في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تتصاعد المخاوف في أنحاء أوروبا بشأن استخدام "المواد الكيميائية الأبدية" السامة، التي أظهرت دراسات أنها موجودة في دمائنا، وغذائنا، ومياهنا، وفي الغالب بمستويات غير آمنة.
وعلى مدار السنوات الأخيرة، شهدت عدة دول أوروبية فضائح تتعلق بتصريفات صناعية "البيرفلورو ألكيل والبولي فلورو ألكيل (المواد الكيميائية الألكيلية المشبعة بالفلور ومتعددة الفلور (بي إف إيه إس)، في التربة والمجاري المائية، مما أثار أخطارا صحية جسيمة للمجتمعات المجاورة.
وتعرف هذه المواد باسم "المواد الكيميائية الدائمة".
ووسط تنامي الضغوط العامة، تضطر الحكومات إلى التحرك. ولكن ما مدى فعالية جهودها وهل هي كافية؟
المواد الكيميائية الأبدية عبارة عن مجموعة تضم أكثر من 10 آلاف مادة كيميائية صناعية، تستغرق أمدا طويلا للغاية كي تتحلل، حيث إنها تتكون من سلسلة من ذرات الكربون المرتبطة بالفلور، مما يجعلها مقاومة للشحوم والزيوت والماء والحرارة، وقد استخدمت لأول مرة في أربعينيات القرن الماضي، وتستخدم الآن في مئات المنتجات، بما في ذلك أواني الطعام غير اللاصقة، وتغليف المواد الغذائية، والأقمشة المقاومة للماء، والسجاد، ومنتجات التنظيف، والدهانات، ورغوات إطفاء الحرائق.
ورغم فوائد هذه المواد، فإن التعرض لها، حتى بمستويات منخفضة على مدار الوقت، يرتبط بمجموعة من الأخطار الصحية: تلف الكبد، وارتفاع نسبة الكوليسترول، وضعف الاستجابة المناعية، وانخفاض وزن المواليد عند الولادة، وأنواع عديدة من السرطان.
بحثت الوكالة الأوروبية للبيئة سلسة من الدراسات حول مستويات مواد "بي إف إيه إس" في دم من هم في سن المراهقة بتسع دول.
وخلصت الوكالة إلى أن 14.3% من هؤلاء المراهقين لديهم نسب تركيز أعلى من المستويات المقبولة.
أدخلت فرنسا بعضا من أكثر اللوائح صرامة في أوروبا فيما يتعلق بالمواد الكيميائية الأبدية، حيث يحظر قانون جرى تمريره في فبراير/شباط استخدام هذه المواد في مستحضرات التجميل والملابس والأحذية وشموع التزلج اعتبارا من عام 2026، مع حظر أوسع نطاقا استخدامها في المنسوجات، يدخل حيز التنفيذ في 2030.
كما يقضي القانون بتطبيق مراقبة منتظمة على هذه المواد في مياه الشرب، حيث أطلقت الحكومة الأسبوع الماضي خريطة عامة على الإنترنت تظهر مواد "بي إف إيه إس"، في المياه بجميع أنحاء البلاد.
وفي منطقتي موز وأردين، جرى حظر استهلاك مياه الصنبور بعد اكتشاف مستويات غير طبيعية من هذه المواد الشهر الماضي.
اندلع غضب شعبي في منطقة والونيا ببلجيكا في عام 2023، إثر كشف تحقيقات أجرتها محطة "آر تي بي إف" التلفزيونية المحلية، تجاهل التحذيرات بشأن حدوث تلوث بمواد "بي إف إيه إس" على مدار سنوات.
وكان الجيش الأميركي، الذي يعمل من قاعدة في مدينة شيفر الصغيرة، أشار في 2017 إلى وجود مستويات عالية من المواد الكيميائية الدائمة في المياه المحلية، عقب حادثة تتعلق برغوة إطفاء الحرائق، وهي مادة يجرى تصنيعها باستخدام كميات كبيرة من مواد "بي إف إيه إس".
وأوصت القاعدة الأميركية موظفيها بشرب المياه المعبأة في زجاجات، ولكن السكان المحليين ظلوا في الظلام لسنوات، حتى بعد أن تم إبلاغ الحكومة الإقليمية بالمشكلة في عام 2018.
وتم إجراء اختبارات دم على نطاق واسع بشيفر في أوائل عام 2024، ثم امتدت إلى المناطق المجاورة لاحقا.
وقالت السلطات إنه جرى أخذ عينات دم من قرابة 1300 شخص في حوالي 10 بلديات، للتأكد من تعرضهم للمواد الكيميائية خلال الأسابيع الأخيرة، وذلك في إطار حملة جديدة أطلقت في يونيو/حزيران الماضي.
وفي منطقة فلاندرز، توصلت شركة "إم 3″، العملاقة للمواد الكيميائية إلى اتفاق مع الحكومة في 2022، لمعالجة الموقف، بقيمة 571 مليون يورو (664 مليون دولار)، إثر الربط بين التلوث الواسع النطاق والمواد الكيميائية الأبدية، بمصنعها في زويندريخت، بالقرب من أنتويرب.
واجهت إيطاليا، في شهر يونيو/حزيران الماضي مشاكل مماثلة مع الشركات الكبرى، ومواد "بي إف إيه إس"، وقضت محكمة إيطالية بالسجن 17 عاما بحق مسؤولين تنفيذيين في مصنع كيميائي، بسبب تلويثهم المياه التي يستخدمها مئات الآلاف بهذه المواد.
وأدين نحو 11 مسؤولا تنفيذيا في شركات، تشمل ميتسوبيشي اليابانية، ومجموعة المستثمرين الكيميائيين الدوليين، ومقرها لوكسمبورغ، بتلويث قرابة 200 كيلومتر مربع من مياه الشرب والتربة من خلال مصنع ميتيني، في مدينة تريسينو بشمال شرق البلاد.
خلصت دراسة وطنية أجراها "المعهد الوطني للصحة العامة في هولندا"، إلى وجود مواد "بي إف إيه إس"، في جميع عينات الدم الـ1500 التي تم اختبارها، مع تجاوز كل حالة تقريبا الحدود الآمنة الصحية.
وخلص المعهد إلى أنه "لا توجد إمكانية لتجنب التعرض للمواد الكيميائية الأبدية تماما. فهذه المواد موجودة في جميع أنحاء هولندا، في التربة والغذاء ومياه الشرب".
قدمت هولندا والدانمارك وألمانيا والنرويج والسويد اقتراحا للوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية في عام 2023، يدعو إلى فرض حظر شامل على المواد الكيميائية الأبدية، والاقتراح قيد المراجعة حاليا من قبل اللجان العلمية الأوروبية، ومن المقرر أن تنتهي المراجعة في عام 2026.
وأكدت المفوضية الأوروبية في خطة عملها الخاصة بصناعة الكيماويات، التي نشرتها في يوليو/تموز الماضي، أنها "ملتزمة بتقديم اقتراح في أقرب وقت ممكن"، عندما تتلقى المراجعة "بهدف عام، هو خفض الانبعاثات الناجمة عن مواد /بي إف إيه إس/ إلى الحد الأدنى".
وأوضحت المفوضية أنها سوف تبحث حظر الاستخدامات الاستهلاكية لهذه المواد، لكن إذا لم يتم العثور على بدائل للاستخدامات الصناعية الحيوية لها، فقد يسمح باستخدامها.
كما التزمت ببذل جهود حاسمة لتنظيف المواقع الملوثة بالفعل على أساس مبدأ "الملوث يدفع"، أو بأموال عامة حال عدم العثور على كيان مسؤول عن التلوث.
ومن الممكن كذلك وضع إطار عمل لرصد المواد الكيميائية الأبدية على مستوى الاتحاد الأوروبي لجمع البيانات ورسم خرائط لمناطق التلوث.
وفي ألمانيا، أعرب وزراء الاقتصاد في عدة ولايات عن معارضتهم حظر هذه المواد، بشكل تام.
وقالت وزيرة الاقتصاد في ولاية بادن-فورتمبيرج، نيكول هوفمايستر-كراوت، من الحزب الديمقراطي المسيحي، إنه على الرغم من أن التبعات على صحة الإنسان معروفة جيدا، من شأن فرض حظر أن يدمر قطاعات إنتاجية بأكملها في الاتحاد الأوروبي.
وأضافت أن ذلك سوف تكون له تداعيات واسعة على برنامج واسع النطاق لخفض أنشطة التصنيع. وقال كلاوس روهي مادسن، وزير الاقتصاد في ولاية شليسفيج-هولشتاين، إنه ينظر بقلق أيضا إلى لوائح الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالمواد الكيميائية.
وأوضح "أن اللوائح تسبب أضرارا جسيمة للصناعات الكيميائية وسلاسل القيمة التي تعتمد عليها من خلال التكاليف التي تزداد باستمرار، والغموض الواسع في التخطيط، وتراكم الابتكارات والاستثمارات".
وهناك بعض القواعد المطبقة بالفعل على مستوى الاتحاد الأوروبي، مثل وضع حد أقصى لمستويات مواد "بي إف إيه إس"، في مياه الشرب بداية من عام 2026 والقيود المفروضة على مجموعة فرعية معينة من هذه المواد.