آخر الأخبار

ألمانيا تشهد صعوداً لشعبية أحزاب اليمين بين الشباب

شارك
مصدر الصورة

يقول نيك، 19 سنة: "علمني والدايَّ أنهما كانا يعيشان في سلام وهدوء، دون أن يشعرا بأي خوف في بلدهما. وأود أن أعيش في بلد لا أشعر فيه بالخوف".

التقيت به في حانة صغيرة على ناصية أحد شوارع مدينة فرايبرغ، ساكسونيا، حيث كان يلعب لعبة رمي السهام.

كانت ليلة باردة ويسودها الضباب في فبراير/ شباط 2025، ولم يتبق الكثير من الوقت على إجراء الانتخابات الألمانية في 23 فبراير/ شباط 2025.


* اليمين المتطرف يسعى إلى إحداث زلزال في الانتخابات الألمانية

نيك وصديقه دومينيك، 30 سنة، من المؤيدين أو المتعاطفين مع حزب البديل من أجل ألمانيا - وهو الحزب الذي يحتل المركز الثاني في استطلاعات الرأي في ألمانيا منذ أكثر من عام ونصف العام، إذ يجتذب اليمين المتطرف هنا وفي أماكن أخرى في أوروبا أعداداً متزايدة من الشباب، خاصة الرجال، إلى دعمه.

وهناك سبب رئيسي وراء دعم نيك ــ وكثير من الشباب في ألمانيا ــ يتمثل في الخوف الذي ينتابهم بسبب تزايد عدد الهجمات التي تورط فيها مشتبه بهم من طالبي اللجوء في ألمانيا، أحدثها طعن طفل صغير ورجل في حديقة في مدينة أشافنبورغ البافارية، ما أدى إلى وفاتهما. والآن أصبحت الهجرة هي الشغل الشاغل لنيك ودومينيك، رغم أنهما لا يعارضان الهجرة بصفة عامة.

وقال دومينيك: "ليس لدي أي مشكلة مع من يندمجون، ويتعلمون، ويدرسون، ويقومون بعملهم هنا"، وذلك رغم انتقاده استغلال نظام اللجوء.

وأضاف: "لكن في هذه الأيام، يُنظَر إلى مثل هذه التصريحات باعتبارها عدائية"، مشيراً إلى أنه قد "يُطلَق عليك لقب النازي بسبب ماضي ألمانيا".


* حزب "البديل من أجل ألمانيا" المعادي للإسلام واللاجئين: فائز أم خاسر في الانتخابات الألمانية الماضية؟

واستقبل حزب البديل من أجل ألمانيا - المتهم منذ فترة طويلة بتبني خطاب معادي للمهاجرين - تأييد من ملياردير التكنولوجيا إيلون ماسك، الذي يملك موقع التواصل الاجتماعي إكس، بحفاوة. واستضاف ماسك مناقشة حية مع زعيمة الحزب أليس فايدل على المنصة وتواصل مع تجمع حاشد للحزب.

الشباب يميلون إلى اليمين

مصدر الصورة

كشفت دراسة أجراها مركز بيو في 2024 عن أن 26 في المئة من الرجال في ألمانيا لديهم آراء إيجابية عن حزب البديل من أجل ألمانيا مقارنة بـ 11 في المئة من النساء. وارتفعت نسبة الرجال الذين يميلون إلى تأييد هذا الحزب السياسي بحوالي عشر نقاط منذ عام 2022.

وفي انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2024، وفقاً لاستطلاعات الرأي الألمانية، ارتفع عدد الناخبين – من الفئات العمرية أقل من 24 سنة من الذكور والإناث - الذين صوتوا لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا إلى 16 في المئة بزيادة قدرها 11 نقطة مقارنة بانتخابات 2019.

يأتي هذا في وقت يتزايد فيه القلق بين الشباب، بحسب دراسة حديثة أجراها المعهد الألماني لأبحاث الأجيال.

ومن خلال دراسة عينة مكونة من ألف ألماني تتراوح أعمارهم بين 16 و25 سنة، ثبت أن مستويات القلق هي الأعلى بين المشاركين الذين يصنفون أنفسهم بأنهم من أقصى اليمين بينما كانت هي الأدنى بين مؤيدي الوسط.

وتبين أن النساء أكثر ميلاً للقلق بشأن حقوقهن وحقوق الأقليات في حين كشفت الدراسة عن أن الرجال أكثر قلقاً بشأن القيم المحافظة التي لا تعتمد بشكل كبير على الحقوق.

