آخر الأخبار

بريطانيا بين مراجعة ميزانيات الإنفاق وحسابات السياسة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

لندن- يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر فضّل ترجيح كفة زيادة حجم الإنفاق العسكري لتعزيز الترسانة الدفاعية لبلاده على كفة المساعدات الإنسانية التي تضخّها الحكومة البريطانية في مشاريع تنمية تتوقف عليها حياة الملايين ممن يعيشون ظروفًا هشة بدول العالم الثالث.

وبذلك، يكون ستارمر قد قرر اقتفاء أثر قرار مماثل اتخذه قبل أسابيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، معلنا أمام البرلمان البريطاني تقليص قيمة تلك المساعدات التنموية بما يقدر بـ6 مليارات جنيه إسترليني.

وقال ستارمر خلال طرحه القرار، إنه بصدد اتخاذ خطوة صعبة في لحظة سياسية بالغة الحساسية يدرك فيها أن كل "شيء قد تغير"، وإن حكومته التي كانت تخصص ما يناهز 0.5% من الناتج الداخلي لتمويل مشاريع التنمية عبر العالم، دُفعت مضطرة لتقليص تلك النفقات لـ0.3% من الناتج الداخلي الخام.

واقتطاع هذه الأموال من مخصصات مشاريع التنمية الدولية التي تعدّها الأدبيات الدبلوماسية إحدى القوى الناعمة للنفوذ السياسي البريطاني، وتحويلها لإعادة تأهيل النظام الدفاعي والعسكري البريطاني، يعكس السياق الجيوسياسي الحرج الذي يطبع العلاقات بين الشركاء الأوروبيين وواشنطن بشأن مصير الحرب في أوكرانيا وميزانية تمويل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي تطالب الإدارة الأميركية الأوروبيين بتحمل المزيد من أعبائها عبر رفع مستوى إنفاقهم العسكري.

إعلان

تقليص بمحاذير

وتقليص المساعدات الخارجية الذي بدأ قبل أسابيع في واشنطن خيارا سهلا اتخذه الرئيس الأميركي وأمر بموجبه بوقف تمويل برامج المساعدات الإنسانية التي تستفيد منها مئات المنظمات الإغاثية قبل صدور قرار قضائي يلغي الأمر الرئاسي، يبدو أنه سيكون خطوة بمحاذير كثيرة حين تحاول حكومة حزب العمال تطبيقه على أرض الواقع.

وأكدت الحكومة أنها ستعمل على الحفاظ على المساعدات الموجّهة لمناطق النزاع الأكثر اشتعالا وتضررا كقطاع غزة وأوكرانيا والسودان، فيما ستحرص على مراجعة فاحصة وتدقيق لِباقي المساعدات والبرامج التنموية المقدمة لجهات إغاثية ومنظمات إنسانية عديدة عبر العالم.

وتحتل أوكرانيا صدارة الدول التي تتلقى مساعدات مباشرة من المملكة المتحدة. وقُدرت هذه المساعدات بقيمة 250 مليون جنيه إسترليني سنة 2023.

ويحصل السودان وجنوب السودان على مساعدات تقدر بحوالي 109 ملايين جنيه إسترليني، فيما لا تتجاوز قيمة المساعدات الموجهة لقطاع غزة والضفة الغربية 42 مليون جنيه إسترليني، وتشكل هذه المناطق الثلاث مجتمعة ما يناهز نصف حجم المساعدات الخارجية البريطانية.

وبينما قد تتريث الحكومة البريطانية قبل سحب دعمها لمشاريع مرتبطة بالتغير المناخي وأخرى على صلة بمؤسسات أممية بالنظر للالتزامات القانونية المترتبة عن هذه المشاريع، فإنها قد ترفع بسهولة الدعم عن ملايين ممن يعيشون أوضاعا هشة مستحكمة نتيجة تداعيات صراعات تراجعت أهميتها على سلم الاهتمام الدولي كالنزاع في اليمن ومخيمات النزوح في سوريا، ودول جنوب شرق آسيا وعدد من الدول الأفريقية.

على خُطا واشنطن

ترى شاكونتالا بناجي، أستاذة الاتصال والتنمية الدولية في جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية "إل إس إي" (LSE) -في حديث للجزيرة نت- أن اللجوء لخفض حجم المساعدات الخارجية يعبر عن فقدان حكومة حزب العمال البريطاني لرؤية إستراتيجية وعقيدة سياسية واضحة لا تخضع لتقلب مزاج الإدارة الأميركية ولا تحابيها.

إعلان

وأشارت إلى أن القرار لا يصحح عجزا في الموازنة ولا يخفض نفقات غير ضرورية، لكنه يمثل ما وصفته بتخلّ مباشر عن آلاف الفقراء عبر العالم ممن تتحمّل بريطانيا -باعتبارها قوة استعمارية- المسؤولية التاريخية عن فشل أنظمتهم السياسية واستغلال ثرواتهم الوطنية.

وتعتقد بانجي -في حديث للجزيرة نت- أن توجه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف تمويل المساعدات الإنسانية يمثل تحولا في رؤية أميركا لدورها في العالم وعلاقتها بسياسات التنمية التي ظلت عقودا مدخلا لفرض النموذج الأميركي في تدبير الاقتصاد والسياسة ونشر الثقافة الديمقراطية الليبرالية ومواجهة المد الشيوعي في دول الجنوب.

وشددت على أن هذه الانعطافة الأميركية يجب ألا تنعكس بالضرورة على السياسات البريطانية التي يفترض أن تصنع مواقفها باستقلالية تامة عن حليف أميركي يصعب التنبؤ بمواقفه.

وحذرت بانجي من أن القطع المفاجئ للدعم البريطاني عن عدد من البرامج الإغاثية قد يؤدي إلى استفحال المزيد من الأمراض والأوبئة التي تعمل المنظمات الإنسانية على محاصرتها في عدد من الدول الفقيرة، وقد تبلغ تداعياته حد إيقاد فتيل التوتر في مناطق كانت هذه البرامج تملأ فيها فراغ غياب خدمات الدولة وعجزها عن تلبية حاجيات فئات عريضة تصارع الفقر والعوز الشديدين.

الإنفاق وحسابات السياسة

لكن في الوقت الذي يُخشى أن تملأ قوى دولية وأخرى إقليمية صاعدة وفي مقدمتها الصين الفراغ الذي يُرتقب أن يخلفه هذا الانسحاب الأميركي البريطاني من سياسات التنمية الدولية، قد لا يبدو القرار البريطاني بتقليص المساعدات الخارجية مجرد "خيار المُضطر" المُجبر على الاستجابة السريعة للمطالب الأميركية بدفع أثمان حماية الأمن الأوروبي ووقف التمدد الروسي غربا، حيث لجأت حكومة حزب المحافظين السابقة لتخفيض حجم المساعدات الخارجية من 0.7% إلى 0.5% من الناتج الداخلي الخام خلال حملتها التقشفية بعد جائحة وباء كورونا.

إعلان

وفي حديث للجزيرة نت، قال الصحفي البريطاني ورئيس مجلس التفاهم العربي البريطاني كريس دويل، إن أصواتا كثيرة في الداخل البريطاني تتعالى مشددة بدورها على أهمية الإسراع بإصلاح منظومة الدفاع وتتفق على ضرورة زيادة حجم الإنفاق العسكري في ظل الشعور بالخطر الروسي الداهم على الأمن الجماعي الأوروبي وضغط الرئيس الأميركي على الحلفاء الأوروبيين للقبول بإنهاء الحرب في أوكرانيا دون ضمانات أمنية ملموسة.

وأضاف أن حكومة حزب العمال قررت اتخاذ القرار الأقل كلفة سياسيا والذي لن يؤثر على الناخبين عبر استهداف المنح المخصصة لطالبي اللجوء في بريطانيا أو الفقراء الذين يبعدون عن أراضيها بآلاف الأميال.

ونبّه دويل إلى أن فرض الرئيس الأميركي أجندته السياسية على الأوروبيين وفي مقدمتهم بريطانيا كحليف إستراتيجي تاريخي، وإجبارهم على تسديد الحماية الأميركية لأمنهم القومي، قد يمثِّل لحظة بالغة الصعوبة تدفع حكومات أوروبية لخطوات لا تنسجم بالأساس مع توجهاتها ومصالحها الخارجية، وللاعتقاد بأن استثمارها في القوة الناعمة من خلال برامج التنمية لن يعوض حاجتها الملحة لقوة عسكرية ودفاعية تضمن لها الردع والأمن في ظل واقع جيوسياسي مفتوح على كل الخيارات.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا دونالد ترامب أمريكا روسيا

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا