آخر الأخبار

فقاعة العقارات تقترب من الانفجار وبنك إسرائيل يستعد للأسوأ

شارك

القدس المحتلة- بعد أكثر من عقد من الازدهار المتواصل في سوق العقارات الإسرائيلية، التي شهدت ارتفاعا غير مسبوق في الأسعار، بدأ بنك إسرائيل يستعد لما يصفه خبراء اقتصاديون بـ"اليوم التالي للفقاعة"، في ظل مؤشرات متزايدة على تضخم مفرط في السوق وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، بالتوازي مع تداعيات الحرب على غزة التي عمقت الأزمة الاقتصادية.

ففي الوقت الذي ساهمت فيه سياسات بنك إسرائيل المركزي على مدى سنوات، من خلال معدلات فائدة منخفضة وسياسات ائتمانية متساهلة، في تغذية الطفرة العقارية، تشير المعطيات الأخيرة إلى أن البنك نفسه بدأ يتخذ خطوات وقائية لتخفيف مخاطر الانفجار المحتمل للسوق.

وبحسب بيانات بنك إسرائيل، بلغت قيمة القروض العقارية "متعددة الأغراض"، أي تلك المضمونة برهن عقاري لأغراض غير السكن، نحو 5.5 مليارات شيكل (1.7 مليار دولار)، خلال العام 2025.

ورغم أن هذا الرقم يبدو متواضعًا مقارنة بنحو 79 مليار شيكل (24.6 مليار دولار) من القروض العقارية التقليدية، فإن البنك يحذر من أن هذه القروض تمثل مخاطر أكبر على النظام المالي، نظرا لأنها تحمل فوائد أعلى ومعدلات تخلف عن السداد تضاعف المعدلات المعتادة.

وفي مسعى للحد من تصاعد الديون، أصدر بنك إسرائيل مسودة لوائح جديدة تنص على ألا يتجاوز إجمالي أقساط القروض المتعلقة بالإسكان 40% من الدخل الشهري المتاح للأسرة.

وتهدف هذه الخطوة إلى تقييد الإقراض المفرط، لكنها في الوقت نفسه قد تبطئ النشاط العقاري في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة بسبب الحرب.

مخاطر متصاعدة

وعمقت الحرب على غزة، بحسب التحليلات الاقتصادية، أزمة العقارات في إسرائيل، عبر عدة مسارات، تباطؤ في عمليات البناء والإسكان نتيجة نقص العمالة وارتفاع تكاليف المواد، وتراجع الطلب في بعض المناطق الجنوبية والشمالية بفعل المخاوف الأمنية وتجميد الاستثمارات الأجنبية في القطاع العقاري بسبب عدم الاستقرار.

مصدر الصورة فقاعة العقارات الإسرائيلية تقترب من الانفجار (الجزيرة)

ورغم ذلك، لا تزال الأسعار مرتفعة بشكل غير منطقي، مما يعزز المخاوف من انفجار فقاعة عقارية قد تهز النظام المالي الإسرائيلي في حال تزايد معدلات البطالة أو ارتفعت الفوائد مجددا.

إعلان

ويرى محللون أن بنك إسرائيل يسير على خيط رفيع بين محاولته احتواء الأزمة وحماية البنوك من الانكشاف المالي، وبين رغبة الحكومة في إبقاء السوق مزدهرة لتجنّب ركود اقتصادي أعمق.

أزمة عقارية

لكن هذه المقاربة، التي تقوم على تمديد عمر الفقاعة بدل معالجتها، قد تنذر بانفجار أكثر حدة على الأمد المتوسط، خصوصا إذا استمرت الحرب واستنزفت الموارد المالية والقدرة الشرائية.

ويشير محللون إلى أن إسرائيل تقف أمام أزمة عقارية واقتصادية متشابكة، حيث لم يعد بالإمكان فصل التداعيات الأمنية للحرب عن الضغوط الاقتصادية التي تهدد قطاعات حيوية مثل الإسكان والتمويل.

وفي حال فشل بنك إسرائيل في ضبط السوق العقارية، فإن تداعيات الانهيار المحتمل قد تتجاوز حدود العقارات لتطال القطاع المصرفي والاقتصاد الإسرائيلي بأكمله.

انتعاش مصطنع

وحذر المحلل الاقتصادي في موقع "زمان يسرائيل"، عيران هيلدسهايم، من أن النظام المصرفي الإسرائيلي يقف في ظل الحرب على غزة على حافة خطر حقيقي، وذلك بعد سنوات من انتعاش مصطنع في سوق العقارات، تحوّل معه القطاع من غرض سكني إلى مجال مضاربات واستثمارات جامحة.

