في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بعد غياب امتد لأكثر من 4 أشهر، أطل أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام ، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) في كلمة مصورة، حملت رسائل مباشرة لكافة الأطراف، بدءا من الداخل الفلسطيني مرورا بالأطراف الإقليمية، وصولا إلى الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي.
وبدا لافتا للمراقبين أن أبو عبيدة ظهر هذه المرة بنبرة مشحونة بالحزن والغضب والخذلان، عكس خلالها حالة من الانكسار الإنساني العميق، لكنها لم تخلُ من عزيمة قتالية وإرادة إستراتيجية غير مسبوقة، فالخطاب، كما يرى الباحث في الشأن الفلسطيني سعيد زياد، حمل جناحين متقابلين عتابا مريرا وتحديا صلبا.
ووصف زياد أبو عبيدة، في ظهوره الأول منذ استئناف الحرب على قطاع غزة في 18 مارس/آذار الماضي، بأنه بدا عليه النحول والتعب، في تجسيد لواقع غزة المنهكة تحت وطأة المجاعة والإبادة، وكأنه أراد إبراز مشاركة المقاومة لأبناء القطاع في المعاناة والمصير.
وأبرز ما جاء في الخطاب، وفق زياد، هو تأكيد دخول المقاومة مرحلة استنزاف مديدة تستند إلى 3 ركائز: إيقاع أكبر عدد من القتلى في صفوف جيش الاحتلال، والقتال من نقطة صفر في مواجهة مباشرة، ومحاولة أسر الجنود بدلا من قتلهم، لما لذلك من أثر تفاوضي ومعنوي كبير.
كما توقف زياد عند ما اعتبره إشارة مهمة إلى أن القتال يُدار في ظل شح في الموارد، مقابل وفرة في الإرادة، مستشهدا بتشبيه أبو عبيدة الذي قال فيه إنهم يهزمون " عربات جدعون ب حجارة داود "، في تلميح إلى اختلال ميزان القوة لصالح الاحتلال.
وفي سياق مماثل، رأى الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني ساري عرابي أن التوقيت بحد ذاته يعكس أهمية الظهور، إذ يأتي بعد 134 يوما على الخطاب السابق في رمضان، لافتا إلى أن كتائب القسام تولي اهتماما كبيرا بخطابها الإعلامي الذي يخاطب الشعب الفلسطيني والمجتمع الإسرائيلي والأمة العربية والإسلامية.
وأشار عرابي إلى أن الكلمة الأخيرة حملت بوضوح تأكيدا على امتلاك المقاومة رؤية قتالية واضحة، رغم المجازر والإبادة الجماعية المتواصلة، إذ أعلن أبو عبيدة أن "المجاهدين تعاهدوا على الثبات والإثخان"، في تعبير عن انسجام ميداني وتكامل في الأداء بين مختلف فصائل المقاومة، ولا سيما سرايا القدس.
وذهب عرابي إلى أن كتائب القسام أرادت أن تؤكد عبر هذه الكلمة أنها رغم فقدان قادة بارزين ما زالت تحتفظ ببنية متماسكة، قادرة على التكيف مع متغيرات الحرب، لافتا إلى أن هذا الظهور يكرّس أبو عبيدة كرمز بارز يراكم حضوره في ظل غياب قيادات ميدانية أخرى.
وأكد عرابي أن التهديد باستمرار السعي لأسر الجنود الإسرائيليين يعكس دعاية مضادة مدروسة، تحمل رسالة واضحة إلى الجيش والمجتمع الإسرائيلي: "إذا قررتم مواصلة الحرب، فاستعدوا لمزيد من الخسائر في الأرواح والأسرى"، في إشارة إلى أن المقاومة لم تفقد زمام المبادرة.
من جهته، اعتبر الأكاديمي والمختص في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى أن "الوقت" هو الكلمة المحورية التي نسجت حولها كتائب القسام خطابها الأخير، وقال إن التلويح بحرب استنزاف طويلة يؤرق الإسرائيليين، الذين حاولوا منذ البداية إدارة الوقت لصالحهم وتحويله إلى عبء على الفلسطينيين.
ورأى مصطفى أن إعلان القسام عن الجهوزية لاستمرار القتال لفترة طويلة يشكّل تحوّلا في قواعد اللعبة، إذ إن إسرائيل كانت تعتقد أنها قادرة على حسم المعركة خلال بضعة أشهر، لكن الواقع الآن أنها في يومها الـ650 دون أي إنجاز حاسم، بل تواجه تعاظما في خسائرها النفسية والمادية.
وأضاف أن قضية الأسرى، التي أعاد أبو عبيدة التأكيد عليها، تحمل أبعادا نفسية مؤلمة للمجتمع الإسرائيلي، إذ يُنظر للأسير على أنه عبء دائم لا يُمحى بالزمن، على عكس القتيل الذي يطاله التكريم وينتهي حضوره، مشددا على أن هذه الورقة تُمثل عنصر ضغط مستمرا.
وفي ما يخص المفاوضات، رأى مصطفى أن خطاب أبو عبيدة تضمن رسالة سياسية حاسمة بأن المقاومة لن تقبل بالمماطلة الإسرائيلية إلى ما لا نهاية، ولن توافق على صفقات جزئية جديدة إذا استمر العدو في التسويف، معتبرا أن هذا التصعيد اللفظي غير مسبوق من طرف القسام.
وأوضح زياد أن هذا الموقف يعني عمليا أن الوفد التفاوضي لديه غطاء سياسي كامل، لكنه في الوقت نفسه مقيّد بسقف عسكري صارم، لافتا في هذا السياق إلى تحذير أبو عبيدة من الوصول للحظة تقول فيها: "لن نُكمل المفاوضات، ولن نقبل بصفقة جزئية".
وفي إشارة ضمنية إلى الوسيط الأميركي، قال زياد إن الرسالة باتت واضحة: لا تدعموا إسرائيل في مماطلتها، لأن الاستمرار في ذلك سيدفع بالمفاوضات إلى الانفجار، وهو ما لا تريده المقاومة، لكنها لن تتردّد إذا وُضعت أمام خيارات قاتلة.
وفي سياق تحليله للرسائل الموجهة للاحتلال، رأى عرابي أن تهديد القسام بالانسحاب من الصفقات الجزئية استوقف الإعلام الإسرائيلي، الذي قرأ الرسالة باعتبارها موقفا حادا ضد استخدام تلك الصفقات كورقة سياسية لصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو .
وذهب عرابي إلى أن الاحتلال يستخدم الصفقات المحدودة أداة لاستعادة بعض الأسرى، ثم يعود مجددا لحملات التهجير والإبادة دون الالتزام بأي اتفاق شامل، معتبرا أن المقاومة، كما قال أبو عبيدة، قد لا تستمر في هذه المعادلة المكلفة إنسانيا وسياسيا.
ولفت إلى أن إعلان المقاومة استعدادها لأسر جنود جدد يحمل موثوقية كبيرة، في ظل تكثف الاشتباكات من أقصى شمال القطاع إلى جنوبه، وسط اعترافات إسرائيلية ضمنية بجرأة المقاتلين الفلسطينيين على خطوط التماس. وشدد على أن هذه التهديدات تنبع من واقع ميداني لا من فراغ دعائي.