آخر الأخبار

الفلسطينيون في سوريا: ما هو مصير الفصائل في مشهد الحكم الجديد؟

شارك
مصدر الصورة

التقى دونالد ترامب برئيس المرحلة الانتقالية السوري أحمد الشرع في الرياض، حيث بدأ الرئيس الأمريكي جولته في الشرق الأوسط.

وبعد إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا مساء أمس، أثار في اجتماعه مع الشرع أكثر من مطلب أمريكي، بما في ذلك طرد من وصفهم الرئيس الأمريكي بأنهم "إرهابيون فلسطينيون"، بحسب تصريح المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت.

وتُصنَّف كلّ من حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، وحركة حماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (جناحها العسكري) كمنظمات إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وإسرائيل، بينما تشمل أستراليا أيضاً حركة حماس في تصنيفها.

يشكّل الوجود الفلسطيني في سوريا، بما في ذلك نشاط الفصائل والأحزاب، واحداً من أبرز ملفات المشهد السوري الجديد، بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.

ورغم ضبابية المرحلة المقبلة، شهدت الساحة الفلسطينية في سوريا تطوّرات متسارعة في الآونة الأخيرة. بدأت بزيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ولقائه برئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع في منتصف أبريل/نيسان الماضي، وتواصلت بتوقيف عدد من قيادات "حركة الجهاد الإسلامي" أواخر الشهر ذاته، ثم توقيف الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية - القيادة العامة" طلال ناجي، قبل الإفراج عنه.

حاولت بي بي سي التواصل مع السلطات السورية و"حركة الجهاد الإسلامي" للحصول على تعليق حول خلفيات توقيفات طالت قياديين في الحركة، غير أنّ الطرفين امتنعا عن الإدلاء بأي تصريح. وحتى اللحظة، لم تصدر السلطات السورية أي بيان رسمي يوضح أسباب توقيف خالد خالد وياسر الزفري في أواخر أبريل/نيسان الماضي، القياديين في "حركة الجهاد"، ولا تتوّفر معلومات دقيقة حتى الآن بشأن مصيرهما أو نتائج التحقيق معهما.


*
*

منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط نظام حزب البعث عام 2011، تأثّرت الفصائل الفلسطينية واللاجئون الفلسطينيون في سوريا تأثّراً كبيراً. وبعد انهيار النظام، يواجه الفلسطينيون اليوم واقعاً سياسياً جديداً لا تزال ملامحه غامضة، وسط تباين واضح في مواقف الفصائل.

وعشيّة سقوط النظام السابق، كان النفوذ الفلسطيني في سوريا محصوراً في فصائل ترتبط عضوياً بالسلطة أو تتحالف معها عسكرياً وسياسياً. أمّا اليوم، فتتجه الأنظار إلى موقف الإدارة الجديدة من هذه الفصائل ومصيرها في المرحلة المقبلة.

مصدر الصورة

تبدّلات هيكلية

رداً على هذه المستجدات، دعت الفصائل الفلسطينية إلى اجتماعات طارئة في كلّ من دمشق وبيروت. وكان أبرزها الاجتماع الذي عُقد في 11 ديسمبر/كانون الأول في سفارة فلسطين بدمشق، بهدف بلورة موقف سياسي موحّد. وأسفر الاجتماع عن تشكيل "هيئة العمل الفلسطيني المشترك" كمرجعية وطنية موحدة.

في المقابل، أفادت تقارير بأنّ بعض الفصائل التي كانت مرتبطة بالنظام السابق قد أخلت مقراتها العسكرية وسلّمتها للسلطات السورية الجديدة.

من جهتها، سارعت "حركة حماس" إلى تهنئة الشعب السوري بعد سقوط النظام، بينما آثرت فصائل أخرى مثل "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" و"الجهاد الإسلامي" اعتماد موقف محايد، اعتبرت فيه أنّ ما جرى شأن سوري داخلي.

وفي ما يتعلّق بالموقف الرسمي السوري من الفصائل، يرى هشام الدبسي، مدير "مركز تطوير للدراسات"، أنّ السلطة الجديدة في دمشق تميل إلى "التمييز بين فصائل تعلن رسمياً الاعتراف بسيادة الدولة السورية وعدم التدخّل في الشأن السوري، بينما تنظر بتحفّظ إلى الفصائل التي كانت جزءاً من محور الممانعة خلال عهد الأسد".

يقول الدبسي: "الإجراء الأولي كان إغلاق المعسكرات والمكاتب العسكرية والأمنية والإدارية"، مضيفاً أنّ التحقيقات الجارية حالياً تتركّز على كوادر شاركت في القتال إلى جانب النظام السابق، رغم أنّ هذا الملف لا يُعدّ أولوية حالياً بسبب الوضع الأمني غير المستقر. ويتابع: "بعض هذه الكوادر غادرت إلى العراق أو إيران".

ووفق تقرير نشرته "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" في مارس/آذار الماضي، فقد أدّى سقوط النظام إلى تغييرات داخلية في بنية عدد من الفصائل الفلسطينية. إذ أقالت "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" أمينها العام المساعد خالد أحمد جبريل، وأقالت "فتح الانتفاضة" رئيسها زياد الصغير، وشكّلت لجنة طوارئ لإدارة الحركة. وشهدت "جبهة النضال" و"منظمة الصاعقة" خطوات مشابهة.

كما قرّرت الإدارة الجديدة في دمشق حلّ الجيش السوري، ما استتبع تلقائياً حلّ جيش التحرير الفلسطيني، لكونه جزءاً من البنية العسكرية السورية. ووفق التقرير نفسه، فإن هذه التطورات أدّت إلى تعثّر تنفيذ الهيئة المشتركة التي تم التوافق عليها في اجتماع السفارة الفلسطينية بدمشق.

الانقسام الفلسطيني

مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، انقسمت الفصائل الفلسطينية في مواقفها. فبينما أعلنت الفصائل المعروفة بولائها للنظام - مثل "فتح الانتفاضة"، و"الجبهة الشعبية - القيادة العامة"، و"الجبهة الديمقراطية"، دعمها الصريح لبشار الأسد، أخذت حركة "حماس" موقفاً أقل وضوحاً، في حين سارع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى إعلان دعمه العلني للأسد، داعياً إلى تحييد المخيمات الفلسطينية عن الصراع.

وأشار تقرير صادر عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" عام 2012 إلى اتفاق بين "فتح" و"الجبهة الشعبية" و"الجبهة الديمقراطية" على ضرورة تحييد المخيمات. كما كرّر عباس دعمه للأسد في انتخابات الرئاسة السورية عام 2014، معتبراً أنّ فوزه قد يشكّل مخرجاً من الأزمة السورية.

لكن هشام الدبسي يرى أنّ موقف عباس لم يكن دعماً سياسياً بقدر ما كان محاولة لحماية اللاجئين الفلسطينيين من ويلات الحرب. ويقول: "السلطة الفلسطينية وحركة فتح أقامتا علاقات معلنة مع أطراف في المعارضة السورية، وكان لهما دور في الوساطة للإفراج عن معتقلين".

ويضيف: "الإدارة السورية الجديدة أكدت في وقت مبكر أنّها لا تعترف إلا بالسلطة الفلسطينية وممثليها الرسميين في دمشق، وهو ما انعكس في اللقاء الرسمي الذي جمع الرئيس الشرع بالرئيس عباس في دمشق".

بحسب تقرير آخر نشر عام 2012، شهد مخيم اليرموك، أحد أبرز تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في دمشق، احتجاجات مناهضة للنظام واحتضن نشطاء من المعارضة السورية. وأورد التقرير نفسه أنّ بعض الفصائل الفلسطينية الموالية للنظام جنّدت شباناً لقمع هذه التظاهرات، وهو ما وضعها في مواجهة مباشرة مع قطاعات من اللاجئين.

وفي تقريرها الأخير، وثّقت "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" الأثر الكارثي للصراع السوري على الفلسطينيين، إذ تشير بياناتها إلى أنّ نحو 40 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا نزحوا داخلياً، بينما اضطُرّ أكثر من 20 في المئة إلى مغادرة البلاد.

كما وثّق التقرير اعتقال نحو 1800 لاجئ فلسطيني، وسقوط أكثر من 3000 ضحية، إلى جانب وفاة 192 شخصاً نتيجة الحصار ونقص الغذاء والرعاية الطبية، معظمهم في مخيم اليرموك.

نظرة من الداخل

مصدر الصورة

في حديث مع بي بي سي عربي، يقول الناشط الفلسطيني في سوريا فراس شهابي: "الفلسطينيون دفعوا ذات الكلفة التي دفعها السوريون خلال سنوات الثورة". ويضيف: "المشهد الفلسطيني يشهد تغييراً فعلياً، وبعض الفصائل توقفت عن العمل أو تراجع أداؤها".

ويتابع شهابي: "الفصائل التي تحالفت مع النظام السابق انتهى دورها، وبعض الشخصيات المتورطة في الدم السوري أصبحت مطلوبة".

وعن الآثار المعيشية للتغييرات الجارية، يوضح: "العديد من الكوادر كانت تتقاضى رواتب، وانقطاعها سيؤثر بشكل مباشر على حياتهم".

أما على الصعيد السياسي، فيرى شهابي أنّ دور الفصائل بدأ بالتراجع منذ عهد الأسد، قائلاً: "كانت حماس لاعباً محورياً حتى اتخذت موقفاً مؤيداً للثورة، وبعدها تراجع الحضور الفلسطيني تدريجياً إلى أن بقي أحمد جبريل وطلال ناجي في الواجهة، والآن انتهى الأمر".

ويشير إلى أنّ الفراغ السياسي والاجتماعي الذي خلّفه هذا التراجع ترك أثراً كبيراً على المجتمع الفلسطيني في سوريا، مضيفاً: "هذه الكيانات لم تعد تعبّر عن تطلعات الناس".

ويعبّر شهابي عن هواجس أخرى مشتركة بين الفلسطينيين والسوريين، مثل الغموض السياسي، وتدهور الوضع الأمني، والخوف من التوجهات الدينية للنظام الجديد. كما يلفت إلى قلق الفلسطينيين من تفعيل قانون الملكية الذي يعاملهم كأجانب، وهو قانون سبق أن استُخدم ضدهم في عهد النظام السابق.

ويختم بالقول إنّ مخيم اليرموك الذي تعرّض لقصف جوي عنيف يُعدّ الأكثر تضرّراً، متسائلاً: "بالتأكيد هو ضمن خطة الإعمار، لكن من سيتكفّل بذلك؟". أما أكبر هواجس الفلسطينيين، وفق شهابي، فهي خطر التجنيس أو التوطين، لأنّ ذلك يُعدّ تهديداً مباشراً لحق العودة والقرار الأممي 194 الذي يضمنه.

ورغم هذه المخاوف، لا يتوقّع شهابي تغييرات قانونية أو حقوقية وشيكة في وضع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.

الوجود الفلسطيني في سوريا

يعود الوجود الفلسطيني في سوريا إلى عام 1948، عام "النكبة"، الذي شهد أولى موجات اللجوء إلى دول الجوار، من بينها سوريا. ثم تكررت موجات النزوح بعد نكسة حزيران عام 1967، ومعارك "أيلول الأسود" في الأردن عام 1970، وأخيراً من العراق عام 2001 في أعقاب الغزو الأمريكي البريطاني.

بحسب بيانات وكالة "الأونروا"، يُقدَّر عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا اليوم بنحو 438000 لاجئ، يتوزّعون على 13 مخيماً، أبرزها مخيم اليرموك من حيث الكثافة السكانية والمساحة. ويتمتع اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بمعظم الحقوق المدنية والخدمية التي يحصل عليها المواطن السوري، باستثناء حق التصويت في الانتخابات والحصول على الجنسية.

للفصائل الفلسطينية امتداد تاريخي في سوريا، لكنّ حضورها السياسي والعسكري ظلّ مشروطاً بعلاقتها مع السلطة الحاكمة. فعلى سبيل المثال، تأسست حركة "فتح الانتفاضة" بدعم من حافظ الأسد عام 1983، إثر خلافه مع ياسر عرفات. وعلى النقيض، غادرت حركة "حماس" سوريا عام 2011، بعد عقود من الدعم السياسي والعسكري الذي تلقّته من النظام.

