الدراسي الجديد.

حالات شائعة

ومن جهته، يشير الخبير القانوني والمحامي عادل خليان إلى أن عددا كبيرا من السوريين العائدين من تركيا يواجهون مشاكل مماثلة لمشكلة محمد الموسى.

ويضيف خليان، في حديثه للجزيرة نت، أن هناك 4 حالات رئيسية شائعة تتعلق باستصدار اللاجئين السوريين العائدين من تركيا وثائقهم:


* الحالة الأولى: تتمثل في الأطفال المولودين بتركيا لأبوين لاجئين، حيث يحصلون هناك على شهادة ميلاد تُسجّل عند المختار (أو ما يعادله في تركيا) لتصبح وثيقة رسمية، ثم تُقدَّم للسفارة السورية لتسجيل المولود في النفوس السورية.
وبما أن كثيرا من العائلات اللاجئة لم تتمكن من مراجعة السفارة السورية في إسطنبول بسبب صعوبة الحصول على إذن رسمي والتنقل بين الولايات، مما يستدعي تقديم اللاجئ وثيقة الولادة الخاصة بابنه لدائرة النفوس عند العودة إلى سوريا، وهناك يُطلب منه إصدار ضبط شرطة لضمان عدم التزوير، ثم يُرسَل إلى الخارجية لتصديق الوثيقة مع دفع غرامة قدرها 50 دولارا على الطفل الواحد.
* الحالة الثانية: وهي حالة الأزواج غير المسجلين بعقد زواج مثبّت في تركيا، وفي هذه الحالة يرسل الزوجان إلى المحكمة الشرعية لتثبيت الزواج، ثم يستكملان الإجراءات السابقة نفسها لتسجيل أطفالهما، بحسب الخبير.
* الحالة الثالثة: وهم اللاجئون المولدون في سوريا، ويوضح الخبير أن السوريين المولودين داخل البلاد وفاقدي أوراقهم الثبوتية يمكنهم بسهولة استخراج وثائق جديدة، لكون بياناتهم الأساسية مسجلة أصلا في سجلات النفوس.
* الحالة الرابعة: تتعلق بتثبيت الوفيات، إذ يشير الخبير إلى أن كثيرا من اللاجئين السوريين الذين قضوا خلال رحلة اللجوء لم يتم إصدار وثائق وفاة رسمية لهم، ويضطر ذووهم اليوم إلى رفع دعوى "تثبيت وفاة" بحضور شاهدين قبل تسجيلها رسميا.

ويشير إلى أن الإجراءات أصبحت أكثر صعوبة بعد ضبط حالات تزوير مرتبطة بالميراث، وباتت اليوم تُحال القضايا إلى تحقيقات مطوّلة ولا تُستخرج شهادات وفاة إلا بعد صعوبات كثيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا