في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في ظل تصاعد الغارات والتفجيرات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، تتعالى دعوات التهدئة، لكن لا صوت يعلو حتى اللحظة فوق صوت المواجهة، كما يصفها محرر الشؤون الإسرائيلية نضال كناعنة، ويشير إلى أن التقديرات الإسرائيلية ترجّح استمرار التصعيد لأسبوع أو اثنين على الأقل، في غياب أي مؤشرات على نجاح جهود التهدئة الدبلوماسية.
اللافت أن وزير الدفاع الإسرائيلي لم يكتفِ بالتهديد بالتصعيد، بل توعد الشعب الإيراني نفسه، مؤكدا أن "سكان طهران سيدفعون ثمن تصرفات النظام"، في تلويح باستهداف مناطق مدنية وإحداث حالة نزوح داخل العاصمة بهدف الضغط على النظام.
وقد طلب الجيش الإسرائيلي من المدنيين الابتعاد عن مراكز تصنيع الأسلحة، في خطوة تعبّر عن اقتراب المواجهة من قلب الأراضي الإيرانية.
في المقابل، تبرز نبرة مختلفة على لسان مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، الذي قال إن الهدف المعلن من العملية الإسرائيلية هو توجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني، وليس تدميره كليا.
هنغبي أقر بصعوبة استهداف بعض المواقع النووية، في اعتراف ضمني بمحدودية القدرات الإسرائيلية على تنفيذ ضربة شاملة من دون دعم أميركي مباشر، وهو ما أكد أنه غير متاح حاليا: " الولايات المتحدة لن تتدخل ولن تمنحنا القنابل الأميركية المطلوبة".
داخليا، لا تبدو هناك معارضة فعلية في إسرائيل للعملية، حيث يسود ما يشبه الإجماع بين الحكومة والمعارضة والشارع. وبرغم بروز بعض الأصوات الحذرة من الانزلاق إلى حرب استنزاف طويلة، إلا أنها لم تُترجم بعد إلى خلاف سياسي واضح.
ويشير كناعنة إلى أن نتنياهو يستثمر سياسيا هذا التصعيد، ويظهر بكثافة إعلامية فيما "يحتمي وزراؤه في الملاجئ النووية"، ويبدو أنه يرى في هذه المواجهة فرصة لتحقيق حلمه بضرب إيران.
من جهة أخرى، يشير كناعنة إلى أن إسرائيل تعلن هدفا محددا يتمثل في تأخير البرنامج النووي الإيراني ودفع طهران نحو اتفاق أفضل، لكن ثمة طموحات دفينة تتحدث عنها بعض النخب الأمنية: "إذا سنحت الفرصة لإسقاط النظام، فلنجرب".
ورغم أن البعض يداعب فكرة اغتيال المرشد الأعلى، فإن هنغبي لم يؤكد وجود قرار بذلك، لكنه ترك الباب مفتوحا بقوله: "قد يتغير القرار خلال ستين ثانية".
التحليلات الإسرائيلية لا تغفل حجم التحديات، فهناك إدراك أن إسقاط النظام الإيراني من على بعد 1500 كلم هو أمر شبه مستحيل، خاصة في ظل غياب النية الأميركية بالتورط في حرب استنزاف طويلة.
ويرى كناعنة أن أي تدخل أميركي، إن حصل، سيكون ضربة محدودة لا أكثر، في ظل ميل الإدارة الأميركية الحالية نحو التريث، حتى في ما يخص توجيه ضربة واحدة.
في ظل تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر مطلع أن طهران أبلغت قطر وسلطنة عُمان بعدم استعدادها للدخول في أي مفاوضات لوقف إطلاق النار قبل استكمال ردّها على الضربات الإسرائيلية. هذا الرفض الإيراني للتفاوض في هذه المرحلة يعكس تصميما واضحا على تأجيل الحلول السياسية لصالح الحسم العسكري المؤقت، وهو ما ينذر بمزيد من التصعيد في منطقة الشرق الأوسط.
في المقابل، سعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى نأي بلاده عن العملية، مؤكدا أن إسرائيل لم تطلب أي مشاركة فرنسية.
كما استبعد ماكرون قدرة روسيا على لعب دور الوسيط في هذا الصراع، في ظل انشغال موسكو بأزماتها الخاصة وتراجع دورها الدولي الفاعل.
الولايات المتحدة.. تدخل محتمل أم حياد محسوب؟
مصادر إعلامية أفادت بمغادرة عدد غير مسبوق من طائرات التزود بالوقود من الولايات المتحدة باتجاه أوروبا، ما فتح باب التكهنات بشأن احتمال تورط واشنطن بشكل مباشر في العمليات الإسرائيلية. ذلك، استنادا إلى اتفاقيات دفاعية وأمنية تربطها بإسرائيل، في وقت لا تزال فيه تصريحات الرئيس دونالد ترامب مترددة وغير حاسمة.
الباحث السياسي إلحنان ميلر أكد في حديث إلى "سكاي نيوز عربية" أن إسرائيل تعيش لحظة حرجة، مشيرا إلى تغير ملامح الصراع بعد ضربات دقيقة استهدفت مناطق إسرائيلية حساسة كرحوفوت وحيفا، ما أثر بوضوح على تماسك الجبهة الداخلية.
واعتبر أن السؤال المحوري الآن هو: هل تتدخل الولايات المتحدة عسكريا؟ أم تكتفي بالدعم اللوجستي والاستخباراتي؟.
النظام الإيراني بين الصمود والضغط
في المقابل، رأى ميلر أن النظام الإيراني، رغم الخسائر الجسيمة التي طالت نخبه وقياداته ومواقعه النووية والبالستية، لا يزال متمسكًا بالصمود والرد. لكنه أشار أيضا إلى أن جزءا من الضربات الإسرائيلية هدفه الضغط على الشعب الإيراني نفسه ودفعه نحو الانقلاب على نظامه، وهو رهان محفوف بالمخاطر، لا سيما في ظل الانقسامات الداخلية وغياب تحرك شعبي فعلي في هذا الاتجاه حتى الآن.
ميلر شدد أيضا على أن الخوف الإسرائيلي الأكبر يكمن في الوصول الإيراني إلى "نقطة اللاعودة" نوويا، وهو ما دفع صناع القرار في تل أبيب إلى تفضيل الخيار العسكري، في ظل قناعة بأن المجتمع الدولي فشل في حماية إسرائيل من التهديد الإيراني.
الهجمات غير المسبوقة واختبار الجبهة الداخلية
الهجمات الإيرانية على الداخل الإسرائيلي اعتُبرت غير مسبوقة، لا سيما من حيث تأثيرها النفسي والمعنوي. وأكد ميلر أن "الجمهور الإسرائيلي في لحظة اختبار"، لافتًا إلى أن ما يجري الآن تجاوز القدرة على التحمل، وأن صمود الجبهة الداخلية سيكون حاسما في تقرير مستقبل الحرب.
وأوضح أن تعليقات الإسرائيليين على منصات التواصل الاجتماعي تتراوح بين القلق من استمرار الهجمات والأمل بتغيير سياسي في إيران.
من جانبه، أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء سمير راغب، أن إيران ليست تنظيما مثل حماس أو حزب الله، بل دولة ذات بنية قيادية تراتبية وقدرات علمية متقدمة.
وأكد أن البرنامج النووي الإيراني بلغ مرحلة متقدمة، حيث باتت إيران تملك يورانيوم مخصب بنسبة 90%، مما يضعها على عتبة القدرة النووية.
وبيّن أن الضربات الإسرائيلية استهدفت منشآت بحثية وعلمية وليس المفاعلات المحصنة تحت الأرض، مما يحد من فعالية تلك الهجمات.
وأشار راغب إلى أن إيران تعتمد بشكل أساسي على ترسانة صاروخية تسعى من خلالها إلى خلق توازن رعب، رغم افتقارها إلى قدرات جوية متقدمة أو أنظمة دفاع جوي قوية. وأضاف: "إيران تحاول فرض معادلة ردع جديدة... لكنها تفتقد إلى الموارد الكافية لصراع طويل الأمد".
وتأتي هذه التطورات في وقت أكدت فيه طهران أنها لن تدخل في مفاوضات جادة قبل الرد الكامل على إسرائيل. ورغم أن بعض الجهات الإقليمية، خاصة قطر وسلطنة عمان، أبدت استعدادها للوساطة، فإن الأفق السياسي يبدو مسدودًا، لا سيما مع تراجع فرص الحلول الدبلوماسية وغياب وسطاء موثوقين.
الداخل الإيراني بين الضغط والانقسام
راغب أشار إلى أن النظام الإيراني يراهن على صموده رغم الضغوط الدولية والإقليمية. كما لفت إلى تزايد الدعوات لتغيير النظام، خصوصا في أوساط الأقليات كالأحوازيين، والمطالبات المتزايدة لدى قطاعات من المجتمع الإيراني بضرورة الإصلاح والانفتاح.
وفي هذا السياق، برزت شخصية مسعود بزشكيان، التي تمثل تيارا إصلاحيا يسعى إلى خطاب جامع يتجاوز الانقسامات العرقية والمذهبية.
هل هناك فرصة للسلام؟
رغم سوداوية المشهد، يرى بعض المراقبين أن هناك بارقة أمل، خصوصا مع تطور العلاقات الإيرانية مع بعض دول الجوار. وتشير هذه المؤشرات إلى رغبة محتملة في إعادة صياغة الدور الإيراني إقليميا، لكن العقبة الأساسية تبقى في تعقيد المشهد الداخلي الإيراني وإصرار القيادة الحالية على نهج المواجهة.
في خضم هذا التصعيد، تراجعت العمليات العسكرية لحماس في غزة، وسُحب جزء كبير من القوات الإسرائيلية باتجاه الجبهات الشمالية، ما يعكس تغيرًا في أولويات المواجهة.
وتفيد تقارير إعلامية بأن حماس أبدت استعدادا لعقد صفقة شاملة تتضمن الإفراج عن المختطفين وتعهدا بعدم العودة للعمل العسكري، في خطوة تهدف إلى تقليل الضغط على إسرائيل.
ترامب بين التردد والحسم
الرئيس ترامب، الذي يواجه تحديات خارجية متراكمة من أوكرانيا إلى تايوان، يبدو حتى اللحظة مترددا في الانخراط المباشر في التصعيد مع إيران. فرغم تأكيده على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، إلا أن خطابه يوحي بتفضيل الدعم غير القاتل والدبلوماسية على التدخل العسكري. وعلّق ميلر على هذا بقوله: "هناك سذاجة واضحة في موقف ترامب.. وعليه أن يحسم أمره بين دعم إسقاط النظام الإيراني أو الانسحاب الكامل".
صراع بلا خطوط حمراء.. والمنطقة أمام ساعة اختبار
في خضم هذا التصعيد غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، تتلاشى تدريجيا كل الخطوط الحمراء التي رسمتها الدبلوماسية الدولية لاحتواء الصراعات في الشرق الأوسط.
ومع اتساع نطاق الضربات، وغياب أي مؤشرات جدية للتهدئة، تدخل المنطقة مرحلة مفصلية تختبر فيها قدرة القوى الإقليمية والدولية على تجنب الانزلاق إلى مواجهة شاملة.
وإذا كانت جبهات غزة ولبنان واليمن قد شكّلت في السابق أدوات صراع بالوكالة، فإن استهداف العمق الإسرائيلي ورد إسرائيل في قلب إيران، يؤكد أن المواجهة دخلت طورا جديدا، تحكمه قواعد اشتباك مفتوحة، وتوازنات ردع دقيقة، وسيناريوهات محفوفة بالمخاطر.
وفي انتظار ما ستسفر عنه الساعات المقبلة، يبقى مصير المنطقة معلّقًا بين اندفاعة عسكرية بلا سقف، أو لحظة تعقل تُعيد الجميع إلى طاولة الحسابات الباردة.