قبل سقوط النظام السابق، كانت أبرز الفصائل الفلسطينية الحاضرة في المشهد السوري تضمّ:

• الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة

• حركة الجهاد الإسلامي

• فتح الانتفاضة (انشقت عن "فتح" عام 1983)

• الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

• الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

وأكّدت تقارير إعلامية مشاركة فصائل مثل "الجبهة الشعبية القيادة العامة" و"فتح الانتفاضة" في القتال إلى جانب قوات الجيش السوري، بالإضافة إلى فصائل أخرى تأسست حديثاً - بعضها خلال أو بعد الانتفاضة - مثل حركة "فلسطين الحرة" (تأسست عام 2008) ، و"قوات الجليل – حركة شباب العودة الفلسطينية" تأسست عام 2011، و"الحزب الفلسطيني الديمقراطي" وجناحه العسكري "سرايا العودة والتحرير".

مصدر الصورة

حماس والأسد: تاريخ متقلّب

في مقابلة بثّتها قناة "بي بي سي عربي" ضمن برنامج "المشهد" عام 2018، تحدّث خالد مشعل، القائد السابق لحركة "حماس"، عن كواليس مغادرة الحركة لسوريا في يناير/كانون الثاني 2012. وأكّد مشعل أن الموقف الرسمي للحركة كان حيادياً، إذ لم تنحز إلى أي طرف، بل سعت لتقريب وجهات النظر بين السوريين. لكنه أشار إلى أن النظام لم يتقبّل هذا الحياد، قائلاً: "يبدو أن هذا الموقف لم يعجب بعض المسؤولين، وكانت تأتينا إشارات بأن هناك عدم رضا، بالتالي وجدنا أن البيئة لم تعد تسمح بالبقاء في سوريا".

وأضاف: "حماس لا يمكن أن تؤيّد سياسة رسمية ضدّ شعب، ولا تتدخّل في شؤون الآخرين، ولا تقف مع طرف ضدّ آخر".

في يونيو/حزيران من العام ذاته، قُتل كمال غناجة، أحد كوادر "حماس" في دمشق، في ظروف غامضة. وأعلنت الحركة وقتها أنها فتحت تحقيقاً دون توجيه الاتهام لأي جهة، فيما أشار القيادي سامي أبو زهري إلى أن جثّة غناجة كانت تحمل آثار تعذيب.

وفي أبريل/نيسان 2013، نشرت مجلة "تايمز" البريطانية تقريراً أفاد بأن "حماس" قامت بتدريب عناصر من "الجيش السوري الحر"، إلا أن الحركة سارعت إلى نفي تلك المزاعم في بيان رسمي.

بعد عشر سنوات من القطيعة، أعلنت "حماس" في سبتمبر/أيلول 2022 عن استئناف علاقتها بالنظام السوري، لكنها لم تُعِد فتح مكاتبها هناك. وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، وبعد فرار بشار الأسد إلى موسكو، أصدرت الحركة بياناً قالت فيه: "تبارك الحركة للشعب السوري الشقيق نجاحه في تحقيق تطلعاته نحو الحرية والعدالة، وتدعو كل مكوّنات الشعب السوري إلى توحيد الصفوف، ومزيد من التلاحم الوطني، والتعالي على آلام الماضي".

ويعلّق هشام الدبسي على هذا التطور قائلاً: "عودة حماس إلى دمشق لم تكن برغبة الأسد، بل جاءت نتيجة ضغوط إيرانية وحزبية. ولهذا السبب، لم يستقبل الأسد أي ممثل للحركة على انفراد، بل اكتفى بلقاء جماعي ضمن وفد لما يُعرف بمحور الممانعة، وبشرط إبعاد إسماعيل هنية وخالد مشعل".

ويتابع الدبسي: "حالياً، تقوم تركيا بوساطة غير مباشرة لإعادة تأهيل العلاقة بين خالد مشعل والرئيس أحمد الشرع، لكنّ العلاقة ما تزال باردة، وتُدار ضمن منطق الضرورة والثقل التركي، لا أكثر".

مصدر الصورة
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا