بالتوازي مع ارتفاع سقف المؤشرات الإعلامية التي توحي باقتراب ضربة إسرائيلية جديدة لإيران، يبدو أن المشهد اللبناني يتجه نحو مرحلة دقيقة ومعقدة، عنوانها الأساسي: شمال نهر الليطاني. فلبنان، الذي يعيش أصلًا تحت وطأة أزمات اقتصادية وسياسية خانقة، يجد نفسه أمام عقدة أمنية شديدة الحساسية، تتقاطع فيها الحسابات الإقليمية مع الواقع الداخلي الهش.
في القراءة
الإسرائيلية ، يُنظر إلى مرحلة ما بعد جنوب الليطاني على أنها اختبار حقيقي لجدية
الدولة اللبنانية . إذ تعتبر
تل أبيب أن أي تراجع أو امتناع عن اتخاذ خطوات عملية شمال النهر يشكّل خطرًا استراتيجيًا مباشرًا، ويمنح
حزب الله هامش حركة إضافيًا يسمح له بإعادة ترميم قدراته. من هذا المنطلق، لا تخفي
إسرائيل أن استمرار الوضع القائم قد يدفعها إلى تنفيذ عملية عسكرية واسعة، هدفها إضعاف الحزب أكثر فأكثر، ولو من دون الذهاب إلى حرب شاملة.
في المقابل، ينظر حزب الله إلى هذا الملف من زاوية مختلفة تمامًا. فالحزب يعتبر أن أي تنازل شمال نهر الليطاني لا يمكن فصله عن معادلة الردع مع إسرائيل. ومن وجهة نظره، فإن الإقدام على سحب السلاح أو القبول بإجراءات تمس بنيته العسكرية في هذه المنطقة يشبه إطلاق النار على الذات، لأنه يفتح الباب أمام اختلال أكبر في ميزان القوة، ويضعف قدرته على الرد في مرحلة هو أصلاً يقرّ بأنها تشهد تراجعًا نسبيًا في مستوى الردع.
بين هذين الموقفين المتناقضين، تقف الدولة
اللبنانية في موقع بالغ الحساسية. فهي من جهة تتعرض لضغوط خارجية متزايدة تطالبها بخطوات واضحة وملموسة، ومن جهة أخرى تدرك أن أي قرار متسرّع قد يفتح باب مواجهة داخلية خطيرة مع حزب الله، في بلد لا يحتمل صدامًا من هذا النوع. وهنا تكمن خطورة المرحلة المقبلة، إذ إن الإصرار على فرض إجراءات قسرية شمال الليطاني قد يقود إلى تصادم كبير بين الدولة والحزب، وهو سيناريو يحمل في طياته تداعيات أمنية وسياسية لا يمكن التحكم بها.
وعليه، تبدو عقدة شمال نهر الليطاني مرشحة لأن تكون العقدة الأساسية في المرحلة المقبلة. فالتصعيد
الإسرائيلي قد يكون شبه حتمي على مستوى الضربات المحدودة، من دون الانزلاق إلى حرب شاملة، وما حصل بالامس من غارات
استهدفت الوديان الواقعة بين قضائي الزهراني والنبطية اي في منطقة شمال الليطاني مؤسر خطير. لكن الأخطر يبقى احتمال تفجّر صراع داخلي إذا فشلت إدارة هذا الملف بحكمة وتوازن.