في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
نجحت الوساطة الإقليمية والدولية سابقا في ترتيب أكثر من هدنة في قطاع غزة وتبادل محدود للأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) وإسرائيل، دون أن يؤدي أي منها إلى وقف إطلاق نار دائم وتبادل شامل للأسرى.
هذه المرة تُعلن واشنطن أنها تدفع بهذا الاتجاه، وتبدو إسرائيل أقرب إلى مسار يفضي إلى هذه النتيجة وإن كانت تريده بشروطها. من الواضح أن مسار التفاوض ينطوي على مصالح ومخاوف أطرافه ومن المتوقع أن يكون إطارا ومسارا وليس اتفاقا مُحددا مكتملا، وقد يشمل مقايضات دولية وإقليمية لأكثر من طرف، ربما تقود إلى اتفاق أوسع.
ونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية للباحث محمد هلسة بعنوان: " غزة وإسرائيل: المسار التفاوضي وتداعياته بعد الحرب على إيران "، تبحث المسار التفاوضي المتوقع، بين حماس وإسرائيل، والذي بدأت بوادره مع توقف الحرب الإسرائيلية على إيران، والأسس التي ستعتمدها الأطراف في مقاربة الاتفاق، وما الذي تسعى إليه، وما الذي يمكن أن يفضي إليه من خسائر ومكاسب للأطراف، وما التوقعات منه، وكيف ستكون تداعياته على غزة والقضية الفلسطينية.
في أعقاب الحرب الإسرائيلية على إيران، حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاستفادة من هذا "الزخم"، وأوفد مبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، للحديث عن إمكان حدوث اختراق في مسار مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.
قدّم الوسطاء مقترحا لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وافقت عليه إسرائيل سريعا. لاحقا، أعلنت حركة حماس أنها قدمت ردا إيجابيا على مقترح الوسطاء مُطالبة بتعديلات على مضمونه.
استمرت المفاوضات، وزار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واشنطن من أجل التباحث مع الإدارة الأميركية. ورغم ذلك، لا يزال الكثير من الألغام في الطريق نحو الصفقة، أبرزها:
إن وقف إطلاق النار دون أفق سياسي ليس إلا تأجيلا لجولة أخرى من القتال، وهذا لا يمنع أن التوصل إلى "اتفاق إطاري" سيسفر عن إنجازات فورية هي: وقف مؤقت للقتل في غزة، والإفراج عن بعض الأسرى من الطرفين، وإدخال كميات أكبر من المساعدات الإنسانية.
لكن ما سوى ذلك تلفه الضبابية ولا يمكن الجزم بما إذا كانت المفاوضات ستفضي إلى وقف للحرب، أو ستؤدي إلى انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، وما إلى ذلك من أسئلة معلقة.
ومع ذلك يمكن رسم 3 سيناريوهات مجملة:
بسبب موقف نتنياهو الرافض لتقديم تنازلات، وخشيته من تهديدات حليفيه المتطرفين وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير ، والمالية بتسلئيل سموتريتش ، بتفكيك الائتلاف وسقوط الحكومة، خاصة في ظل غياب موقف حازم من ترامب تجاه نتنياهو ليفرض عليه القبول بالصفقة.
وهو الأرجح، أن يتوصل الطرفان إلى هدنة مؤقتة ثم ترفض حماس نزع سلاحها أثناء مفاوضات المرحلة التالية من الهدنة، أو ترفض أيًّا من الإملاءات الإسرائيلية المُستجدة؛ ما يعني، من وجهة نظر إسرائيلية، أن وقف إطلاق النار الحالي هو تكرار لسابقه، فتستأنف إسرائيل القتال بذريعة أن حماس غير مستعدة لنزع سلاحها والتخلي التام عن السيطرة على القطاع.
يأمل المبعوث الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، أن يُحدِث وقف إطلاق النار المؤقت زخما إيجابيا يسمح بالتوصل إلى حل دائم. وفي حال سارت الأمور بسلاسة، فلا يزال يتعين على الفلسطينيين والدول العربية وإسرائيل، الاتفاق على رؤية لغزة ما بعد الحرب.
لكن إسرائيل قد تشن هجمات أخرى لسبب أو لآخر، وهذه المرة دون عبء الأسرى الثقيل. وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل والولايات المتحدة الدفع بخطة تهجير سكان غزة بهدوء، وهي عملية لا يمكن لها أن تنضج إلا بعد انتهاء الحرب بدعوى إعادة إعمار القطاع.
يسير الطرفان، نتنياهو والمقاومة، في مسار تصادمي. إسرائيليا، تُعد التسوية المطروحة "وصمة عار" في نظر العديد من وزراء الحكومة، الذين يتمثل هدفهم الرئيسي في احتلال القطاع بالكامل، وتشجيع الترانسفير، وضم الضفة الغربية ، وتوسيع المشروع الاستيطاني.
حماس بدورها تدرك أن أحلى خياراتها مُر وهي تسير في حقل ألغام، دون كثير من أوراق القوة، في محاولة لوقف شلال الدم وضمان وضع حدٍّ لهذه المقتلة.
إن خطة الإطار الحالية -على أهميتها- هي اتفاق وساطة لتهدئة مؤقتة تفتقر إلى رؤية سياسية، ومن المرجح أن تنهار تحت وطأة الكراهية وانعدام الثقة، لأن وقف إطلاق النار دون أفق سياسي هو مجرد تأجيل لجولة أخرى من القتال.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل تصريح نتنياهو حول "الفرصة التاريخية التي لن تتكرر والتي على إسرائيل أن تستثمرها"، وربما يكون طي صفحة الحرب على غزة المقدمة المطلوبة لتحقيق رؤية واشنطن وتل أبيب بما يمهد الطريق داخليا لمنح نتنياهو عفوا رئاسيا، ويفتح المجال أمام ترتيبات جديدة في غزة وفي الإقليم، مرتبطة بالتطبيع والأمن والاندماج الاقتصادي بما يضمن هيمنة إسرائيل في المنطقة.