آخر الأخبار

الإجهاض المتكرر: لماذا تعاني الفتيات منه بمخيمات تعز في اليمن؟

شارك
مصدر الصورة

في مخيم البيرين للاجئين في تعز جنوب غرب اليمن، تعيش ميساء (اسم مستعار) في قلق مستمر، تنتظر يوم تضع وليدها بصحة هذه المرة بعد أن فقدت جنينها الأول قبل عام.

ميساء الحامل في الشهر التاسع، هي طفلة في سن الرابعة عشر.

زوّجها والدها قبل عامين وهي في الثانية عشر من عمرها من رجل في العشرين من عمره، بعد اشتداد الضيق بالعائلة التي نزحت من المخا إلى مقبنة هربا من الحرب.

ميساء حملت لأول مرة وهي في الثالثة عشر من عمرها، لكن حملها لم يدم طويلاً بسبب ظروف مخيم البيرين الذي يفتقر مركزه الصحي إلى الإمكانيات اللازمة لحماية صحتها وصحة جنينها من المخاطر.

"في مركز الرعاية هنا قالوا لنا إن ليس لديهم لا أجهزة ولا حقن تساعد ميساء، مسكنات الألم هي أقصى ما يمكنهم تقديمه"، تقول عمة ميساء التي تقوم برعايتها.

ويحتاج الذهاب إلى مستشفيات أو مراكز صحية أخرى مالاً لا تملكه العائلة التي بالكاد توفر قوتاً يبقيها على قيد الحياة، حيث يبعد أقرب مركز عن المخيم أكثر من خمسين كيلومترا.

أجهضت ميساء جنينها الأول وتعرضت لنزيف كاد يفقدها حياتها.

لكنها الآن في الشهر التاسع من حملها الثاني، وتعتمد على عمتها التي تقدم لها الدعم من خبرتها كامرأة وأم فقط.

ولا تزال ميساء تعيش في رعب من أن تلقى مصير غيرها من الفتيات في المخيم مثل وئام (اسم مستعار) التي أجهضت مرتين ولم يبلغ عمرها 15 عاما.

ويقول مسؤول مخيم البيرين، سيد حسن علي عبدو لبي بي سي إن "كثيرات من نساء المخيم يجهضن في الشهر السابع أو الثامن للحمل بسبب سوء التغذية واضطرارهن لحمل الحطب وجلب الماء، بالإضافة إلى افتقار المركز الصحي لجهاز للفحوصات والمعاينة للحوامل أو غرف مخصصة لمتابعة الحمل والولادة".

مصدر الصورة

"نجا جنيني الثالث من الإجهاض لكني لا أجد له غذاء"

في مخيم جبل زيد في تعز، غير البعيد عن البيرين تعيش "أم صهيب"، شقيقة ميساء التي زوّجها والدها هي الأخرى في سن الرابعة عشر، وتقترب الآن من عامها الثامن عشر.

أجهضت أم صهيب مرتين قبل أن تنجب مولودها الأول منتصف شهر حزيران/يونيو هذا العام.

كانت طفلة لم تبلغ الخامسة عشرة من العمر حين حملت أول مرة. حينها، لم تجد في المخيم حتى ما يكفي من القوت لها ولجنينها الذي لم يصمد أكثر من خمسة أشهر.

"أتعبني الحمل كثيرا ولم أجد أي مساعدة، وكنت اضطر للتنقل وأنا حامل من مكان إلى آخر لجمع الفضلات البلاستيكية وبيعها لتوفير قليل من القوت. لم يدخل جسمي ما يكفي من الأكل طوال فترة الحمل، فأجهضت" تقول أم صهيب.

الآن وقد أنجبت أم صهيب مولودها الأول بعد إجهاضين وحمل مرهق، لا يبدو على صوتها ووجهها أي فرح أو أمل. مازالت تشعر باليأس والعجز وهي الآن لا تستطيع توفير قوت رضيعها.

"طرقت كل باب لتوفير غذاء لرضيعي، طلبت المساعدة من الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية لكن لم يستجب أحد. قالوا إن ليس لديهم غذاء ولا أي مال يساعدني. غلاء المعيشة يفوق طاقتنا. نجا طفلي من الإجهاض لكني لا أعرف الآن كيف سأحافظ على حياته بدون غذاء ولا دواء".

معاناة أم صهيب ليست استثناء في اليمن فنحو 1.2 مليون مرضعة وحامل في البلاد يعانين من سوء تغذية حاد، حسب تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2025.

في محافظة تعز حيث مخيمي البيرين وجبل زيد ومخيمات أخرى، قال مدير عام مكتب الصحة والسكان عبد الرحمن أحمد صالح لبي بي سي، إن "خطر سوء التغذية الذي تعانيه الأمهات في هذه المخيمات لا يقتصر على الإجهاض ومضاعفاته الخطيرة فحسب، إنما تسبب زيادة نسب التشوهات الخلقية للمواليد".

ويأوي مخيم البيرين 315 أسرة تتكون أقلها من سبعة أفراد، حسب ما قال لنا مسؤول المخيم. بينما تعيش في مخيم جبل زيد 220 أسرة. نزحت هذه الأسر هربا من الحرب ومازالت أعدادها تتزايد مع استمرار الحرب في البلاد.

يسكن النازحون هناك في خيام قماشية أو غرف طينية تفتقر لأبسط أساسيات الحياة، ولا توفر لهم حماية من تقلبات الطقس، فلا تقي من الحر ولا من البرد. وتفاقم أزمة الغذاء في اليمن من سوء أوضاعهم.

"نعيش في مخيم البيرين على وجبة واحدة في اليوم، علينا تقسيط القليل الذي نحصل عليه حتى نعيش"، تقول عمة ميساء لبي بي سي.

مصدر الصورة

تموت امرأة عند الولادة كل ساعتين في اليمن

تسجل اليمن أعلى معدلات وفيات الأمهات أثناء الولادة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ووفقًا لتقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان في يوليو/تموز 2025، تفقد امرأة حياتها كل ساعتين أثناء الولادة، وتتم ست من كل عشر ولادات دون وجود طواقم طبية مؤهلة.

ويشير التقرير إلى أن مركزًا صحيًا واحدًا فقط من بين كل خمسة مراكز عاملة يقدّم خدمات رعاية الأمومة والطفل لما يقارب خمسة ملايين امرأة يمنية في سن الإنجاب.

أرقام مقلقة لكنها أقل من الواقع بالنظر إلى أن التقرير الأممي يعد سن الإنجاب بين 15 و49 عاماً؛ أي أن فتيات مثل ميساء حملن قبل بلوغ الخامسة عشر لسن ضمن هذه الإحصاءات.

لا يحدد القانون اليمني سناً للزواج، وتقدر منظمة العفو الدولية أن ثلث النساء في اليمن يتزوجن تحت سن الثامنة عشر.

تراجع مستمر للدعم الدولي لليمنيين ينذر بوضع أخطر

مصدر الصورة

يعتمد جزء كبير من الخدمات الصحية في اليمن، بما فيها صحة الأمومة والطفل، على الدعم الإنساني قصير المدى. لكن هذا الدعم يتراجع منذ سنوات مع انخفاض تمويل بعض المنظمات الدولية وانسحاب أخرى تماماً، خاصة بعد تصنيف الولايات المتحدة جماعة أنصار الله الحوثية منظمة إرهابية.

في مؤتمر صحفي في مايو/ أيار هذا العام، قال مكتب المتحدث باسم الأمم المتحدة إن "التخفيضات غير المسبوقة في التمويل التي شهدها القطاع الإنساني في اليمن تجبر المنظمة وشركاءها على تقليص البرامج التي تنقذ الأرواح بشكل كبير" وإنه في حال لم يتوفر التمويل المطلوب فإنه "من المتوقع أن ترتفع معدلات الوفيات والمرض مع إغلاق المرافق الصحية وتزايد تفشي الأمراض".

من جهتها أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أغسطس العام الماضي أن التمويل المتوفر لديها غير كاف للاستجابة للحاجات الإنسانية الحرجة.

وسط هذه النداءات الإنسانية، جاء قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني من هذا العام بوقف المساعدات الخارجية الأمريكية، مما فاقم الأزمة، خاصة وأن الولايات المتحدة كانت أكبر جهة مانحة لليمن خلال السنوات الخمس الماضية.

وينقل تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في أبريل/ نيسان 2025 عن خبراء وعمال إغاثة في اليمن أنه إذا لم تتراجع الإدارة الأمريكية عن قرار قطع المساعدات الأمريكية المعلن بداية العام فإن "عشرات المراكز الصحية وعيادات الصحة الإنجابية ستغلق، مما سيحرم مئات الآلاف من النساء والفتيات، من بينهن الناجيات من العنف القائم على نوع الجنس، من الرعاية الصحية والنفسية المنقذة للحياة".

في محافظة تعز، يقول مدير مكتب الصحة لبي بي سي إن توقف الدعم الأمريكي أدى إلى إغلاق 106 مراكز صحية في المحافظة، من بينها وحدات ومراكز صحية متنقلة كانت تخدم النازحين، كما تسبب في فقدان 450 من العاملين في القطاع الصحي لوظائفهم.

قد تضع ميساء مولودها في أي لحظة الآن وقد بلغت نهاية فترة الحمل، لكنها ستبدأ رحلة جديدة مع المعاناة من أجل توفير الرعاية الصحية والغذاء اللازم لرضيعها.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا