في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
نابلس- أوقف محمد مدينة سيارة الشحن الخاصة به على جانب طريق غير معبد، بعد أن أنهى رحلة عمل بدأها في الصباح الباكر، نقل خلالها حجارة البناء من بلدة جماعين جنوب نابلس إلى إحدى ورش البناء في مدينة طولكرم .
محمد، الذي يعمل في مجال استخراج ونقل الحجر منذ 20 عاما، يقول إن العامين الماضيين كانا أصعب سنوات عمله، ليس عليه وحده بل على عائلته وسكان جماعين جميعا، إذ أغلق الجيش الإسرائيلي المدخل الرئيسي للبلدة مع بداية الحرب على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتعتبر جماعين من أهم البلدات الفلسطينية في استخراج الحجر وتصنيعه، ويسوق إنتاجها في السوق الفلسطيني والعربي وفي أراضي الـ48 ، الذي يمثل السوق الأكبر لصناعة الحجر الفلسطينية، إضافة للسوق الأردني والخليجي وبعض الأسواق الأميركية.
ويصف مدينة للجزيرة نت كيف فقد الكثير من الاتفاقيات بينه وبين أصحاب ورش البناء، منذ إغلاق مدخل البلدة، قائلا "كنت أنقل الحجر لعدد كبير من مناطق الضفة الغربية ، بعد إغلاق الشارع الرئيس للبلدة، ليصبح التنقل أكثر صعوبة، وأكثر كلفة.
ويضيف بأنه يضطر لسلوك طرق أطول للخروج من جماعين وهو ما يعني تأخرا في مواعيد التسليم أحيانا وزيادة في تكلفة الوقود أحيانا أخرى، حيث يكلف نقل طلبية حجر من جماعين إلى قلقيلية 300 شيكل (89 دولارا) وقودا".
يعيل مدينة 5 من الأبناء، في حين انخفض دخله الشهري بشكل كبير منذ بداية الحرب، بإغلاق إسرائيل مداخل المدن والبلدات في الضفة الغربية، حيث يصل دخله الحالي قرابة 8 آلاف شيكل شهريا (2.381 دولار)، بعد ان كان يتعدى 20 ألف شيكل.
يعمل والده في قص الحجر وتشكيله منذ 35 عاما، وهي مهنة شائعة في بلدة جماعين، التي تُعد من أكثر المناطق استيعابا للأيدي العاملة، ويضيف محمد مستدركا لكن الأوضاع في الضفة الغربية أثرت علينا بشكل كبير، إذ أعاق الاحتلال وصول الشاحنات من أراضي الـ48 إلى البلدة عبر البوابة الحديدية عند مدخلها.
ويشير إلى أن إغلاق الطرق الفرعية التي تربط جماعين بباقي قرى سلفيت من المنطقة الشرقية لم يكن يستغرق 8 دقائق للخروج من البلدة والوصول إلى دوار زعترة ومن ثم رام الله ، ليصبح اليوم لا يقل عن 25 دقيقة.
وبحسب أهالي جماعين فإن الاحتلال سهل بطريقة كبيرة وصول المستوطنين الى المنطقة الصناعية في البلدة، حيث أقام مستوطن قبل عدة أشهر خيمة في الجبل المقابل "لشارع الحمرا"، وهو الشارع البديل الذي يعتمد عليه الأهالي للدخول والخروج من البلدة، إضافة لاقتحام الآليات العسكرية بشكل شبه يومي، وإجبار العمال على إغلاق المنشآت ومغادرتها.
ويعتبر شارع الحمرا أحد الشوارع الالتفافية الفرعية في البلدة ويتوسط المنطقة الصناعية، وافتقر حتى وقت قصير للتأهيل والتعبيد، حيث يعتبر من الشوارع الخطرة غير المؤهلة لعبور المركبات الصغيرة، لكنه الطريق الوحيد الواصل بين البلدة و بلدة حوارة ومنها إلى نابلس أو بينها وبين محافظة سلفيت و رام الله وسط الضفة الغربية.
ليعكس كل ذلك تراجعا في إنتاج الحجر وتسويقه مما أدى أيضا لتراجع في أيام التشغيل، حيث تعمل المصانع بواقع 12 يوما شهريا فقط.
ووفقا لحسن خضير، رئيس بلدية جماعين تقدم البلدية الكهرباء الصناعية لنحو 130 منشأة تعمل في صناعة الحجر، ويشير خضير في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه المنشآت سجلت العام الماضي تراجعا بنسبة 30% في قيمة فواتير الكهرباء العائدة للبلدية، نتيجة الإغلاقات التي يفرضها الاحتلال.
وأوضح خضير أن "أصحاب المحاجر والكسارات اضطروا لتخفيض ساعات العمل، حيث كانت المنشآت تعمل على مدار 24 ساعة بنظام التناوب (الشفتات)، لكنها منذ بداية الحرب أصبحت تعمل لمدة 12 ساعة أو أقل، و3 أيام في الأسبوع فقط".
وأضاف "اختصار أيام العمل أدى إلى انخفاض دخل العمال، خاصة أن معظمهم يعمل بنظام المياومة، وهذا انعكس بدوره على باقي القطاعات في البلدة، لا سيما التجارية منها".
تشكل الصناعات نحو 15% من الناتج الاقتصادي الفلسطيني، في حين تمثل صناعة الحجر ثلث هذه النسبة، ويعمل في قطاع الحجر قرابة 40 ألف عامل، بينهم نحو 24 ألف عامل مباشرة و15 ألف عامل بشكل غير مباشر.
وبحسب تقديرات الاتحاد العام للحجر والرخام في فلسطين، فإن صادرات الحجر كانت تدر نحو 200 مليون دولار على السوق الفلسطيني، وقد نجحت فلسطين في إيجاد 72 سوقا دوليا للحجر المصنع محليا.
يؤكد شادي شاهين، مدير عام الاتحاد، أن "العام الذي سبق الحرب على قطاع غزة كانت عائدات تصدير الحجر تصل بين 160 و170 مليون دولار، و85% من هذا الرقم يأتي من السوق الإسرائيلي الذي يعتمد بشكل كبير على الحجر الفلسطيني في المنشآت والمباني".
وأضاف شاهين في حديثه للجزيرة نت أن "الإغلاق الداخلي بين المدن الفلسطينية، وإغلاق المعابر بين الضفة وأراضي الـ48، إضافة للتعقيدات على معبر الكرامة الرابط بين الضفة والأردن، كلها أثرت بشكل مباشر على صناعة الحجر وتسويقه".
جيش الاحتلال ينكّل بشاب عند حاجز بيت كاحل غربي #الخليل في الضفة الغربية #الجزيرة_مباشر #فلسطين pic.twitter.com/j7dmd21jl6
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) September 1, 2024
ويحذر شاهين من أن استمرار الوضع الحالي سيفاقم الأزمة، وقد يؤدي إلى ترحيل أوسع للعمال وتراجع أكبر في العائدات المالية، مشيرا إلى أن الصادرات انخفضت العام الماضي بنحو 30%، مما شكل خسارة تقارب 50 مليون دولار.
وعلى الرغم من ارتفاع جودة الحجر الفلسطيني وقدرته على المنافسة مع الحجر التركي واستمرار الطلب عليه في الأسواق الخليجية والأميركية، فإن الإغلاقات الإسرائيلية دفعت بعض الأسواق للبحث عن بدائل.
من جانبها، كشفت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن عدد الحواجز والبوابات الحديدية التي أقامها الاحتلال على مداخل المدن والبلدات والقرى الفلسطينية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وصل إلى 898 حاجزا وبوابة، منها 18 بوابة حديدية منذ بداية عام 2025، و146 بوابة تم نصبها بعد معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.