وقال روديغر ماس، من معهد أبحاث الأجيال الألماني، إن الأحزاب اليسارية تركز غالباً على موضوعات مثل النسوية والمساواة وحقوق المرأة.

وأَضاف: "بصفة عامة، لا يرى الرجال أنفسهم في هذه القضايا"، مؤكداً أنه "لهذا السبب يميلون إلى التصويت لصالح اليمين المتطرف".

وحققت الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية نجاحاً في دول مثل فرنسا، والنمسا، وهولندا، وبولندا، وإسبانيا، وإيطاليا أيضاً.

وقال طارق أبو شادي، أستاذ السياسة الأوروبية بجامعة أكسفورد، في تحليل مأخوذ من مجموعة فرعية من دراسة الانتخابات الأوروبية لعام 2024: "60 في المئة من الشباب تحت سن الثلاثين يفكرون في التصويت لليمين المتشدد في دول الاتحاد الأوروبي، وهذا أعلى بكثير من النسبة بين النساء".

"توصيل الرسالة"

مصدر الصورة

بالإضافة إلى قضايا النوع، والهجرة، والاقتصاد، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً، إذ تسمح منصات مثل تيك توك للمجموعات السياسية بتجاوز وسائل الإعلام التقليدية السائدة التي يعتبرها اليمين المتطرف معادية.

ومن الواضح أن حزب البديل من أجل ألمانيا "يهيمن" على تيك توك مقارنة بالأحزاب الألمانية الأخرى، وفقاً لموريشيوس دورن من معهد الحوار الاستراتيجي (ISD). ويتابع الحزب الألماني 539 ألف متابعاً على حسابه البرلماني، مقارنة بـ 158 ألف متابعاً للحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي لديه حالياً أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الألماني.


* انتخابات ألمانيا: احتفاء واسع بفوز نواب ألمان من أصول عربية

ولا يتعلق الأمر فقط بالحسابات الرسمية، بل إن "عدداً كبيراً من حسابات داعمي الحزب غير الرسمية تساعد أيضاً في نشر المحتوى الخاص به"، وفقاً لدورن.

ومن خلال إنشاء 10 حسابات "مبنية على شخصيات" بملفات تعريف مستخدمين مختلفة، اكتشف الباحثون أن "المستخدمين الذين ينتمون إلى اليمين عددهم أكبر، كما أنهم يركزون على مشاهدة الكثير من محتوى حزب البديل لألمانيا في حين يشاهد المستخدمون الداعمون لتيار اليسار محتوى سياسياً أكثر تنوعاً".

وقالت إدارة تطبيق شركة تيك توك إنها لا "تفرق" بين اليمين واليسار والوسط وأنها تعمل على أن تكون "أول" من يتصدى للمعلومات المضللة.

ضد "تبادل الأدوار"

تعارض بريشتي أيضاً "تبادل الأدوار" عندما يتعلق الأمر بأزياء الرجال والنساء.

يعتبر رد الفعل المضاد "أيديولوجية النوع" قضية مختلفة رصدها أبو شادي باعتبارها تغذي دعم اليمين المتطرف بين الشباب، وهو ما اتفق مع ما جاء في دراسات معهد أبحاث الأجيال.

وكشفت نتيجة سؤال وجهه لمعهد للناخبين للمرة الأولى عما إذا كان اتجاه المثلية الجنسية "مبالغ فيه"، وجاءت الإجابة بنعم لتمثل أعلى درجة من اتفاق المشاركين مع ما جاء في هذا السؤال، وهم من ثبت أنهم يعتزمون لدعم حزب البديل من أجل ألمانيا.

وعندما تحديتُ بريشتي فيما يتعلق باعتبار هذه النتيجة تراجعاً، أجابت: "من الناحية البيولوجية، نحن رجال ونساء"، مؤكدة أن الناس يجب أن يتصرفوا وفقاً لذلك.

وقالت إنها فقدت اثنين من أصدقائها بسبب توجهاتها السياسية، وهي الآن تقضي أغلب وقتها مع أشخاص يتبنون نظرة مستقبلية مشابهة لنظرتها.

كما أنها لا تتفق مع أولئك الذين ينظرون إلى حزب البديل من أجل ألمانيا باعتباره حركة سياسية خطيرة، بل حركة من شأنها أن تقدم تغييراً جذرياً حقيقياً.

وعندما سألتها عما إذا كانت تعتبر نفسها من اليمين المتطرف، أجابت بأنها كذلك فيما يتعلق بقضايا معينة - مثل مراقبة الحدود والجريمة – قائلة: " نعم بالتأكيد".

كانت إجابة مذهلة، خاصة وأن أنصار حزب البديل من أجل ألمانيا يرفضون في كثير من الأحيان وصفه باليمين المتطرف، بما في ذلك زعيمة الحزب أليس فايدل التي تصر على أنها ترأس حركة محافظة وليبرالية.

ومثلما طُبعت الأهوال التي عاشتها ألمانيا على يد النازيين في الماضي في أعماق نفوس الألمانيين، نشأ هذا الجيل وسط أحزاب مثل حزب البديل من أجل ألمانيا، سواء كان ذلك في البرامج الحوارية التلفزيونية أو في البرلمان بعد حصول حزب البديل لألمانيا على أول نواب له في عام 2017.

ويرى أبو شادي أن اليمين المتطرف، بشكل عام، أصبح أكثر قبولاً إلى درجة أن "مظهرهم لم يعد متشدداً".

يأتي ذلك رغم فضائح الحزب مثل تغريم بيورن هوكه، أحد رموز اليمين المتطرف في حزب البديل من أجل ألمانيا، مرتين العام الماضي لاستخدامه شعاراً نازياً على الرغم من نفيه القيام بذلك متعمداً وهو على علم بأنها رموز نازية.

وتصنف السلطات حزب البديل من أجل ألمانيا في ثلاث ولايات ألمانية على أنه حزب يميني متشدد - بما في ذلك ولاية ساكسونيا، وهو التصنيف الذي طعن فيه الحزب دون جدوى أمام القضاء.

إنها ولاية وصل فيها عدد "اليمينيين المتطرفين" إلى "مستوى مرتفع جديد" - وفقاً لتقرير أصدرته العام الماضي هيئة المخابرات المحلية في ساكسونيا - والذي أظهر بيانات تعود إلى عام 2015.

روايات محل شك

مصدر الصورة

في أحد مراكز التسوق بمدينة كمنيتس بولاية ساكسونيا، التقينا مجموعة من الشباب الذين، رغم عدم إظهارهم لانتماءاتهم علناً، أقرّوا بانتمائهم إلى اليمين.

ويرتدي المشاركون ملابس سوداء مع الالتزام بتصفيفة شعر قصيرة موحدة، ويرون أن المثلية الجنسية خطأ وتنتابهم مخاوف حيال خطر يداهم "العرق" الألماني بسبب مجتمع المهاجرين الذين يتزايد عددهم في البلاد.

كما يتساءل هؤلاء الشباب عن الروايات المتعلقة بماضي بلادهم فيما يبدو أنه إشارة إلى العصر النازي.

وقالت ديانا شويتالا، مدرسة تاريخ ودراسات اجتماعية منذ ثماني سنوات، إنها اضطرت إلى مواجهة حالة من إنكار الهولوكوست في الفصل الدراسي، كما سمعت تعليقات أخرى مثيرة للقلق.


* الهولوكوست: كيف أصبح معسكر "أوشفيتز" رمزاً للإبادة النازية؟

وأضافت شويتالا: "نسمع أن الحرب العالمية الثانية كانت في الواقع شيئاً جيداً، وكان هناك سبب لموت الناس في تلك الفترة، وهو جيد أيضاً. ويوصف هتلر بأنه رجل طيب".

وتضيف: "الكثير من الطلاب... طلاب صغار جداً، (يقولون) إنه ليس من المهم لمن أعطي صوتي، فسوف يفعلون ما يريدون في الأعلى على أي حال. أما السؤال حول من يوجد هناك في الأعلى، فليس لدي إجابة عليه".

وامتد لقاؤنا بها على مدار يومين وأجرينا أجزاء منه في كلية مهنية للكبار في فرايبرغ تقع على أرض معسكر اعتقال نازي سابق، حيث كانوا يأتون بالنساء اليهوديات من أوشفيتز للعمل بالسخرة في صنع أجزاء للطائرات.

وسمعنا أيضاً حديثاً عن المعارضة لتزايد الهجرة إلى ألمانيا بالإضافة إلى رغبة شديدة في إعلان الفخر بالوطن.

في اليوم الأول الذي التقينا فيه بشويتالا، كانت تساعد في تنظيم انتخابات تجريبية للطلاب لتشجيعهم على الانخراط في الممارسات الديمقراطية في موقع آخر في إحدى الكليات في بلدة فلوها الواقعة على بعد حوالي 15 ميلاً من فرايبرغ.

وتحدثنا أيضاً مع كورا، وميلينا، وجوي، وجمعيهم يبلغون من العمر 18 سنة.

وقالت كورا إنها سمعت رجالاً في مثل سنها يعبرون عن رغبتهم في بقاء النساء في المنزل، مشيرين إلى زمن "عندما كانت النساء تعتني بالأطفال، ويعود الزوج من العمل فيطهين له الطعام". وشبهت ذلك بالاتجاه الذي يسمى "الزوجة التقليدية" الذي يتضمن الالتزام بالأدوار التقليدية للنوع.

وأعربت كورا وميلينا عن مخاوف إزاء تراجع حقوق المرأة ــ بما في ذلك حق الإجهاض، بل وحتى حق التصويت ــ وهو أمر مثير للدهشة. وتقول ميلينا: "لحسن الحظ لم تبدأ مناقشة هذه القضايا في إطارها السياسي بعد، لكني سمعت مناقشات حول عدم السماح للنساء بالتصويت في الانتخابات بعد الآن".


* لماذا تروج نساء غربيات لفكرة "الزوجة التقليدية"؟

وكانت هناك مجموعة صغيرة من الطلاب تصطف للتصويت في وقت الغداء، وتابعنا النتائج مع تصدر حزب "اليسار" للتصويت - الحزب اليساري الذي يحظى بشعبية بين الشباب ولكن لا تتجاوز شعبيته في استطلاعات الرأي حوالي خمسة في المائة على مستوى ألمانيا.

وجاء حزب البديل من أجل ألمانيا في المرتبة الثانية، وهو ما عزز ما توصل إليه أبو شادي، والذي يتضمن أن "الشباب أكثر ميلاً إلى الانضمام إلى حزب يساري أو يميني أكثر من الميل إلى الانتماء إلى حزب وسطي".

"ليس تصويتاً بغرض الاحتجاج"

مصدر الصورة

يتبنى حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي تتضمن أهم القضايا الرئيسية التي يركز عليها الأمن والحدود وجرائم المهاجرين، مفهوم "إعادة الهجرة" وهي كلمة طنانة يستخدمها تيار اليمين المتطرف في أوروبا من المعروف على نطاق واسع أنها تشير إلى الترحيل الجماعي.

ومن خلال التحدث مع كثيرين في ألمانيا، اتضح أن دعم حزب البديل من أجل ألمانيا لا يمكن أن يكون مجرد شكل من أشكال التصويت بغرض الاحتجاج، حتى لو كان هناك إحباط تجاه الأحزاب التي حكمت ألمانيا بطريقة تقليدية. وتأمل سيلينا ودومينيك ونيك ــ وآخرين تحدثنا إليهم ــ في أن يكون حزب البديل من أجل ألمانيا قادراً على وضع ألمانيا على مسار التغيير الجذري ويؤمنون بذلك.

ولا يزال من غير المرجح أن تدخل الأحزاب الأخرى في ائتلاف مع حزب البديل من أجل ألمانيا، ولكن في يناير/ كانون الثاني 2025، مُرر اقتراح غير ملزم في البرلمان الألماني بفضل أصوات حزب البديل من أجل ألمانيا لأول مرة.

ويرى أبو شادي أنه على المدى الطويل، قد يكون هناك تغيير مزلزل.

وقال أبو شادي بمجرد أن تبدأ الأحزاب الأكثر شعبية في التخلي عن "جدار الحماية" أو الحاجز الصحي، فإن اليمين المتطرف سوف يبدأ في التهام تيار اليمين بأكمله.

وأضاف: "من المرجح للغاية أن تصبح الأحزاب اليمينية المتطرفة في العديد من البلدان الأوروبية أو معظمها هي الأحزاب الرئيسية في تيار اليمين أو هي كذلك بالفعل".

وبذلت أحزاب مثل حزب البديل من أجل ألمانيا جهودا حثيثة لتصدير صورة طبيعة لنفسها أمام الناخبين.

وفي حين يرى البعض في ألمانيا وأوروبا أن اليمين المتطرف قوى سياسية متطرفة، ومعادية للديمقراطية أحياناً، إلا أنه يبدو أن جهود "التطبيع" تؤتي ثمارها، خاصة بين الشباب.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا