في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2025، أعلن فريق من "المركز الدولي لبحوث علم الفلك الراديوي" في أستراليا عن إنجاز علمي جديد، تمثل في أكبر صورة بالألوان لترددات الراديو المنخفضة لحزام مجرة درب التبانة على الإطلاق.
الصورة، التي التُقطت باستخدام تلسكوب "مصفوفة مورشيسون واسعة المجال"، كشفت تفاصيل مذهلة من قلب مجرتنا، لم تكن مرئية من قبل في الضوء العادي.
ويمكن لك الاطلاع على الصورة بشكل مجاني، حيث عرضها الباحثون في شكل لوحة قابلة للتكبير والتصغير، ضمن البيان الصحفي الرسمي الصادر من المركز الدولي لبحوث علم الفلك الراديوي.
على عكس التلسكوبات التقليدية ذات الأطباق العملاقة، لا يحتوي هذا التلسكوب على طبق واحد ضخم، بل يتكوّن من مصفوفة تضم أكثر من 400 مجموعة صغيرة من الهوائيات.
كل مجموعة تضم 16 هوائيا بسيط الشكل، تبدو أقرب إلى "عناكب معدنية صغيرة" مثبتة على الأرض، وتعمل معا لتشكيل تلسكوب افتراضي واحد عملاق.
يستخدم العلماء الحواسيب الفائقة لدمج الإشارات الملتقطة من كل هوائي بدقة، وتحويلها إلى صورة واحدة عالية الوضوح تُظهر السماء بترددات الراديو المنخفضة بين 80 و300 ميغاهرتز.
موجات الراديو هي نوع من الموجات الكهرومغناطيسية، مثل الضوء تماما، لكنها أطول في الطول الموجي وأقل في الطاقة. لا تراها العين، لكنها تسافر في الفضاء وتنقل المعلومات والطاقة.
يستخدمها العلماء في الفلك لأنها قادرة على اختراق الغبار الكوني الذي يحجب الضوء المرئي، فتمكّنهم من رصد النجوم والمجرات وهي تبث إشعاعاتها الخفية. وبالمبدأ نفسه تُستخدم أيضا في حياتنا اليومية في الإذاعة والاتصالات والواي فاي، أي أنها لغة الكون ولغة البشر معا.
على مدار أكثر من 100 ليلة من الرصد، استطاع العلماء جمع بيانات هائلة من السماء الجنوبية، في مشروعين متكاملين هما "جلايم" و"جلايم إكس"
المسوحات السابقة كانت محدودة، لكن الإصدار الجديد تجاوزها بفضل دقة تبلغ ضعف ما سبق وحساسية أعلى بـ10 مرات، مما سمح بالكشف عن نحو 98 ألف مصدر للإشعاع الراديوي، من سُدم وبقايا مستعرات عظمى إلى نجوم نيوترونية نابضة.
وبفضل ذلك، تمكن العلماء من بناء صورة جديدة بدت كأنها لوحة حية للمجرة، فالمناطق الزرقاء الصغيرة تمثل حضانات نجمية جديدة تتكوّن فيها النجوم، بينما الدوائر الحمراء الكبيرة هي بقايا انفجارات نجمية حدثت منذ آلاف السنين.
تعتمد مصفوفة مورشيسون واسعة المجال على ترددات الراديو المنخفضة، مما يمكّنه من رصد إشارات ضعيفة جدا تنبعث من الغازات الباردة والبقايا النجمية القديمة، هذه الإشارات تكشف عن الهياكل الكبيرة والممتدة التي لا يمكن رؤيتها في نطاق الضوء المرئي أو الأشعة تحت الحمراء.
ومن ثم فإن الصورة التي أنتجها المشروع لا تظهر درب التبانة كالشريط المضيء الذي نراه ليلا، بل كنسيج نابض من الطاقة والألوان الراديوية.
ويمكن أن تلاحظ في الصورة أنهارا من الغازات المتدفقة، وأصداء لانفجاراتٍ قديمة، ونجوما تولد من رماد سابقتها. إنها تذكير بأن الكون لا يتحدث فقط بلغة الضوء المرئي، بل أيضا بلغة الموجات الخفية التي تملأ الفضاء.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة