آخر الأخبار

عن هشاشة حقوق الإنسان في لبنان.. فجوة بين النصوص القانونية والممارسات الفعلية

شارك
يحتفل العالم سنوياً في العاشر من كانون الأول باليوم العالمي لحقوق الإنسان، في وقت يزداد فيه النقاش حول قدرة الدول والمجتمعات على صون الكرامة الإنسانية والعدالة والمساواة. بالنسبة للبنان، يأتي هذا اليوم محمّلاً بأسئلة صعبة لا يمكن تجاهلها، لكنه أيضاً مناسبة لإعادة تأكيد ضرورة احياء قيم لاطالما شكّلت جوهر الهوية اللبنانية .
منذ تأسيسه، تبنّى لبنان مجموعة واسعة من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وكان من الدول السباقة في توقيع العديد منها. غير أنّ العقود الأخيرة، ولا سيّما ما بعد الأزمة الاقتصادية التي انفجرت عام 2019، أظهرت هشاشة البنية الحقوقية في البلاد، وكشفت الفجوة بين النصوص القانونية والممارسات الفعلية. اليوم، يواجه المواطن اللبناني تحديات تطال أبسط حقوقه: الحق في الصحة، والتعليم، والعمل، والسكن، إضافة إلى حقوقه المدنية والسياسية.
أبرز هذه التحديات تتمثل في الانهيار الاقتصادي الذي ألقى بثقله على كل تفاصيل الحياة اليومية. فحق الإنسان في العيش بكرامة، وهو من الحقوق الأساسية التي نصّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تآكل بشكل واضح مع تدهور قيمة العملة وتراجع الخدمات العامة. المستشفيات تكافح، المدارس الرسمية تواجه خطر الانهيار، والطبقات الأكثر هشاشة تدفع الثمن الأكبر. وإلى جانب ذلك، تستمرّ أزمة الكهرباء والمياه في التأثير مباشرة على نوعية الحياة.
على الصعيد المدني والسياسي، يشهد لبنان مساحات متقلّصة لحرّية التعبير. فبدل أن تكون حرية الرأي ركيزة لحماية المُواطن، باتت في الكثير من الأحيان مجالاً للصدام والاستدعاءات والاستجوابات. هذا الواقع يقلّص دور الإعلام والنشطاء في المساءلة ويضع الدولة أمام مسؤوليات كبيرة لإعادة بناء الثقة وضمان تطبيق القوانين بما يتوافق مع المعايير الدولية.
مع ذلك، يبقى للبنان جانب مضيء لا يمكن تجاهله. فالمجتمع المدني، بحيويته وقدرته على التنظيم والضغط، أثبت مراراً أنه صوت أساسي في الدفاع عن حقوق الإنسان. عشرات الجمعيات والناشطين يعملون على الأرض، يراقبون، يوثّقون، ويرفعون الصوت، وغالباً ما ينجحون في إحداث فارق. كذلك، لا يزال القضاء اللبناني، رغم الضغط الهائل، يشكّل خط الدفاع المستقلّ الأخير في وجه الكثير من التجاوزات.
اليوم العالمي لحقوق الإنسان ليس مجرد موعد رمزي، بل فرصة لإعادة تقييم المسار. المطلوب اليوم هو التزام فعلي من الدولة بإصلاحات واضحة تُعيد بناء منظومة الحقوق الأساسية، وتعزيز استقلالية القضاء، وتمكين المواطنين من الوصول العادل إلى الخدمات، وضمان بيئة تحترم حرية التعبير والمساءلة. فحقوق الإنسان ليست عنواناً يُرفع في المناسبات، بل هي أساس لأي دولة ترغب في النهوض والاستقرار.
في النهاية، يبقى الأمل قائماً. فطالما هناك مواطنون يطالبون بحقوقهم، ومجتمع مدني لا يتعب، وقضاة يسعون إلى العدالة، فإن المسار نحو لبنان يحترم كرامة الإنسان سيبقى مفتوحاً. هذا اليوم إذاّ، ليس فقط للتذكير بما ضاع، بل لتأكيد ما يجب أن يُستعاد.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا