مع اقتراب زيارة رئيس الحكومة
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى
الولايات المتحدة ولقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي
دونالد ترامب ، تتسارع الأحداث وتتكاثر التسريبات التي تعكس مناخًا سياسيًا وأمنيًا بالغ الحساسية في المنطقة. هذه التسريبات لا تبدو عشوائية، بل توحي بأن
إسرائيل تفكر بجدية، وبأكثر من مستوى، في توجيه ضربة عسكرية جديدة إلى
إيران ، أو على الأقل في وضع هذا الخيار على الطاولة بشكل عملي. هذا المسار، إن تأكد، ينعكس مباشرة على
لبنان ، ويزيد منسوب القلق من احتمالات توسّع أي مواجهة إقليمية لتشمل الساحة
اللبنانية .
من الواضح أن نتنياهو يسعى، في هذه المرحلة تحديدًا، إلى إعادة تعريف الأولويات الأمنية
الإسرائيلية ، واضعًا برنامج الصواريخ
الإيراني في صلب الاهتمام السياسي والإعلامي. اللافت أن الخطاب الإسرائيلي الراهن يكاد يركّز حصريًا على هذا البرنامج، من دون التطرّق بالزخم نفسه إلى البرنامج النووي، وكأن هناك محاولة مقصودة لفصل المسارين أو لتقديم الصواريخ بوصفها الخطر الأكثر إلحاحًا. هذا التحوّل في الخطاب لا يمكن فصله عن حسابات عملياتية وسياسية أوسع.
بحسب مصادر مطلعة، فإن هذا التركيز يفسّر إلى حد كبير السلوك الإسرائيلي في الأشهر الماضية، وخصوصًا محاولات تل ابيب تمرير عروض غير مباشرة، عبر وسطاء إقليميين ودوليين، تهدف إلى تحييد لبنان وتجميد دوره في أي مواجهة محتملة مع إيران. جوهر هذه العروض يقوم على فكرة واضحة: السعي إلى تحييد
حزب الله ومنع تدخله في حال اندلاع معركة مباشرة بين إسرائيل وإيران، في مقابل تخفيف الضغوط العسكرية والأمنية على الجبهة اللبنانية.
في هذا السياق، يمكن قراءة التهديدات المتكررة التي يتعرض لها لبنان من زاوية مختلفة. فبدل اعتبارها مؤشرًا حتميًا على نية شن حرب على لبنان، قد تكون جزءًا من تضليل استراتيجي يهدف إلى إبقاء الجبهة الشمالية في حالة توتر محسوب، من دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة. هذا التوتر يخدم إسرائيل في أكثر من اتجاه، أبرزها الضغط النفسي والسياسي، وإرسال رسائل غير مباشرة إلى طهران وحلفائها.
بناءً عليه، تبدو الصورة الإقليمية أكثر تعقيدًا مما يظهر في الخطاب العلني. فلبنان، رغم حضوره الدائم في معادلات التهديد، قد لا يكون الهدف المباشر في هذه المرحلة، بل ورقة ضمن لعبة أكبر عنوانها إيران. ومع ذلك، يبقى لبنان عرضة لتداعيات أي خطأ في الحسابات، في منطقة لا تحتمل كثيرًا من المغامرات، حيث قد يتحول التلويح بالقوة في أي لحظة إلى مواجهة مفتوحة يصعب احتواؤها.