تعز– رغم طرح ملايين الدولارات في السوق، يواصل الريال اليمني انهياره بلا توقف، في مفارقة صارخة بين ضخ السيولة الأجنبية وفشل أدوات السياسة النقدية في تحقيق الاستقرار المطلوب. هذا الواقع المتناقض يضع علامات استفهام كبيرة حول فاعلية المزادات التي يعلن عنها البنك المركزي اليمني بانتظام في عدن، من دون أن تنعكس إيجابًا على سعر الصرف أو الأوضاع المعيشية المتدهورة.
ويواصل البنك المركزي اليمني بيع ملايين الدولارات عبر مزادات متعددة، في محاولة لوقف انهيار العملة المحلية التي تعاني من تراجع قياسي. لكن هذه المزادات المتكررة لم تفلح في تعافي الريال اليمني أو حتى الحد من تدهوره المتواصل، وسط تساؤل عن أسباب عدم فاعلية هذه الإجراءات والسياسات المالية التي عجزت عن وقف تراجع العملة المحلية.
وكان البنك المركزي اليمني في عدن أعلن يوم الاثنين الماضي عن تنظيم أحدث مزاد لبيع 30 مليون دولار، مزمع عقده يوم الثلاثاء المقبل.
وقبلها بيوم، أعلن البنك المركزي نتائج مزاد علني رقم 15 لعام 2025 بنسبة تغطية بلغت 41% وبسعر 2659 ريالا يمنيا للدولار الواحد.
وأفاد البنك في تعميم بأنه تم بيع 20 مليونا و263 ألف دولار فقط من إجمالي 50 مليون دولار عرضها في المزاد.
وتأتي هذه المزادات في وقت بلغ فيه سعر الدولار 2750 ريالا يمنيا وفق تعاملات يوم الخميس، وذلك يعني أن العملة المحلية تواصل التدهور رغم هذه التدخلات المتكررة من البنك المركزي.
وحسب رصد الجزيرة نت، تراجع الريال اليمني خلال عام، أي منذ مطلع يوليو/تموز 2024، بنحو 49%، إذ كان سعر الدولار حينها 1850 ريالا.
وفي يوم الاثنين 30 يونيو/حزيران 2025، اختتم مجلس إدارة البنك المركزي اليمني أحدث اجتماع له في عدن، استمر يومين، لمناقشة التطورات المالية والاقتصادية الراهنة، واستعراض الجهود التي يبذلها البنك لاحتواء التداعيات السلبية الناتجة عن شح الموارد المحلية والأجنبية، وهجمات الحوثيين على موانئ تصدير النفط.
وأضاف البنك في بيان أن هذه الهجمات التي نُفذت في عام 2022 تسببت بحرمان الشعب اليمني من أهم موارده، وأثرت بشكل مباشر على الأوضاع المعيشية في مختلف محافظات الجمهورية، بما في ذلك المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
لكن هذه الإجراءات لم تحقق الأثر المرجو منها، كما يشير الدكتور محمد علي قحطان، أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، موضحًا أن البنك المركزي اليمني في عدن اعتمد سياسة المزادات النقدية بتوصية من خبراء البنك الدولي ، حيث يطرح جزءًا من المنح السعودية للبيع عبر مزادات لتحقيق 3 أهداف رئيسية:
وأضاف الأكاديمي الاقتصادي للجزيرة نت أن هذه السياسة أخفقت بسبب عدم واقعيتها وعدم ملاءمتها لظروف الحرب، مشددًا على أنه كان الأولى بالسلطة الشرعية أن تتبنى سياسة تثبيت سعر الصرف لدعم استقرار الأسعار والسلع.
وتابع أن الحكومة الشرعية واصلت بيع المنح السعودية بالمزاد من دون إصلاح جذري، وقد أدى ذلك إلى 3 نتائج سلبية:
ومن زاوية تحليلية أخرى، يُرجع الصحفي الاقتصادي وفيق صالح عدم فاعلية مزادات البنك المركزي إلى عوامل متداخلة ومعقدة أثّرت في بنية السوق، تتجلى في:
ومن بين العوامل الأخرى، وفق صالح، وجود شبكات مالية موازية ومضاربين يملكون كتلًا نقدية ضخمة، ويمتنعون عن شراء العملة الصعبة من البنك المركزي، ويفضلون خيار المضاربة في السوق السوداء.
وأضاف أن آلية المزادات تحولت من أداة لتحقيق الاستقرار النقدي إلى وسيلة يستخدمها البنك المركزي لجمع السيولة المحلية لتغطية الالتزامات الحكومية، بدلًا من تحقيق أهداف السياسة النقدية الشاملة.
وفي الصعيد ذاته، يوضح الدكتور صادق أبو طالب، أستاذ العلوم المصرفية بجامعة تعز، أن الوضع الاقتصادي والمالي الراهن في اليمن هو نتيجة تراكمات وأخطاء ارتكبتها السلطة الشرعية، أبرزها عدم تشكيل حكومة حرب وإقرار اقتصاد حرب يركّز على الاحتياجات الأساسية ويقلل الواردات الكمالية التي استنزفت الموارد المحدودة.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن السلطات النقدية فشلت في إدارة السياسة النقدية بفاعلية، مع استمرار المضاربة على العملة، وغياب ميزانية شفافة، وتعدد مراكز الجبايات، وعدم توريد الإيرادات السيادية إلى البنك المركزي.
واعتبر أن هذا الاضطراب أجبر البنك المركزي على تنظيم مزادات لبيع العملة الصعبة بهدف استقرار الريال، لكن هذه الإجراءات لم تحقق أهدافها، إذ لم تغطِّ كامل احتياجات السوق، وتسرب جزء كبير من مخرجاتها إلى صنعاء عبر تلاعب بعض شبكات الصرافة التي اشترت العملات بشيكات مجمدة في بنوك صنعاء أو عبر ودائع ما قبل 2014 بأسعار منخفضة.
ونبّه إلى أن باب الاستيراد بقي مفتوحًا على مصراعيه، كأن البلد في حالة رفاه اقتصادي، مما زاد الضغط على النقد الأجنبي وأفرغ المزادات من أثرها، خاصة مع غياب التنسيق المركزي وضعف الرقابة، لتتحول هذه المزادات إلى حلول مؤقتة لا تعالج أزمة السوق الحقيقية.
يرى خبراء أن المزادات وسيلة ملائمة، لكنها لا تكفي في ظل التحديات الكبيرة وغير المسبوقة التي يواجهها الاقتصاد اليمني، حيث تتشابك عوامل الانهيار وتزداد الضغوط على النقد الأجنبي.
وفي هذا السياق، يقول مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، إن مزادات البنك المركزي تمثل إحدى أدوات السياسة النقدية، لكنها ليست كافية بمفردها للحد من تدهور الريال اليمني، في ظل الاحتياج الكبير للعملة الصعبة.
وقال في حديث للجزيرة نت إن هذه المزادات تُعد من الوسائل المهمة لتخفيف الضغط على طلب العملات الأجنبية، لكنها لا تعالج الأسباب الهيكلية التي تقف خلف تراجع العملة المحلية.
وأضاف أن توقف صادرات النفط، وتراجع المنح والمساعدات الخارجية، إلى جانب اعتماد البلاد على استيراد أكثر من 90% من احتياجاتها، كلها عوامل تؤدي إلى زيادة الطلب على النقد الأجنبي بشكل دائم.
ونبّه نصر إلى مخاطر المضاربة بالعملات التي تضغط سلبًا على قيمة الريال، لافتًا إلى أن المزادات، وإن كانت إحدى أدوات السياسة النقدية، إلا أنها تظل غير كافية وحدها في ظل هذا التدهور الاقتصادي الكبير.