آخر الأخبار

من شرب كل الماتشا؟ كيف استنزف السياح بلدة يابانية

شارك
مصدر الصورة

في مدينة أوجي، عاصمة الماتشا التاريخية في اليابان، تجاوز الطلب على الشاي الأخضر الفاخر قدرة العرض. ومع تسابق السياح على شراء العلب، يخشى السكان المحليون من أن التمسك بالتقاليد آخذ في التفكك.

الساعة العاشرة صباحاً وقت مهم في أوجي، في اليابان. إنه الوقت الذي تفتح فيه متاجر الماتشا أبوابها.

تقع المدينة على بُعد نصف ساعة باستخدام القطار من كيوتو، وتُعد مشهورة عالمياً بالماتشا، الشاي الأخضر المطحون الذي يذاب عادة في الماء الساخن مكوناً رغوة مميزة.

قبل الموعد بقليل، أخرجُ من محطة المترو متجهة مباشرة إلى متجر ناكامورا توكيشي هونتن القريب؛ الذي كان في السابق المورد الخاص بالإمبراطور، ويُعتبر الآن ربما الأعرق في اليابان.

سمعت أن الحصول على طاولة في مقهى المتجر أمر صعب، لذلك شعرت بالقلق عندما سبقتني فتاتان تركضان. لم يُفتح المقهى رسمياً بعد، لأحصل على تذكرة مرقمة لحجز مكان. لكنني اكتشفت أن هناك بالفعل 35 شخصاً قبلي في الطابور.

وأثناء انتظاري، قررت التجول في المتجر بين منتجات الماتشا المتنوعة – مثل الآيس كريم والحلويات والمعكرونة المنكهة – لكنني كنت أبحث عن الماتشا نفسها: مسحوق الشاي.

ألاحظ سيدة تمسك بسلة مليئة بعلب خضراء، ثم يبدأ الهرج والمرج في الزاوية. تحاول موظفة صغيرة الحجم في المتجر إعادة ملء الرفوف، لكنها بالكاد تضع علبة واحدة قبل أن تُخطف على الفور وسط زحام السياح.

تحاصرها الأيدي الممتدة من كل صوب، ويصل الأمر بالبعض إلى مد أيديهم داخل سلتها مباشرة لاقتناص عبوات المسحوق الثمين. تصرخ باليابانية، لكن رسالتها تضيع وسط الزوار الأجانب.

مصدر الصورة

أدركت أن هذه هي آخر العلب المتبقية، فمددت يدي داخل الزحام لألتقط علبة بيضاء. يمسك أحدهم بيدي، ثم يتنهد ويتركني. بعد لحظة، تصرخ امرأة طويلة بلكنة أمريكية: "انتهى الأمر. الماتشا كله نفد"، لا أعتقد أن الساعة كانت حينها قد تجاوزت 10:05 صباحاً.

أقف في طابور الدفع ومعي عبوة 30 غراماً، دون أن أعرف بالضبط ما الذي اشتريته أو كم يكلف. أظن أنني لم أحصل على أجود الأنواع، إذ لدى الآخرين علب بدرجات مختلفة من اللون الأخضر. نظرت بحسد إلى رجل في مقدمة الطابور يحمل نحو 30 علبة مغلّفة بكيس بلاستيكي معفى من الضرائب. يقول بلكنة ألمانية: "لا أصدق أنني أنفقت 250 يورو على الشاي"، ويبدو عليه الفخر.

وعلى عكس العديد من بائعي الشاي الراقيين في أوجي، فإن "ناكامورا توكيشي" لم يفرض حداً أقصى لعدد العلب التي يمكن للزوار شراؤها.

أمضيت بقية الصباح أتجول في البلدة، وألتقط ما تبقى هنا وهناك. متجر تسوجيريهي هونتن، وهو علامة تجارية عريقة تأسست عام 1860، يعلن عن وجود نحو 20 نوعاً من الماتشا، لكنه لا يملك سوى ثلاثة أو أربعة أنواع متوفرة. رغم وجود حدود للشراء، فإن معظم المتاجر في أوجي، عاصمة الماتشا، أصبحت خالية.

يُعرف الماتشا بغناه بمضادات الأكسدة وبتأثيره المعتدل من الكافيين، وشهد ارتفاعاً هائلاً في الطلب عالمياً. ووفقاً لوزارة الزراعة والغابات ومصايد الأسماك اليابانية، تم إنتاج 4176 طناً من الماتشا في عام 2023 – أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه في 2010. وفي الوقت ذاته، ارتفعت أعداد السياح، حيث استقبلت اليابان في عام 2024 نحو 37 مليون زائر – وهو رقم قياسي.

وتُظهر التقارير السوقية أن شهرة هذا المشروب تعود لفوائده الصحية، بالإضافة إلى جاذبيته البصرية على وسائل التواصل الاجتماعي.

لا يوجد نظام تصنيف موحد للماتشا، لكن المتاجر عادةً ما تقسمه إلى ثلاث فئات: "للمناسبات"، فاخر، وللأغراض المطبخية". يُصنع ماتشا المناسبات من أحدث أوراق الموسم، ويتميز بنكهته الغنية التي تميل إلى نكهة الأومامي، لاذع-دون مرارة. في المقابل، يكون الماتشا المطبخي أخشن قليلاً وله مذاق مر، ويُستخدم عادةً في الحلويات. أما النوع الفاخر أو اليومي، فيقع في المنتصف ويُعتبر متعدد الاستخدامات.

مصدر الصورة

تقول تومومي هيساكي، المديرة العامة لمتجر "تسوجيريهي" الرئيسي، إن الزوار الأجانب ينجذبون بشدة لماتشا المناسبات ويشترون كميات كبيرة منه. لكنها تضيف أن المعروض لا يستطيع مواكبة الطلب.

وتقول: "الماتشا عالي الجودة من أوجي لا يمكن إنتاجه بكميات كبيرة في الأساس". فمثلاً، تُزرع أوراق الشاي المخصصة لماتشا المناسبات في الظل، لأن الظلام يمنح النكهة عمقاً أغنى ولذوعة.

وتتابع: "لكن إذا ظلّت الأوراق في الظل، فإنها لن تقوم بعملية البناء الضوئي، وبالتالي لن تنمو ويكون الحصاد قليلاً".

وتشرح هيساكي أن هناك عقبة أخرى تواجه الإنتاج، تتمثل باستخدام الطواحين الحجرية التقليدية. إذ تنتج هذه الطواحين مسحوقاً فائق النعومة، لكنها لا تستطيع إنتاج أكثر من 400 غرام من الشاي خلال ثماني ساعات – وهي كمية تكفي لملء 13 علبة فقط.

وتقول إن إنتاج الماتشا يمكن زيادته من خلال زراعة المزيد من مزارع الشاي، لكن الأمر سيستغرق سنوات حتى تؤتي الاستثمارات الحالية ثمارها وتصل المنتجات إلى رفوف المتاجر.

وتلفت إلى أن ندرة ماتشا المناسبات المصنع في أوجي تخلق إحساساً بالتفرّد، وهو ما يُشعل حماسة السياح أكثر.

وتضيف هيساكي أن المتجر يبيع أحياناً مخزون شهر كامل من الماتشا خلال يوم واحد فقط. وإذا استمر هذا الجنون، فقد يجد معلمو طقوس الشاي والمعابد صعوبة في الحصول على الإمدادات.

وتقول سيمونا سوزوكي، رئيسة الرابطة العالمية للشاي الياباني: "سمعنا تقارير عن استخدام ماتشا المناسبات الخاصة في اللاتيه والعصائر، ما يقلل من توفر الماتشا عالي الجودة لأولئك الذين يرغبون في الاستمتاع به على الطريقة التقليدية". وتضيف: "نأمل أن يأخذ السياح الأجانب هذا في الحسبان عند شرائهم للماتشا".

لم أستطع التوقف عن التفكير بذلك الرجل في مقدمة الطابور، ومن هم مثله، ممن يخزنون مئات الدولارات من الماتشا. ماذا يمكن لأحدهم أن يفعل بكل هذا الشاي الفاخر؟

مصدر الصورة

لا أعرف هذا الرجل، لكني أشك في أنه اشتراه من أجل طقوس الشاي التقليدية. على الأرجح، مثلي تماماً، هو ومن حوله يستمتعون بمزجه بالحليب والسكر لصنع لاتيه الماتشا، وربما يستخدمونه أيضاً في خبز البسكويت.

وأعتقد أيضاً أن معظم الناس، وأنا منهم، لا يمتلكون ذوقاً رفيعاً لتمييز الدرجات الأعلى من الماتشا. بالإضافة إلى أن هذا المنتج الأخضر العشبي يفقد نضارته بعد بقائه في خزانة المطبخ لأشهر.

وعلى الرغم من ذلك، أرى أنه حين نكون بعيدين مئات الأميال عن الوطن، وتتاح لنا الفرصة، فمن السهل جداً أن نترك خلفنا آدابنا وننقاد للجشع. كم عدد العلب التي كنت سألتقطها لو أتيحت لي الفرصة؟

تقول هيساكي: "أعتقد أنه من الرائع أن ينتشر الماتشا الياباني". وتضيف: "أود أن يستمتع به المزيد من الناس لأسباب صحية، وفي طقوس الشاي، ومن باب الحفاظ على التراث الثقافي". لكنها تحث الزوار على عدم تخزينه بغرض إعادة بيعه.

أصبحت تجربة التسوق في أوجي أكثر توتراً مما توقعت، إذ وجدت نفسي أتساءل طيلة الوقت: هل عليّ محاولة خطف آخر العلب المتبقية في المدينة؟ لكن حتى إن لم يتمكن الزوار من أخذ كمية من ماتشا الطقوس الاحتفالية إلى ديارهم، فهناك الكثير من المنتجات الأخرى للاستمتاع بها.

وتأمل سوزوكي أن يلتفت المسافرون إلى أنواع أخرى من الشاي مثل السينشا، أو الغيوكورو. هناك أيضاً الهوجيتشا، قريب المذاق بالماتشا والمعد من الأوراق المحمصة، والمميز بنكهة قريبة من الجوز والشوكولاتة، والذي أعتقد بصورة شخصية أنه ألذ من الماتشا.

ورغم نقص مسحوق الماتشا، تظل أوجي وكأنها منتزهٌ مخصص للشاي، مليئة بمنتجات لا تنتهي. في "ناكامورا توكيشي"، أطلب نودلز السوبا الممزوجة بالشاي و"بارفيه" الماتشا، وأشتري من متاجر الهدايا معكرونة ماتشا على طريقة الفيتوتشيني وكاري الماتشا. وتقدم المطاعم في أوجي جيوزا الماتشا، وتاكويّاكي، ورامن بنكهات الشاي.

في "تسوجيريهي"، أشتري كيساً من الماتشا المحلاة الجاهزة للذوبان في الماء، وهي مثالية لتحضير اللاتيه أو المشروبات الحلوة الأخرى. وأنا الآن أحتسي هذا اللاتيه الفوري، أشعر بالانتعاش من خضرته وحلاوته ودفئه. صحيح أن هذا المشروب لم يُقدَّم للإمبراطور، لكنه يلبي غايتي تماماً.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا