ألقى العلامة السيّد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة.
وقال:"البداية من الاعتداءات الصّهيونيّة التي باتت ترتفع وتيرتها في هذه الأيّام تكريسًا لواقع جديد والتي شهدناها في توسّع العدوّ بعمليّات الاغتيال باستهدافها من يعملون في المجال التّربوي والبلدي وفي عودة الانذارات التي حصلت للعديد من القرى الجنوبيّة واستهدافها بعد ذلك، وفي المجزرة الّتي حصلت في مخيّم عين الحلوة والّتي حصدت عشرات من الشّهداء والجرحى فيما هو يستمرّ في استهدافه لأيّ مظهر للحياة في قرى الشّريط الحدوديّ، أو لمشاريع إعادة الإعمار. وتواكب الإدارة الأميركيّة هذه الاعتداءات لممارسة المزيد من الضغوط على الصّعيد المالي أو الاقتصادي أو السياسي، والذي جاء التعبير عنها بإلغاء الزّيارة التي كان ينوي
قائد الجيش القيام بها للولايات المتّحدة الأميركيّة... حتّى أصبح من الواضح أنّ هذه الضّغوط الّتي تمارس على الدّولة اللّبنانيّة وعلى الجيش تستهدف حثّهما على الإسراع بالقيام بالخطوات المطلوبة منهما لتنفيذ المصالح الأمنيّة للكيان الصّهيونيّ من دون أن تأخذ في الاعتبار المصالح الأمنيّة للبنان والظّروف الموضوعيّة للجيش والإمكانات المحدودة الّتي بحوزته وحرصه على أن يكون أداة استقرار للبلد لا سببًا في توتّره فيما لا يبدي الكيان الصّهيونيّ أيّ استعداد للوفاء بالتزاماته لايقاف اعتداءاته وانسحابه من المواقع الّتي لا يزال يحتلّها واستعادة الأسرى اللّبنانيّين من سجونه رغم وفاء
لبنان بجيشه ومقاومته بكلّ مندرجات قرار وقف إطلاق النّار. بل نجد لدى هذا العدو إمعانًا بزيادة اعتداءاته وتفاقمها ويسعى في الوقت نفسه لتكريس وقائع جديدة بالسّيطرة على أراضٍ لبنانيّة من خلال البناء الّذي يقوم به للجدار الاسمنتيّ على الحدود والّذي قضم فيه آلاف الأمتار من الأراضي اللّبنانيّة وهو حصل رغم اعتراض القوّات الدّوليّة الّتي اعتبرته خرقًا للقرار 1701 ورغم الشّكوى الّتي تَقدَّم بها لبنان إلى
مجلس الأمن ومن دون أن يصدر عن اللّجنة المكلّفة بالإشراف على وقف النّار أيّ مواقف شاجبة لما يحصل".
تابع:"إنّنا أمام هذا الواقع نعيد التّأكيد على الدّولة للإصرار على موقفها الحريص على أمن
هذا البلد وسيادته على أرضه وأن تستنفر جهودها على الصّعيد السّياسي والديبلوماسي وفي المحافل الدّوليّة لوقايته من أي مخاطر قد يواجهها بفعل التّغول
الإسرائيلي والتّغطية الّتي تتأمّن له، حماية لسيادة هذا البلد على كامل ترابه الّتي هي مؤتمنة عليه وأن تستنفر في الوقت نفسه كل مواقع القوّة الّتي تمتلكها حيث لا أمن يمكن أن يحصل عليه لبنان ولا سيادة بدون أن تكون لديه قوّة تسنده. إنّنا على ثقة بأنّ لبنان يمتلك المقوّمات الّتي تجعله قادرًا على الثّبات والصّمود أمام كلّ الضّغوط الّتي تمارس عليه إن هو استفاد منها وتوحّدت جهوده. إن من المؤسف ألا نشهد هذه الوحدة في مواجهة كلّ ما يحصل من استباحة للأرض والعمران ومن سفك لدماء المواطنين، وكأنّ الّذي يحصل من استباحة لا يتهدّد الدّولة أو يتهدّد سيادة لبنان على كلّ أراضيه ويمسّ أمنه، بل يمسّ طائفةً أو مذهبًا أو موقعًا سياسيًّا وعليهم وحدهم أن يتدبّروا أمرهم ويتحمّلون وحدهم مسؤوليّة ما يحدث".
أضاف:" من الخطورة أن نسمع الحديث الصّادر من أعلى موقع رسمي في الدّولة، بأنّ هناك من يسعى في هذا البلد لتأليب الخارج على الدّاخل اللّبناني لحسابات خاصّة أو مصالح فئويّة أو لكسب ودّ هذا الخارج من دون أن يأخذ هؤلاء في الاعتبار أنّ ذلك لا يسيء إلى هذا الموقع أو ذاك أو هذه الطّائفة أو تلك بل هو يسيء إلى كلّ البلد. إنّ على من يقوم بذلك أن يعي أنّ الخارج عندما يعمل هو لن يعمل لهذا الفريق أو ذاك أو لهذه الطّائفة أو تلك أو هذا الموقع أو ذاك، بل يعمل لحسابه ولحسابه فقط وسيكون من يعملون لحسابه مطية له وسيلفظهم في نهاية المطاف لأنّه لن يحترم من لم يكونوا أمناء على وطنهم وسيادته. في هذا الوقت، نعيد التّأكيد على كلّ القوى السّياسيّة والفعاليّات على الأرض بضرورة دعم الجيش اللّبنانيّ والوقوف معه لمساندته في سهره لتوفير الأمن الاجتماعيّ والأخلاقيّ وكلّ ما يهدّد سلامة اللّبنانيّين لكي يوفّروا على الجيش التّضحيات الّتي يتحمّلها من أبنائه وأبناء اللّبنانيّين كالّتي شهدناها أخيرًا".
وقال:"نبقى في الدّاخل لنعيد التّأكيد على الحكومة ألا تنسى وسط كل ذلك ما عليها القيام به تجاه مواطنيها لاسيما على الصّعيد المعيشي الّذي يتفاقم يومًا بعد يوم والإسراع بإعادة أموال المودعين وبالإعمار الّذي ينبغي أن يكون في واجهة اهتماماتها ومن أولويّاتها أو على صعيد الإصلاح الّذي نريده أن يكون قرارًا داخليًّا لا أن يدفع لبنان إليه".
ختم:" أخيرًا في ذكرى الاستقلال، نجدد الدعوة للبنانيين إلى الحفاظ على هذا الإنجاز الوطني، من خلال تعميق منطق الاستقلال في نفوسهم، الذي يواجه في هذه المرحلة أقسى التّحديات بأن يوحّدوا جهودهم ويقفوا صفًّا واحدًا في مواجهة كلّ المخاطر، الّتي تمسّ استقلال هذا البلد وحريّته وسيادته على أرضه، في الوقت الّذي علينا أن نذكر في هذا اليوم أولئك الأبطال الّذين صانوا ويصونون الاستقلال بدمائهم، وقدّموا التّضحيات الجسام ليبقى لبنان كما نريد سيّدًا حرًّا مستقلًا". (الوكالو الوطنية)