كتبت سابين عويس في "النهار": بالرغم من حرص رئيس الجمهورية جوزاف عون على إصدار بيان رئاسي بتكليف السفير السابق سيمون كرم ترؤس الجانب اللبناني في لجنة "الميكانيزم"، وإقرانه بالاستناد إلى التنسيق والتشاور مع كل من رئيسي المجلس
نبيه بري والحكومة نواف سلام، منعاً لأي استنساب في شرح القرار أو اتهام الرئيس بالتفرد في اتخاذه، فإن القرار لم يسلم من الاعتراض في أوساط "
حزب الله " الذي شن هجوماً حاداً عليه في إعلامه، أثار التساؤلات حيال نقطتين أساسيتين: الأولى تتعلق بالجهة التي تم التشاور معها، وهل شملت الحزب أو اقتصرت على الرئيس بري؟
والثانية، هل كان بري مكلفاً من الحزب الإجابة عن هذا التكليف، بالاسم والمهمة، أو أن جلّ ما تم التشاور معه فيه يتعلق بتسمية مدني من دون معرفة الاسم، على ما صرح به إلى الإعلام لاحقاً؟
عارفو الرئيس بري والعلاقة الوطيدة التي تجمعه برئيس الجمهورية، يستبعدون ألا يكون على دراية باسم سيمون كرم، بالرغم من أن أوساط عين التينة كانت نفت ذلك قبل أن يعلن بري نفسه الأمر، مقللين من أهمية الموضوع. إلا أن ردة الفعل الشديدة للحزب، والموجهة أساساً إلى قواعده وجمهوره في الدرجة الأولى، ولّدت شيئاً من الإحراج لرئيس المجلس الذي عاد وسارع إلى الإعراب عن اعتراضه، ولكن ليس على الاسم بل على المهمة والصلاحية التي ستناط بكرم داخل اللجنة. وهو لهذه الغاية، أعلن أن المهمة تتعلق حصراً بما جاء في قرار إنشائها، أي مهمة تقنية بحتة.
وفي هذا السياق، تؤكد أوساط عين التينة أن ردة فعل رئيس المجلس لم تكن على تعيين كرم بقدر ما كانت على الكلام
الإسرائيلي الصادر عن بنيامين نتنياهو ووزير الاقتصاد والصناعة، بما معناه أن اللجنة ستبحث في العلاقات والتعاون الاقتصادي بين البلدين.
موقف بري استبق كلام
الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الذي رأى أن تعيين مدني في اللجنة "تنازل مجاني ومخالفة للقانون، وسقطة إضافية شبيهة بسقطة ٥ آب"، على نحو بدا أن بري عاد والتزم موقف الحزب، بحيث عكس "الثنائي الشيعي" تراجعاً عن نتائج المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية، أو ربما الأسوأ، عدم اعتراف بها، ما يشي بأن الحزب يعيش في حالة تناقض واضحة بين ما يتم التوافق معه عليه وما يعلنه، على نحو يصبح السؤال مبرراً: هل هو صاحب قراره؟
والواقع أن التناقض لا يقف عند ما يتفق عليه مع الدولة وما يعلنه، بل يتخطاه إلى ما يقوله في خطاب واحد. ففي خطابه الأخير، هاجم قرار تعيين كرم، إلا أنه عاد وأعرب عن استعداده للتعاون مع الدولة! وترى مصادر سياسية أن هذا التناقض، فضلاً عن الاعتراضات الصادرة عن بري أو عن قاسم، تصب كلها في إطار محاكاة القواعد والبيئة!
وفي مقال ثان كتبت سابين عويس في "النهار": لا تخلو إطلالات الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم من التناقضات التي تعكس عدم ثبات الموقف الواحد للحزب، في ترجمة واضحة لما بات يُعرف بصراع أجنحة داخله، بين
تيار معتدل مؤيد للتسليم بنتائج حرب الإسناد والخسائر الفادحة التي تكبدها الحزب على مختلف المستويات، وتيار متشدد يحركه الحرس الثوري
الإيراني مباشرة، لا يزال يتشدد في مقاربة الوضع الداخلي للحزب وموقعه في السلطة. ولم يعد خافياً أن الحزب بات الآن الورقة الأخيرة لطهران على طاولة المفاوضات مع واشنطن.