ويقول هيلدسهايم إن انخفاض أسعار الشقق خلال الأشهر الأخيرة جعل الخطر على البنوك ملموسًا، إذ تتحول قروض كانت آمنة بنسبة تمويل 60% إلى قروض خطرة بنسبة 80% مع تراجع الأسعار، خاصة عند إضافة القروض الثانوية التي تضاعف المخاطر والرافعة المالية.

ولمواجهة المخاطر، أصدر بنك إسرائيل مسودة لوائح تقيد أقساط القروض بنسبة لا تتجاوز 40% من دخل الأسرة الصافي، مما يمنع الحصول على قروض إضافية ويهدف إلى حماية النظام المالي من تداعيات استمرار تراجع أسعار العقارات.

وأشار هيلدسهايم إلى مفارقة لافتة، فالجهات التي تحاول اليوم احتواء الأزمة هي نفسها من أشعلها، إذ ساهمت الحكومة والبنوك وبنك إسرائيل والمستثمرون في تضخيم فقاعة العقار عبر تسهيلات ضريبية وائتمانية خلقت وهما بأن شراء الشقق ضرورة لا مفر منها.

مصدر الصورة الاقتصاد الإسرائيلي على حافة أزمة سكن وديون مزدوجة (الجزيرة)

فقاعة الديون

واليوم، مع بدء فقاعة الديون بالانفجار، يتصرف بنك إسرائيل كـ"رجل الإطفاء" الذي يحاول احتواء النيران، بعد أن أشعلها أحدهم. ورغم أن تشديد قواعد الإقراض خطوة ضرورية، فإنها في نظر هيلدسهايم اعتراف ضمني بأن النظام المالي بلغ أقصى طاقته ولم يعد يحتمل مزيدًا من التوسع.

يرى هيلدسهايم أن إسرائيل لا تواجه أزمة عقارات فحسب، بل أزمة ثقة في إدارة الاقتصاد الكلي، حيث تحوّل السكن من حق اجتماعي إلى أداة مالية بيد الدولة والبنوك. ومع انكماش السوق وارتفاع الفوائد، تنكشف هشاشة هذا البناء الزائف الذي قام على الائتمان المفرط. في نظره، "الفقاعة لا تزال قائمة، لكن الهواء بدأ يتسرب منها ببطء".

ولفت هيلدسهايم إلى أن ما يفعله بنك إسرائيل ليس حلا للأزمة، بل تأجيل الانفجار، فهو يحاول سد ثقب في سد الفقاعة بإصبعه، بينما المياه تتراكم من خلفه. القرارات الحالية قد تبقي النظام المصرفي متماسكًا مؤقتا، لكنها تضع عبء الديون على كاهل الأجيال القادمة والمشرفين الماليين في المستقبل.

مرحلة هشة

ويرى مراسل أسواق رأس المال في صحيفة "غلوبس"، حيزي شتيرنليشت، أن الخطوات الأخيرة التي يتخذها بنك إسرائيل تعكس قلقا متزايدا من تصاعد المخاطر في سوق القروض العقارية، خصوصا مع ارتفاع معدلات التعثر في السداد وتراجع قيمة الأصول العقارية بسبب الحرب.

إعلان

فبحسب جمعية مستشاري الرهن العقاري، فإن معدل التخلف عن السداد في القروض المضمونة بالشقق، والمعروفة بـ"القروض لأي غرض"، يبلغ ضعف المعدل المسجل في القروض العقارية التقليدية، أي نحو 1.2% مقابل 0.6% فقط.

هذه الفجوة، وفق شتيرنليشت، تثير مخاوف حقيقية لدى بنك إسرائيل من احتمال اتساع نطاق التعثر مع استمرار ارتفاع الفائدة وتراجع الأسعار.

وأشار إلى أن القروض بضمان الشقق تهدد البنوك مع تراجع الأسعار، إذ يؤدي انخفاض قيمة العقار إلى تآكل الضمانات وارتفاع نسبة التمويل من 60% إلى 70%، مما قد يفاقم المخاطر، لذلك يتحرك بنك إسرائيل استباقيًا لتفادي صدمة مصرفية.

ويضيف شتيرنليشت أن المسودة الجديدة التي يعمل عليها بنك إسرائيل تتضمن تسهيلات مشروطة تتعلق بآلية السداد، حيث ستتاح إمكانية تمديد فترات تسوية القروض تجاوزا للحد الأقصى البالغ 30 عاما، في حالات استثنائية مثل تأجيل الدفعات عقب الحرب أو ضمن خطط حكومية لمساعدة المقترضين.

هذه الخطوة، برأيه، تكشف مزيجا من المرونة والقلق داخل المؤسسة المالية الإسرائيلية: فهي محاولة لتخفيف الضغط عن المقترضين، لكنها أيضا اعتراف ضمني بأن النظام المالي يقف أمام مرحلة هشة قد تتفاقم إن استمر تراجع أسعار العقارات وارتفاع كلفة التمويل.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار