آخر الأخبار

المصارف تضغط على المودعين بعمولات باهظة.. والرقابة غائبة

شارك
لا تتوانى المصارف اللبنانية عن المبالغة في فرض رسوم وعمولات على مختلف العمليات، من سحب بسيط إلى كشف حساب أو استخدام بطاقة مصرفيّة، وسط غياب للرقابة. ورغم أنّ العمولات تُعدّ قانونيًّا جزءًا من عمل المصارف، إلا أنّ ارتفاعها إلى مستويات غير مسبوقة، جعلها عبئًا إضافيًّا على المودعين.
هذا الواقع يثير تساؤلات حول دور مصرف لبنان ولجنة الرقابة في ضبط تسعير الخدمات المصرفية، ومنع تحوّلها إلى وسيلة لاستنزاف المودعين.
الجهة القانونية المولجة بتسعير الخدمات المصرفية
يلفت الخبير في المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي في حديث لـ " لبنان 24 " إلى أنّ قانون النقد والتسليف وتعاميم مصرف لبنان يشكّلان الإطار القانوني الناظم لعمل المصارف، ويمنحان المصرف المركزي والهيئة المصرفيّة العليا صلاحيات واسعة، من توجيه التنبيهات إلى المصارف، وصولاً إلى إقالة رؤساء مجالس الإدارة وتعيين مديرين مؤقّتين، في حال الإخلال بالقوانين أو مخالفة التعاميم.
لكنّ الواقع، يُظهر أنّ العديد من المصارف تتمادى في فرض رسوم وعمولات غير مبرّرة، أبرزها العمولات على إيداعات وسحوبات الكاش، ورسوم صيانة الحسابات، حتّى على الحسابات التي لا يستطيع أصحابها الوصول إلى أرصدتها. ويروي أحد المودعين أنّه يُجبر على دفع 31 دولارًا شهريًّا كرسوم صيانة لحسابات مجمّدة لا يمكنه استخدامها، كما يواجه مشكلة تتعلّق ببطاقة مصرفيّة قديمة مرتبطة بحساب على سعر صرف 15,000 ليرة لبنانية ، لكنّه لا يعمد إلى إلغائها خشية صعوبة الحصول على بطاقة جديدة، في ظلّ التعقيدات المصرفيّة الراهنة.
العمولات ما قبل الأزمة
يلفت فحيلي إلى أنّ العمولات بحدّ ذاتها قانونيّة، لكن حجمها تخطّى المنطق والقانون، مشيرًا إلى أنّ جمعية المصارف كانت تمتلك سابقًا لجنة متخصّصة في وضع جداول موحّدة للعمولات"كانت هذه الجداول تميّز بين الحسابات بالليرة والدولار، وبين حسابات الأفراد والمؤسسات، كما كانت تفرّق بين الحسابات المشتركة وغير المشتركة، والناشطة والمجمّدة. كانت الحسابات الناشطة تشكّل مصدر دخل للمصارف من خلال حركة الشيكات وبطاقات الائتمان، بينما الحسابات المجمّدة لا تؤمّن أيّ إيرادات بل تكلّف فوائد مرتفعة. على هذا الأساس كانت تُحدَّد العمولات، وكانت المصارف تلتزم بهذه المعايير إلى حدّ كبير، تماماً كما كانت تلتزم بالجدول الصادر عن الجمعية للفوائد الدائنة والمدينة، مع بعض الفوارق الطفيفة بين مصرف وآخر".

لجنة الرقابة تحذّر والمصارف تتجاهل

قبل أيام، أصدرت لجنة الرقابة على المصارف المذكرة رقم 4/2025، شدّدت فيها على ضرورة الالتزام بعدم فرض أي رسوم أو عمولات جديدة على حسابات الودائع بالعملات النقدية أو غير النقدية، مقارنة بما كان معمولًا به قبل 31 تشرين الأول 2019، وعدم زيادة الرسوم المعتمدة سابقًا. كما طلبت عدم تعديل شروط استيفاء الرسوم على الحسابات الراكدة. لكن برغم تنبيهات وتوجيهات لجنة الرقابة على المصارف بوقف بعض هذه الممارسات، ما زالت المصارف تلجأ إليها وفق فحيلي "بهدف تعويض غياب الإيرادات الناتجة عن التوقف شبه الكامل للإقراض، فتحقق أرباحها من العمولات المفروضة على الحسابات شبه الميتة، في محاولة لتعويض الخسائر على حساب المودعين، في تعدٍّ واضح على القوانين".

عمولات على تعاميم مصرف لبنان

رغم أنّ المصارف تحتجز الودائع منذ تشرين عام 2019، وتمنح المودعين بعض الفتات وفق تعاميم مصرف لبنان، تُظهر قدرة "خلاّقة" على تحصيل عمولات حتى من خلال تعاميم المركزي يلفت فحيلي"فمثلاً، بعض المصارف فرضت على المودعين الراغبين بالسحب بموجب التعميم 158 الحصول على بطاقة مصرفيّة جديدة خاصة بهذا التعميم، وأبقت البطاقة القديمة للحسابات الفريش أو غيرها، ما أتاح لها فرض عمولات إضافيّة خلافاً لما تنص عليه التعاميم، التي تمنع وضع أيّ عمولة على العمليات المرتبطة بها. في هذه الحالة، تقع المسؤولية على لجنة الرقابة على المصارف لوضع حدّ لهذه التجاوزات وضبط تطبيق التعاميم بدقّة ،خصوصًا أنّ لديها صورة دقيقة عن المصارف التي تفرض رسومًا غير منطقية. أمّا في ما يتعلّق بالتعميم 151، فيجب إيقاف السحوبات بموجبه على سعر 15 ألف ليرة،بعدما أصبح سعر المنصة 89,500 ليرة".
نحو تدقيق جنائي..
حول دور مصرف لبنان لفت فحيلي أنّ حاكم مصرف لبنان أطلق مناقصة لاختيار مؤسسة للتدقيق الجنائي "لكن لا نعلم حدود هذا التدقيق، وما إذا كان سيشمل حسابات بعض المصارف أو ممارساتها". أضاف فحيلي"ما لم تُفعّل لجنة الرقابة صلاحياتها وتضرب بيد من حديد، ستبقى شهية المصارف مفتوحة على تجاوز التعاميم وتخطّي الحد الأدنى من المناقبيّة المصرفيّة".مضيفًا أنّ التراخي في فرض العقوبات شجّع المصارف على التمادي أكثر "حتى بلغ الأمر حدّ أن الخزانة الأميركية هي من كشفت قضية تبييض أموال في أحد المصارف اللبنانية، قبل أن تكتشفها الهيئات المحلية، ما يعكس ضعف المتابعة من جانب مصرف لبنان ولجنة التحقيق الخاصة".وأشارأيضًا إلى أنّ بعض المصارف تستقبل ودائع دون التحقّق من مصادرها، مكتفية بتصريحات الزبائن، في مخالفة مباشرة لمعايير مكافحة تبييض الأموال المعتمدة عالميًّا.
تنظيف الودائع!
كشف فحيلي عن تسرّب معلومات حول مشروع قانون جديد يُعرف باسم "تنظيف الودائع من الودائع الملوّثة"، تشارك في صياغته لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان ووزارتا المالية والاقتصاد "ويُفترض أن يهدف هذا المشروع إلى تنقية النظام المصرفي من الأموال غير النظيفة، لكنه يسعى فعليًّا إلى تخفيف مسؤولية المصارف والدولة تجاه المودعين، من خلال تقليص حجم الالتزامات الماليّة المترتبة عليهم".
في المحصّلة، تعكس عمولات المصارف الباهضة عمق الأزمة التي يعيشها القطاع المصرفي، بفعل غياب المساءلة وضعف الرقابة. فالمصارف التي علّقت حقوق المودعين ما زالت تُراكم الأرباح من رسوم تتجاوز المنطق، فيما تستمر الهيئات الرقابية في إصدار قرارات بلا تنفيذ.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا