القاهرة – خرجت آلاف الشركات المصرية إلى الأسواق المجاورة في الآونة الأخيرة مستفيدةً من التسهيلات الاستثمارية الجذابة التي توفرها تلك الدول مقارنة بالبيئة الاستثمارية الصعبة التي تواجهها في مصر، والتي تفاقمت بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة.
أثار هذا التطور نقاشا واسعا في أروقة الحكومة المصرية والأوساط الاقتصادية، علق عليه وزير المالية أحمد كوجاك، في لقاء متلفز، بضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لتحسين بيئة الاستثمار داخل البلاد، وتخفيف الأعباء التي تواجه الشركات المحلية.
من أبرز الأسباب التي دفعت هذه الشركات لاتخاذ قرار التوسع نحو الأسواق الخارجية هو التسهيلات الاستثمارية الواسعة التي تقدمها تلك الدول، وتشمل الإعفاءات الضريبية وتبسيط الإجراءات وتوفير بنية تحتية متطورة.
في المقابل، تواجه الشركات المصرية تحديات كثيرة داخل السوق المحلي، مثل التعقيدات البيروقراطية والبيئة الاستثمارية غير الميسرة والأعباء الضريبية المرتفعة، مما يضعف قدرتها على المنافسة والاستمرارية.
هذا التحدي طُرح بوضوح خلال لقاء رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مع مجموعة من كبار رجال الأعمال والمستثمرين قبل أسبوعين، حيث أشار محمد الإتربي رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري (أكبر بنك حكومي) إلى أن بيئة العمل الجاذبة في الإمارات نجحت في استقطاب نحو 2360 شركة مصرية خلال النصف الأول من عام 2024.
وحذر الإتربي من الآثار السلبية لهذا النزوح الاستثماري على الاقتصاد المصري، والتي وصفها بالتهديد الخطير، خاصة أن مصر تمتلك كافة الإمكانيات للتطور، داعيًا إلى اتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة المشكلات التي تواجه الشركات محليا.
اعترف المسؤولون في حكومة مدبولي بوجود مشاكل حقيقية في بيئة الاستثمار المحلية ومنظومة الضرائب. وفي هذا السياق، أكد وزير المالية على ضرورة إصلاح هذه البيئة وجعلها أكثر جاذبية للاستثمار.
في سبتمبر/أيلول 2024، أعلنت الحكومة المصرية عن ما أسمتها "صفحة جديدة بين مصلحة الضرائب ومجتمع الأعمال ترتكز على الشراكة والمساندة واليقين" ضمن خططها الجديدة في المنظومة الضريبية.
يأتي ذلك وسط تساؤلات ملحّة بشأن قدرة الحكومة على خلق مناخ تنافسي جاذب للاستثمار يحافظ على استمرارية الشركات ويوقف نزيف خروجها إلى أسواق أخرى، ويعالج مخاوفها المتعلقة ببيئة الأعمال.
يتفق الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب السفير جمال بيومي مع تصريحات رئيس البنك الأهلي المصري، ووصف هذا التطور بأنه يشكل "نزيفا للاقتصاد المصري ويتطلب تدخلا عاجلا من الحكومة لوضع حلول جذرية لتحسين بيئة الاستثمار المحلية".
وأكد بيومي، في حديثه للجزيرة نت، أن التسهيلات الاستثمارية المقدمة في العديد من الدول، مثل الإعفاءات الضريبية وتبسيط الإجراءات، تجذب الشركات المصرية التي تواجه تحديات كبيرة محليا، مما يهدد تنافسية بيئة الأعمال المصرية.
وعدد السفير بيومي أشكال التعقيدات التي تواجه المستثمرين مثل التعقيدات الإدارية وبطء سير الإجراءات والتعقيدات المالية المتعلقة بصعوبة التعامل مع البنوك المحلية وارتفاع تكلفة التمويل، داعيا إلى تحديد هوية الاقتصاد المصري: هل هو اقتصاد تقوده الدولة أم اقتصاد يقوده السوق؟
انعكست صعوبة بيئة الأعمال على ظروف التشغيل في القطاع الخاص غير النفطي بمصر والتي تدهورت في ديسمبر/كانون الأول الماضي مع انخفاض الإنتاج والطلبيات الجديدة بأسرع معدل في 8 أشهر وسط ضغوط التكلفة المتزايدة، وفقا لشركة ستاندرد آند بورز.
وواصل مؤشر مديري المشتريات الرئيسي انكماشه للشهر الرابع على التوالي دون 50 نقطة لأسباب تتعلق بضعف الطلب من جانب العملاء وزيادة الضغوط التضخمية، التي تفاقمت بسبب ضعف الجنيه المصري مقابل الدولار.
ورغم ذلك يدفع صندوق النقد الدولي نحو تعزيز دور القطاع الخاص المصري في الاقتصاد المحلي في إطار البرنامج الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة المصرية بموجب اتفاقية قرض بقيمة 8 مليارات دولار، وقد تسلمت مصر ثلاث شرائح من هذا القرض حتى الآن.
أرجع رجل الأعمال المصري الأميركي محمد رزق أسباب هجرة أو توسع الشركات المصرية في الأسواق الخارجية إلى سببين:
وأكد، في حديثه للجزيرة نت، أن على الحكومة المصرية الانتباه لهذه الظاهرة السلبية "وقد فعلت خيرا مؤخراً بالجلوس مع بعض رؤساء تلك الشركات للوقوف على المشاكل ومحاولة إيجاد حلول واقعية لها حيث تبقى المشكلة الأساسية هي توفير العملة الأجنبية وارتفاع فائدة الاقتراض وبالتالي الضغط على كل قطاعات الاقتصاد، وعدم وجود رؤية شاملة واضحة لإنهاء هذا العوار بسبب الفجوة الدولارية".
ورغم ذلك، يظل التفاؤل بحل الحكومة المصرية مشكلات بيئة الاستثمار محدودًا، وفقا لرزق، وذلك لسببين رئيسيين: