في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
القدس المحتلةـ "زلزال يضرب الجيش الإسرائيلي"، بهذه الكلمات لخصت قراءات المحللين والباحثين بالشؤون العسكرية والأمنية استقالة رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي، من منصبه، وذلك على خلفية إقراره بالإخفاق في منع هجوم طوفان الأقصى على مستوطنات "غلاف غزة" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
عكست استقالة هاليفي التي ستدخل حيز التنفيذ في السادس من مارس/آذار المقبل، والتي أتت عقب دخول وقف اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، كواليس الصراعات وتبادل الاتهامات بين قادة رئاسة الأركان، حيال فشل جيش الاحتلال في التعامل مع الهجوم والخسائر الفادحة التي تكبدها، في جبهات القتال المتعددة.
حفزت استقالة هاليفي قبل انتهاء ولايته، قائد القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، يارون فينكلمان، الذي أبلغ رئاسة هيئة الأركان الاستقالة من الجيش، كما أعلنت المسؤولة عن النيابة العسكرية بالجيش، اللواء يفعات يروشلمي، الاستقالة من منصبها.
وسبق ذلك، استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أهارون هاليفا، الذي تحمّل مسؤولية شخصية عن الإخفاق الأمني الذي أدى إلى هجوم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتأتي هذه التطورات، وسط تقديرات للمحللين بأن المزيد من كبار الضباط بالمؤسستين العسكرية والأمنية وأجهزة الاستخبارات، سيقدمون استقالتهم ومنهم قائد سلاح الجو تومر بار، وقائد سلاح البحرية، ديفيد ساعر، ورئيس جهاز الأمن العام "الشاباك"، رونين بار.
وتزامنت استقالة هاليفي مع تصاعد التوتر بالعلاقات بين المؤسسة العسكرية ورئاسة الأركان وبين الحكومة الإسرائيلية وخاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي تعمد إخراج الصراع إلى العلن، حيث رفض قرارات أتخذها هاليفي، وطالبه بإنهاء التحقيقات العسكرية بشأن الفشل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وعدم إجراء تعيينات بالمناصب العليا بالجيش، وسط خلافات بشأن تجنيد اليهود الحريديم.
وتتوافق قراءات المحللين بأن استقالة هاليفي لم تكن على خلفية الإخفاقات بعملية طوفان الأقصى وعدم تحقيق أهداف الحرب على غزة، فحسب، بل كانت أيضا بسبب دوافع سياسية لحكومة نتنياهو، وهو ما يشير إلى عمق الأزمة داخل جيش الاحتلال والتي ستتكشف أكثر مع مرور الوقت.
وتجمع التقديرات للمحللين الإسرائيليين أن رئيس الأركان يترك خلفه جيشا غارقا في أزمة خطيرة، وبعد مرور 15 شهرا على الحرب، يتضح أن جيش الاحتلال يعاني من توترات حادة على مستوى القيادة العليا، وسط رحيل العديد من الضباط دون استبدالهم، وسط تفاقم الصراع بين القيادة السياسية والجيش.
ويرى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن وقف إطلاق النار في غزة وبدء إطلاق سراح الرهائن يشير إلى تطورات بالجيش الإسرائيلي، وبعضها تأخر كثيرا، وهو إعلان رئيس الأركان وقائد المنطقة الجنوبية استقالتهما من منصبيهما وانتهاء خدمتهما العسكرية، من منطق تحمل المسؤولية الشخصية عن الإخفاق في منع معركة "طوفان الأقصى".
منذ اللحظة التي هدأت فيها عاصفة الحرب، يقول المحلل العسكري: "بدأت إسرائيل بعملية مراجعة الذات، والتأمل، وإعادة التأهيل والهيكلة للجيش، حيث سيعقب إعلان هاليفي المزيد من الاستقالات لكبار الضباط، وسط تعزيز تأثير وتدخلات ونفوذ السياسيين على رئاسة الأركان، وهو ما سينعكس على الصورة الشاملة للجيش الإسرائيلي".