وما بين التيارين، تأتي خطابات قاسم مغلفة بلغتين، واحدة تصعيدية ترضي القاعدة كما الراعي الإقليمي، وأخرى تترك الباب مفتوحاً أمام الحزب للعودة إلى الدولة والتزام سقفها. هكذا كانت الحال في أول خطاب له بعد موافقة الحزب على اتفاق وقف النار قبل عام، إذ حدد جملة من المسلمات رسم فيها سياسة الحزب، تُختصر باحترام الدستور والتزام وثيقة الطائف وانتخاب رئيس والمشاركة في الحياة السياسية، وحماية الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، مؤكداً في حينها أن التنسيق سيكون كاملا مع الجيش لتنفيذ القرار ١٧٠١، في إشارة واضحة إلى الامتثال لقرار مجلس الأمن.
لم يختلف الخطاب الأخير لقاسم عن خطابه الأول والثاني والثالث وغيرها من الإطلالات التي غالبا ما تحدثت بلغتين. فهو رفض تعيين مدني في لجنة "الميكانيزم"، معتبراً أنه "تنازل مجاني لن يغيّر موقف
إسرائيل ولا عدوانها"، مطيحا بذلك الاتفاق المسبق الحاصل بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس، ليس بصفته الرسمية فحسب، بل بصفته الحزبية والطائفية رئيسا لحركة "أمل"، الضلع الموازي للحزب في "الثنائي الشيعي"، والمكلف من الحزب بصفة الأخ الأكبر قيادة أيّ تفاوض رسمي أو غير رسمي.
في المقابل، أعرب قاسم عن تأييده خيار الديبلوماسية الذي تتبعه الدولة. والسؤال: كيف يمكن التوفيق بين الموقفين لفهم ما يريده الحزب فعلاً؟
وفي حين قال مقربون من بري إنه لم يكن على علم بالاسم المدني المقترح لترؤسوفد
لبنان في لجنة "الميكانيزم"، في محاولة لاحتواء ردة فعل الحزب، رأى البعض أن الرد مبالغ فيه، وأن الحزب لم يكن بعيداً من تلك المعلومات، فضلاً عن أن مستشار رئيس الجمهورية أندريه رحال زار بري وأطلعه على الأجواء، كما أن قنوات التواصل مع الحزب ليست مقطوعة، بل إن التشاور والحوار قائمان.
وتجزم مصادر سياسية بأن لا خيارات كثيرة أمام الحزب أو الرئيس بري غير رفع سقف الخطاب السياسي، بالرغم من موافقتهما الضمنية على التفاوض مع إسرائيل، أو كما قال قاسم اعتماد الخيار الديبلوماسي الذي يعني عملياً التفاوض.
وفي أوساط "الثنائي" من يقول إن المشكلة أنه فيما عيّن لبنان ممثلا مدنياً للتفاوض، في مسعى للجم التصعيد وتفادي الحرب التي تهدد بها تل أبيب، جاء الرد الإسرائيلي باستكمال الاعتداءات وعدم توقفها جنوباً، ما دفع بري وقاسم إلى رفض التفاوض تحت النار. كما أن
الأميركيين لم ينجحوا حتى الآن في انتزاع أي موافقة إسرائيلية على أي مطلب لبناني يسكت الداخل، مثل إطلاق أسرى أو انسحاب إسرائيلي، بل على العكس يرفضون إعطاء أي ضمانات مقابل تنازلات من لبنان، وصولاً إلى تعريته بالكامل، على طريقة الاستسلام غير المشروط.
وتعوّل مصادر حكومية على أن تحمل المرحلة المقبلة بوادر حلحلة على صعيد المطالب
اللبنانية ، تعيد شيئاً من التوازن لحماية الاستقرار، حيث يشكل التقرير الأخير للجيش عن تنفيذ المرحلة الأولى من خطته جنوب الليطاني محطة مهمة، تؤشر لإطلاق المرحلة الثانية وسط تساؤل عما إذا كان لبنان سينجح في تلك المرحلة في الاستحصال على ما يسكت الأصوات الداخلية للحزب في ما يتعلق بإطلاق أسرى أو وقف الاعتداءات أو تسجيل انسحاب من النقاط المحتلة، علماً أن الخشية تكمن في استمرار الوضع على ما هو، مع استمرار الضغط حتى تسليم السلاح!