في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
جوبا- تفاجأت الأوساط السياسية في جنوب السودان بتصريحات الجنرال كوال منيانيق جووك، رئيس الوفد الحكومي المفاوض، والتي أعلن فيها "موت" مبادرة السلام الكينية بين الحكومة والجماعات الرافضة لاتفاق السلام المنشط الموقع سنة 2018.
وجاء هذا الإعلان من دون مقدمات أو مؤشرات على تعثرها، رغم انتهاء الجولة الأخيرة قبل عدة شهور باتفاق على مواصلة الحوار، الأمر الذي أثار حالة من الصدمة في المشهد السياسي المعقد والمتشابك في البلاد.
وقال جووك في تصريحات إعلامية بجوبا "مبادرة تومايني انتهت ولا توجد قضية حقيقية لدى المعارضة، كما لا يمكن استبدال اتفاق السلام الحالي بهذه المبادرة التي تمثل فقط 10% من محتواه، فالوثيقة المقترحة كانت بمثابة انقلاب يرمي إلى تولي السلطة".
وأُطلقت مبادرة تومايني، التي تعني "الأمل" باللغة السواحلية، في مايو/أيار من العام الماضي بالعاصمة الكينية نيروبي، برعاية الرئيس وليام روتو ، كمسار تفاوضي بين حكومة جوبا و"تحالف حركات المعارضة في جنوب السودان" الذي يضم عدة تيارات رفضت اتفاق السلام المُنشط الموقّع عام 2018 لإنهاء الحرب الأهلية.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، توصلت الأطراف إلى توقيع 8 بروتوكولات تناولت قضايا محورية مثل وقف إطلاق النار، والترتيبات الأمنية، والعدالة، والإصلاحات الاقتصادية، في محاولة لفتح الطريق أمام تسوية سياسية شاملة.
ويشارك في مفاوضات نيروبي للسلام عدد من الجماعات المسلحة والكيانات السياسية المعارضة في جوبا، أبرزها الحركة الشعبية بزعامة الأمين العام السابق للحزب الحاكم باقان أموم أوكيج، والجبهة المتحدة لجنوب السودان بقيادة رئيس أركان الجيش الأسبق بول ملونق أوان.
كما تشارك حركة جيش شعب جنوب السودان بقيادة الجنرال ستيفن بواي رولنيانغ، وحركة "التحالف الوطني للتغيير-المجلس الثوري المركزي" بقيادة الجنرال ماريو لاكو توماس. وتعترض هذه الجماعات على اتفاق السلام المنشط الذي تم بموجبه تكوين الحكومة الانتقالية في جنوب السودان، "لعدم تناوله الأسباب الجذرية للأزمة في البلاد".
وتشمل أبرز القضايا التي تناقشها مبادرة تومايني التالي:
وفي فبراير/شباط الماضي، تم تأجيل مباحثات تومايني بين الحكومة الانتقالية والجماعات الرافضة، لإتاحة الفرصة للأطراف لإجراء المزيد من المشاورات تمهيدا للعودة إلى التوقيع واستئناف التفاوض حول القضايا الخلافية، والتي كان من أبرزها اعتراض المعارضة على اعتماد اتفاق السلام المنشط كمرجعية، والإصرار على بدء عملية تفاوض جديدة.
ولا تزال هذه الجماعات موجودة في نيروبي بانتظار وصول الوفد الحكومي لاستئناف مفاوضات مبادرة تومايني، إلا أن إعلان الوفد بشكل مفاجئ عن موت المبادرة في تصريحات إعلامية أثار صدمة وغضبا، خاصة بعد عدم إبلاغ الحكومة الكينية الراعية للمفاوضات.
هذا التطور زاد من تعقيد جهود السلام في جنوب السودان وألقى بظلال من الشك على جدية الحكومة في الحوار. وتبقى الجماعات المعارضة معلقة بين انتظار استئناف التفاوض ومحاولة الحفاظ على أمل السلام رغم الصعوبات.
وفي أول رد فعل لها على تصريحات رئيس الوفد كوال منيانغ جووك، اتهمت هذه الجماعات المعارضة إدارة الرئيس سلفاكير ميارديت بالسعي لتقويض جهود السلام، معتبرة أن إعلان جووك عن موت المبادرة كان جزءا من خطة ممنهجة لإنهاء العملية برمتها.
وقال لوال داو، الأمين العام للجبهة المتحدة والمتحدث باسم تحالف المعارضة للجزيرة نت: "إذا كانت الحكومة قد قتلت مبادرة تومايني للسلام، فلا خيارات أخرى لدينا لإنقاذها، لكننا سنستخدم الوسائل المتاحة لنا لتحقيق السلام في جنوب السودان، كما نرفض ادعاءات الحكومة بأن مطالبنا مبالغ فيها، والقضية الحقيقية هي الفساد المنهجي وفشلها".
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي إدوارد كورنيليو أن تصريحات الجنرال جووك تعكس أزمة ثقة متفاقمة بين الحكومة والجماعات الرافضة، لكنها لا تعني بالضرورة نهاية مبادرة تومايني التي رغم تعثرها، لا تزال تحظى بدعم شعبي ومدني واسع، وتُعد فرصة نادرة لإدماج القوى غير الموقعة على اتفاق 2018.
وأضاف للجزيرة نت "هناك احتمال لتصعيد الوضع إذا استمرت الحكومة في تجاهل مطالب المعارضة، لكن إعادة إحياء المبادرة ممكنة عبر ضغوط إقليمية ودولية وتقديم تنازلات حقيقية، كما أن السياق السياسي بين جوبا ونيروبي قد يؤثر، لكنه ليس العامل الحاسم، فمستقبل السلام يتوقف على الإرادة السياسية لا على التصريحات وحدها".
من ناحيته، يقول القيادي في الجبهة المتحدة المنضوية تحت مبادرة تومايني، أتيك لوال، إن تصريحات رئيس وفد الحكومة المفاوض كانت مفاجئة، خاصة أن الحكومة غادرت إلى جوبا للتشاور حول تمديد الفترة الانتقالية، إلا أنها لم تشر في تفاصيل هذا التمديد إلى عملية التفاوض الجارية مع المعارضة، كما أن نظام جوبا لم يُخطر الإقليم أو الوساطة الكينية بذلك الأمر.
وأضاف للجزيرة نت "يجب على الإقليم أن ينتبه إلى أن النظام في جوبا هو السبب في عدم الاستقرار ولا يحترم المبادرات، خاصة أن الرئيس كير هو من طلب من نظيره الكيني التوسط. وعلى المعارضة أن تُخطر الإقليم بأن النظام في جوبا هو المسؤول عن فشل السلام. أما المعارضة، فلديها عدة خيارات يمكنها اتخاذها بعد أن أثبتت الحكومة عدم جديتها في تحقيق السلام في جنوب السودان".