وأوضح هرئيل أن هاليفي سوف يورث لخليفته جيشا لا يزال غارقا في أزمة حادة، وهي نتيجة مباشرة لأحداث السابع من أكتوبر، والإخفاق في تحقيق أهداف الحرب، دون أن تكون هناك تحقيقات عسكرية معمقة بأسباب الفشل، بينما ظلت التوترات الداخلية حادة على مختلف المستويات.
ويعتقد المحلل العسكري أن ذلك فاقم أزمة خطيرة حتى على مستوى القيادات الوسطى بالجيش النظامي، حيث يغادر العديد من الضباط وينهون الخدمة العسكرية قبل الموعد دون العثور على بدلاء، لافتا إلى أن العبء الذي يتحمله جيش الاحتياط لا يطاق، وذلك وسط الغضب من خطوات الحكومة التي تسعى إلى تشريع قانون للتهرب من الخدمة العسكرية لليهود الحريديم.
وفي قراءة تعزز الضغوطات وتدخل الساسة بما يدور في رئاسة الأركان والتي دفعت هاليفي للاستقالة، يقول الباحث بالشؤون الأمنية والعسكرية في معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، عوفر شيلح، إن "الاستقالة تعكس أزمة الثقة بالجيش، وسيكون لها ارتدادات على مستوى كبار الضباط".
ويعتقد شيلح أن هاليفي الذي أعلن مباشرة تحمل المسؤولية عن الإخفاق والفشل بأحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، أراد تحقيق بعض الإنجازات العملياتية، لكن التأخير في التحقيق العسكري بأسباب الفشل بالحرب، وامتناع القادة السياسيين عن تحمل المسؤولية، "أدى إلى إضعاف الانضباط وتصدع الثقة بين الرتب الميدانية والقيادة العليا بالجيش".
ورجح أن إلى استقالة هاليفي وكذلك تدخل السياسيين بالمؤسسة العسكرية، سواء على مستوى التعيينات أو حتى الخطط العسكرية، سيكون لها تداعيات خطيرة على صورة الجيش بالمستقبل، حيث إن التعيين غير المناسب، والذي قد ينظر إليه على أنه محاباة في نظر رئيس الوزراء أو أي شخصية سياسية أخرى، قد يؤدي إلى أزمة بالجيش لم تشهد إسرائيل مثلها منذ "ثورة الجنرالات" خلال حرب 1948.
وحيال ذلك، لا يستبعد شيلح أن تؤدي استقالة هاليفي وفي ظل تعاظم تدخل وزير الدفاع ورئيس الوزراء في شؤون المؤسسة العسكرية، إلى المزيد من الاستقالات بصفوف كبار الضباط والتي ستكون ككرة الثلج، التي قد تسهم بتقويض وتفكيك هيئة الأركان العامة، وكسر الروح المعنوية للقيادة العليا بالجيش الإسرائيلي والدفع بها نحو الهامش.
منذ اللحظات الأولى للحرب، وما بعدها، يقول مراسل الشؤون البرلمانية والأمنية لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، عميحاي أتالي: "أدركت إسرائيل أن الجيش بقيادة هاليفي، لم يكن بجهوزية للقتال، فقط خلال طوفان الأقصى، بل اتضح أن الجيش كان فوضويا وخامدا ومترددا ويتجنب الصراعات، ومشغولا بالفلسفة العسكرية".
ويعتقد أن هناك سلسلة أخطاء وإخفاقات تراكمية أدت إلى الهجوم المفاجئ، مشيرا إلى أن الجيش لم يكن مستعدا للحرب، قائلا إن "الجيش الإسرائيلي هو جيش منغمس بعمق في عقيدة عسكرية منفصلة عن الواقع، وهذا ما تسبب في فشله في تفسير نوايا حماس والاستعداد لتنفيذها".
لم يحقق الجيش الإسرائيلي بقيادة هاليفي، يقول أتالي "أهداف الحرب، فحتى بعد 15 شهرا من المناورات المضنية، لم تهزم حماس، وحتى بعد مئات الآلاف من الأطنان من المتفجرات التي دمرنا بها قطاع غزة بالكامل تقريبا، لم يتم تحرير أي من المختطفين، لم يتم إعادة أي مختطف إلا كجزء من صفقة".