لا يمرّ اليوم الأخير من السنة في
لبنان كغيره من الأيام، بل يحمل في طيّاته مزيجًا من المشاعر المتناقضة بين القلق والأمل، التعب والانتظار. فمع اقتراب نهاية عام حافل بالأزمات الاقتصادية والامنية، يقف اللبنانيون عند عتبة زمنية جديدة، محاولين طيّ صفحة ثقيلة وفتح أخرى مجهولة المعالم.
في ساعات الصباح، تبدو الحركة نشطة في الشوارع. محالّ تجارية تفتح أبوابها حتى وقت متأخر، ومطاعم تستعد لاستقبال الزبائن، فيما ينشغل الناس بإنهاء أعمالهم أو تأمين مستلزمات بسيطة لسهرة رأس السنة. إلا أن هذه الحركة لا تعكس بالضرورة حالًا من الفرح، بل غالبًا ما تخفي خلفها قلقًا متراكمًا من
الغد .
يقول حسن، موظف في منتصف الأربعينيات من عمره: «لم يعد اليوم الأخير من السنة مناسبة للاحتفال بقدر ما أصبح وقتًا للمراجعة. نفكّر بما مررنا به، وبقدرتنا على الاستمرار. لم نعد نطلب الكثير، فقط الاستقرار وبعض الطمأنينة».
كلامه يعبّر عن شريحة واسعة من اللبنانيين الذين باتوا يتعاملون مع نهاية السنة بوصفها محطة نفسية أكثر منها مناسبة احتفالية.
في المقابل، تحاول فئة أخرى، ولا سيما من الشباب، الحفاظ على تقاليد الاستقبال، ولو بإمكانات محدودة. وتقول رنا، طالبة جامعية في الثالثة والعشرين من عمرها: «رغم كل الصعوبات، نصرّ على الاحتفال. قد تكون السهرة بسيطة وفي المنزل، لكننا نحتاج إلى هذه اللحظة لنشعر بأننا ما زلنا قادرين على الفرح، ولو لساعات قليلة، هذا التمسّك بالاحتفال يعكس رغبة واضحة في كسر الروتين القاسي وإيجاد متنفس نفسي، مهما كان محدودًا".
ومع اقتراب منتصف الليل، تتبدّل الأجواء. تتراجع الضوضاء، وتعلو الدعوات الصامتة. رسائل المعايدة تتناقل بين الهواتف، والأمنيات تتشابه: صحة أفضل، استقرار مادي، وبلد أكثر أمانًا. فبالنسبة لكثيرين، لم تعد الأحلام كبيرة، بل محصورة بحياة يومية أقل قسوة.
هكذا يمرّ اليوم الأخير من السنة عند اللبناني: بين واقع يفرض نفسه بقسوة، وأمل عنيد يرفض أن ينطفئ. هو يوم وداع لا يخلو من الألم، لكنه في الوقت نفسه يحمل إصرارًا على الاستمرار، وانتظارًا حذرًا لعام جديد قد يكون، ولو قليلًا، أكثر رحمة.