قالت "غارديان" إن عودة الملياردير دونالد ترامب إلى السلطة تشير إلى عصر جديد من الاضطرابات في السياسة الأميركية يتميز بالطموحات الاستبدادية والصراعات الصارخة والاستقطاب، رغم أن حفل التنصيب بدا في الظاهر وكأنه انتقال معتاد للسلطة يتبادل خلاله المتنافسون السياسيون التصفيق المهذب.
وأوضحت الصحيفة البريطانية -في افتتاحيتها- أن ما حدث في التنصيب كان مجرد واجهة، تظاهر خلالها ترامب بالمصالحة في خطابه الذي كان في الواقع دعوة يمينية لحمل السلاح ضد أعدائه، ورفض الوحدة التي يمثلها الحفل، إذ قد قدم فيه صورة قاتمة لبلد راكع لا يستطيع أحد غيره أن يعيد إليه الحياة.
ولم يكتف ترامب بإعلان حالة طوارئ واحدة بل حالتين، عندما تعهد بإعادة "ملايين الأجانب المجرمين" والحفر من أجل "الذهب السائل تحت أقدامنا" وتشير دعوته المثيرة للقلق بشأن "استعادة" قناة بنما من الصين إلى طموحات لإعادة تشكيل النظام العالمي، ربما من خلال القوة.
كما أن سلسلة الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب من شأنها أن تعجل بحالة الطوارئ المناخية، وتتحدى الدستور الأميركي بشأن حق المواطنة بالولادة، وتقلص نطاق الحماية القانونية، وكانت رسالته صريحة "أيها الأعداء في الداخل والخارج. احذروا" وخلافا للرئيس روزفلت الذي كان مصدر إلهام للأمل كان ترامب مصدر خوف.
وحاول ترامب -حسب غارديان- أن يصور نفسه صاحب رؤية يبشر بعصر تحول في الولايات المتحدة، وبدأ بخطاب فخم يقول إن "العصر الذهبي لأميركا يبدأ الآن" ولكنه انتهى بالمبالغة المعهودة بأن مواطنيه "على أعتاب أعظم 4 سنوات في التاريخ الأميركي" ليظهر من جديد بهيئة المغرور.
ورأت الصحيفة أن خطاب ترامب حول استعادة العظمة الأميركية يستغل الإحباط الذي يشعر به بعض المواطنين، وأن الموقف الشعبوي الذي يبديه يخفي استيلاء مجموعته الصريح على السلطة، وقد خدع الناخبين العاديين ليصدقوا أنه بطلهم، في حين صور الديمقراطيين باعتبارهم نخبويين منفصلين عن الواقع، مع أن تضارب المصالح لديه مذهل، إذ حقق مليارات الدولارات من خلال عملة مشفرة تحمل علامته التجارية، وهي ربح غير متوقع مرتبط بقرارات تنظيمية يتحكم فيها.
ورأت غارديان أن إستراتيجية التضليل التي ينتهجها ترامب تزرع الانقسام وتقوض الثقة، وتحل محل الحقائق سياسات قائمة على الهوية تتطلب الولاء المطلق، مشيرة إلى أن نرجسية ترامب وشغفه بالإطراء وازدرائه للمنتقدين، واستعداده لاستخدام السلطة للانتقام ولتحقيق مكاسب شخصية، مما يجعله شخصية نادرة من غير المرجح أن تتكرر بالسياسة الأميركية في أي وقت قريب.
وختمت الصحيفة البريطانية بأن انتخابات عام 2024 سلطت الضوء على الانقسام السياسي الأميركي الهش، مشيرة إلى أن عمق الانقسام بلغ حدا دفع الرئيس المنصرف جو بايدن بصورة درامية إلى استخدام سلطاته في العفو لحماية أفراد أسرته وعدد من الموظفين العموميين الحاليين والسابقين من انتقام ترامب.