كتب ميسال نصر في" الديار": في لحظة لبنانية جاءت انتخابات نقابة المحامين في
بيروت لتخطف الأضواء، ولتؤكد مجددا أن هذا الاستحقاق النقابي هو أكثر من مجرد عملية انتخاب داخل جسم مهني.
وسط المشهد المعقد، برز فوز مرشح "القوات
اللبنانية " عماد مارتينوس بمنصب نقيب المحامين، كمحطة استثنائية تحمل دلالات تتجاوز البعد النقابي، إلى حسابات سياسية وقضائية دقيقة وحساسة.
اوساط نقابية رأت ان اختيار المحامين لمارتينوس لم يكن حدثا عابرا، بل جاء في سياق تراكم إحباط المحامين من التعديات المتكررة على
القضاء ، ومن تراجع دولة القانون، ومن الانهيار الذي أصاب "قطاع العدالة" بشكل مباشر.
على الجهة المقابلة، تعترف مصادر "خصوم القوات" ان النتيجة سلطت الضوء على مأزق القوى المعارضة التقليدية، التي لم تستطع توحيد جهودها خلف مرشح واحد، ما أعطى "القوات" أفضلية تنظيمية، وحضورا واضحا في صناديق الاقتراع.
من هنا ، يرى كثيرون ان التحدي الأساس امام معراب، سيكون التأكيد على استقلالية النقابة وعدم تحويلها إلى موقع صدامي مع الأطراف الأخرى، رغم أن جزءا من قواعدها يرى في الفوز فرصة لتعزيز خطاب المواجهة مع السلطة.
إن انتصار "القوات" ليس مجرد فوز في معركة مهنية، بل هو مؤشر سياسي - قضائي على اتجاهات جديدة بدأت تتشكل في
لبنان ، وربما تشكل ملامح مرحلة مقبلة ستكون فيها النقابات أكثر حضورا، وأكثر تأثيرا، وربما أكثر اشتباكا مع السلطة.
وكتب اسكندر خشاشو في" النهار": حملت انتخابات نقابة المحامين في بيروت الأحد الماضي أكثر من دلالة، إذ انتهت بفوز عماد مرتينوس المدعوم من حزب "القوات اللبنانية" والحزب التقدمي الاشتراكي، في مواجهة إيلي بازرلي المدعوم من الكتائب و"
التيار الوطني الحر " وجزء من "الثنائي الشيعي".
أسفرت الانتخابات عن مجلس نقابة يضم عضوًا واحدًا من الطائفة الدرزية هو نديم حمادة، فيما ذهبت المقاعد السبعة المتبقية لمرشحين مسيحيين، وغاب تمثيل السنّة والشيعة. ودخل المجلس عضوان حزبيان فقط هما موريس الجميل عن الكتائب وإيلي حشاش عن "القوات اللبنانية"، في مقابل مجموعة من المستقلين الذين حظوا بدعم غير مباشر من القوى السياسية، ولا سيما "القوات".
تكشف النتائج عن دور بارز لجيل الشباب في النقابة، وهو الجيل الأكثر قربًا من خط "القوات"، كما تعكس تقدم مفهوم الاستقلالية داخل الأجسام المهنية. فقد تبيّن أن الكثير من الناخبين لم يلتزموا قرارات أحزابهم، وخصوصًا "
تيار
المستقبل ".
في المقابل، بدا "الثنائي الشيعي" في وضع انتخابي مضعضع، إذ لم يتمكن من إيصال أي مرشح إلى المجلس، إضافة إلى أن امتعاضه من عدم التمثيل دفع بعدد كبير من محاميه إلى عدم الاقتراع. وظهر أن فئة غير قليلة من المحامين استجابت لحملة التحشيد المسيحي التي قادتها "القوات"، والتي صورت المعركة على أنها مواجهة بينها وبين تحالف يضم كل القوى الأخرى، من الكتائب وصولًا إلى الثنائي، وهو خطاب ساهم في رفع التعبئة لدى جمهورها.
وعن التباعد الذي ظهر بين "القوات اللبنانية" والكتائب خلال الانتخابات، تقول مصادر الحزبين إنه بقي ضمن الإطار النقابي ولم يترك أثرًا بنيويًا في العلاقة السياسية بين الطرفين، على الرغم من بعض الندوب.
وكتبت لينا فخر الدين في" الاخبار":
كان واضحاً أنّ التحالف الهجين الذي لم ينجح في إيصال مرشّح الكتائب إيلي بازرلي كان هشّاً، إذ لم يجتمع أطرافه على مشروع نقابي حقيقي بقدر ما جمعهم هدف مزدوج: إسقاط «القوات»، وتأمين فوز مرشّحيهم. وهذا النهج بات سمة عامة في السنوات الأخيرة، بعدما تحوّلت الاستحقاقات النقابية إلى مختبر للنخبة، تُقاس عبره اتجاهات الشارع وتُستثمر نتائجه سياسيا. لذلك، لم يكن مستغرباً أن يجتمع الكتائب مع
التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل في تحالفٍ واحد. لكنّ إخفاق معظم هؤلاء في إيصال مرشّحيهم - بخلاف «القوات» - كشف أنّ هذا التحالف كان عبئاً على مرشّحيه أكثر ممّا كان رافعةً لهم، خصوصاً أنّ الحزبيين داخل النقابة لا يتجاوزون ثلث الهيئة الناخبة، فيما يمتلك «القوات» والكتائب وحدهما كتلتين تقارب كلّ منهما 700 صوت.
ويُجمع مسؤولون حزبيون على أنّ اتّساع التحالفات يشتّت القدرة على ضخّ الأصوات في اتجاه واحد، وهو ما بدا واضحاً في عجز الصيفي عن الإيفاء بوعودها تجاه حلفائها.
فقد انصبّ تركيز الكتائب على دعم مرشّحيها الأساسيين: إيلي بازرلي لمركز النقيب، وموريس الجميّل للعضوية، وتأمين «سكور» مرتفع لهما، فيما توزّع الفائض على الحلفاء بنِسَب أدنى. وتزيد بعض الماكينات على ذلك باتهام «الكتائبيين» بعدم إعداد لائحة كاملة تضمّ أسماء مرشّحي الحلفاء.
ونتيجة ذلك، خسر مرشّح
التيار وسيم بو طايع، وحلّ كعضو رديف بفارق يقارب 215 صوتاً عن الجميّل، رغم استفادته من تحالف مع تيار المستقبل في ضوء التعاون بينهما في انتخابات نقابة
الشمال ، رغم أن «التيار الأزرق» نفسه لم ينجح في ضبط قاعدته الانتخابية للتصويت لمرشّحٍ عوني.
في المقابل، ترى الماكينات الحزبية داخل النقابة أنّ تخلّي الكتائب عن التزاماتها لم يكن نتيجة تعدّد التحالفات بحدّ ذاته، بل بسبب «أزمة التزام» حقيقية تنقسم إلى شقّين:
الشقّ الأول يرتبط بـ«اللعبة الانتخابية» التي تمارسها الصيفي عادةً، والمتمثّلة بإعطاء وعود تفوق قدرتها على التجيير، وعدم الالتزام الكامل مع الحلفاء، خلافاً لـ«القوات» التي، إن وعدت تفي.
الشقّ الثاني يعود إلى التشرذم داخل القاعدة الكتائبية نفسها بسبب اعتراضات على «فرض» ترشيح بازرلي الذي كان يُحسب سابقاً على التيار الوطني الحر، ما أدى إلى تشتّت الأصوات وأسهم في خسارته. وفي هذا السياق، كان لافتاً وقوف النقيب السابق النائب الأول لرئيس حزب الكتائب، جورج جريج، وهو يرفع علامة النصر إلى جانب مارتينوس. إذ بدا وكأنّه يثأر من قيادة الحزب عقب إبعاده عن موقعه. وجريج ليس نقيباً سابقاً وقيادياً كتائبياً فقط، بل صاحب قدرة تجييرية مؤثرة بين المكاتب الكبيرة والمحامين القدامى.
في مقابل التشرذم الكتائبي لم يكن وضع حلفاء الصيفي أفضل. فقد أثبت
حزب الله وحركة أمل، في السنوات الماضية، عجزهما عن رسم إستراتيجيات فعّالة أو إتقان اللعبة الانتخابية داخل نقابة باتت عصيّة عليهما، خصوصاً بعد أكثر من 12 عاماً على غياب التمثيل الشيعي عن مجلسها. هذا الفشل سبق أن قاد «أمل» قبل عامين إلى اتخاذ إجراءات عقابية بحق عدد من المحامين لعدم الالتزام بالقرارات الحزبية.
على المقلب الآخر، جاءت خسارة «المستقبل» أكثر دوياً، بعدما وجد نفسه في «اللحظة الأخيرة» بلا أي تحالف جدّي مع القوى الحزبية الأخرى. فقد رفضت «القوات» منح أصواتها لمرشّحه إلى العضوية، توفيق النويري، إلا مقابل
التزام علني من «التيار الأزرق» بدعم مارتينوس والحشّاش من
الدورة الأولى، وهو ما رفضه «الحريريون» التزاماً بتفاهمهم مع التيار الوطني الحر، بعد دعم «العونيين» لمرشّحهم إلى مركز النقيب في انتخابات نقابة المحامين في الشمال. ورغم أنّها الخسارة الأولى للمستقبل منذ أكثر من 23 عاماً، يدرك قياديوه أنّ ثمن إيصال النويري كان نقض تحالفهم مع «التيار»، ما سيكلّفهم أثماناً سياسية في الاستحقاقات المقبلة.
أثبتت انتخابات نقابة المحامين أنّ الكلمة الأقوى تبقى للمستقلين، الذين أسهموا للمرة الأولى في تاريخ النقابة برفع عدد المقترعين إلى أكثر من 5 آلاف من أصل 7 آلاف محامٍ سددوا اشتراكاتهم. وقد انعكس هذا بوضوح في فوز النقيب الجديد عماد مارتينوس، الذي نجح في جذب المستقلين والساعين إلى إصلاحات حقيقية داخل النقابة.