يتقدّم المشهد اللبناني اليوم على وقع ضغوط متراكمة تضرب "
حزب الله " من كلّ اتجاه، إذ تتراكم عناصر ضغط غير مسبوقة من حوله، بدءاً من مسار عسكري مفتوح يقوده رئيس وزراء
الاحتلال
بنيامين نتنياهو ويقوم على استمرار الاغتيالات والاستنزاف، مروراً بمناخ داخلي حيث تتّسع دائرة التململ ويُستثمر فيه الصمت السياسي لتكريس صورة الهزيمة كأمر واقع، وصولاً إلى مقاربات رسمية تتعامل مع سلاح "الحزب" كملف معزول عن أي ضمانات أو توازنات. وبين هذه الدوائر المتداخلة، تتشكّل بيئة خانقة تضع "الحزب" أمام اختبار وجودي يتجاوز الحسابات التكتيكية اليومية.
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة إلى أنّ تحوّل المزاج السياسي الداخلي واتساع مساحات القطيعة، حتى من أطراف سبق أن شكّلت مظلة سياسية أو معنوية، يتحرّك ضمن مسار ضاغط يهدف عملياً إلى دفع "الحزب" نحو موقع دفاعي دائم، مع تعمّد إبقائه خارج أي إطار تفاوضي مباشر. ويتقاطع هذا المسار مع ضغط خارجي متصاعد يسعى إلى فرض نزع السلاح كشرط أحادي، في وقت يجري فيه التعامل مع
إيران بوصفها عبئاً دبلوماسياً داخل المقاربة الرسمية
اللبنانية ، بما يؤدي عملياً إلى تقليص أحد خطوط الإسناد السياسي في لحظة بالغة الحساسية.
وبحسب تقدير دوائر أمنية متابعة، فإن افتراض استمرار "الحزب" في تقبّل هذا المسار يومياً من دون ردّ، بصرف النظر عن حجم الاستهداف وتراكم كلفته، يبقى قراءة قاصرة لطبيعة التنظيم وبنيته. فالحزب، وفق المصادر، أعاد ترتيب هياكله وسدّ الثغرات القيادية، واختار في المرحلة الراهنة إدارة الوقت بحذر تجنباً لانفجار شامل بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات المحلية والخارجية بما فيها المسار الأميركي. وفي هذا الإطار يندرج هذا الانتظار، في جوهره، ضمن محاولة لالتقاط تسوية تحفظ الحدّ الأدنى من التوازن، وتمنع انزلاق الساحة إلى مواجهة مفتوحة.
غير أن هذا الخيار يبقى محكوماً بسقف زمني وسياسي تفرضه وتيرة الاستهداف وحدود القدرة على الاستيعاب، فمع تضييق هوامش الصبر، ومع تراكم الضغوط والرسائل القسرية السياسية والعسكرية، تتحدث المصادر عن احتمالين يتقدمان تدريجياً. الأول، قرار مركزي مدروس ومنسّق إقليمياً، يهدف إلى إعادة رسم قواعد الاشتباك وفرض معادلة ردّ جديدة تعيد تثبيت التوازن وتمنع تكريس واقع الاستباحة المفتوحة. أمّا الثاني فيتركّز حول تحرّك مجموعات من داخل البيئة التنظيمية أو على هامشها ترى أن لحظة كسر الجمود باتت ضرورة وجودية، خصوصاً عند فشل المسارات التفاوضية وانسداد الأفق بالكامل.
في الخلاصة تلفت المصادر الى أنّ الرهان على بقاء هذا الواقع من دون انفجار يعكس قراءة قاصرة لمسار الأحداث. فالتاريخ القريب يثبت أن التنظيمات العقائدية، حين تُحاصر سياسياً وتُستنزف أمنياً وتُجرّد من أي أفق تفاوضي، تنتقل حكماً إلى مرحلة إعادة تعريف قواعد الاشتباك. وفي هذا السياق، يصبح الصبر أداة مرحلية مرتبطة بميزان الضغط، فيما يفرض الاختلال المتراكم تحوّلاته عند بلوغ حدوده القصوى.