آخر الأخبار

لبنان جمهوريّة السيّارة... العجقة أكثر من أزمة سير!

شارك
منذ انتهاء الحرب الأهليّة وحتّى اليوم، يعاني لبنان من غياب أيّ سياسة نقل عام فعّالة، ما جعل التنقّل في يوميّات اللبنانيّين تحدّيًا دائمًا. فالطرقات مكتظة، والسيّارات في ازدياد، والبنى التحتية تنهار، فيما تغيب الدولة عن المعالجة الجذريّة، وتكتفي بإجراءات لا تؤدّي إلى تغيير جذريّ، على أمل أن تكون المبادرات الخجولة الّتي اتّخذتها مؤخّرًا بداية الحلّ، وأبعد من مجرّد عشرات الباصات العامّة.
في التسعينيّات، ركّزت الحكومات على إعادة تأهيل الطرق المدمّرة، لكن من دون أيّ تخطيط شامل للنقل. فلم تُؤسَّس شبكات متكاملة، ولا مسارات منظّمة، كما ازداد البناء العشوائيّ في بيروت وضواحيها، وامتلأت الطرق السريعة باتجاه الشمال ، والجنوب، والبقاع من دون أن تواكب الحاجة الفعليّة، أو التغيرات السكانيّة. وكذلك، زادت السياحة والنزوح الضغط على المرفقات الطرقيّة.
من ناحية أُخرى، ورغم تحذيرات مبكّرة من مجلس الإنماء والإعمار منذ العام ١٩٩٣، حول الازدحام، لم تبنَ أي استراتيجيّة مستدامة. بالعكس، شجّعت الدولة على اقتناء السيارات عبر سياسات ضريبيّة محفّزة، واستثمارات ركّزت على توسيع الطرق، لا تطوير النقل العامّ. فكانت النتيجة واضحة، فمع حلول أواخر التسعينيّات، كان ٧٠٪من التنقّل في بيروت الكبرى بالسيارات الخاصّة. أمّا النقل الجماعيّ، فاقتصر على نسبة هامشيّة، ومعظمها بـ"ڤانات" خاصّة وعشوائيّة. واليوم، لا يزال المشهد كما هو: السيارة خيار إجباريّ لا ترفًا، إذ لا تصل شبكات النقل إلى الشوارع والطرقات الفرعيّة، والطرقات الجبليّة.
كما أنّ "ثقافة السيارة" تحوّلت إلى معيار للأمان، والحرّيّة، وحتّى المكانة الاجتماعيّة. وما يزيد الأمر سوءًا، أنّ الدولة تعتمد ماليًّا على ضرائب الوقود، واستيراد السيارات، ممّا خلق حلقة مفرغة، فكلما زاد الاعتماد على السيارة، زادت مداخيل الدولة، ما يدفعها إلى تجاهل فكرة النقل المشترك أو دعمها بشكل جدّيّ.
إنّ الطرقات اليوم ساحة صراع بين "السرفيس"، الباصات، التاكسي، الشاحنات، والدراجات. لا محطات، لا تنظيم، ولا مسارات ثابتة. والتوقّفات عشوائيّة، والسرعات مفرطة، والفوضى تسود. والنتيجة؟ وقت ضائع، وأعصاب متوتّرة، وكلفة اقتصاديّة هائلة.
فبحسب إحدى الدراسات، يكلّف الازدحام لبنان سنويًّا حوالي ١٥٪ من الناتج المحلّيّ، عدا عن التأثيرات السلبيّة على الإنتاجيّة، وأسعار السلع. فالمواطن يخسر وقته، وربّ العمل يخسر موظّفيه، والشركات تخسر زبائنها. أمّا العائلات فتغيّر مكان سكنها لتتكيّف مع الواقع المرير، وطلاب وعمّال يضطرّون للبقاء في العاصمة خلال أيّام الأسبوع.
صحّيًّا، فالوضع أسوأ. إذ أنّ تلوّث الهواء في بيروت تجاوز معايير منظّمة الصحّة العالميّة. وتشير التقديرات إلى حوالي ٨٠٠ وفاة سنويًّا بسبب أمراض مرتبطة بالتلوّث، خصوصًا الجهاز التنفسيّ والقلب. ولا حلول بيئيّة، ولا خطط صحّيّة جدّيّة.
ختامًا، رغم سوداويّة المشهد، ظهرت مبادرات خجولة في ٢٠٢٤ و٢٠٢٥، مع إطلاق خطوط حافلات جديدة. خطوة إيجابيّة، لكنّها غير كافية. فالمطلوب خطّة شاملة تتضمّن إصلاح ضريبيّ، وتوجيه الأموال نحو النقل العامّ، وتحديث الأسطول، وتنظيم المواقف، وتطوير الممرّات للدراجات الناريّة، وحتّى التفكير بميترو، أو ترام مستقبلًا.
لبنان أمام خيار واضح... إما الاستمرار في دعم " جمهورية السيّارة"، أو بناء منظومة نقل جماعيّة تُعيد للمواطن رفاهيته الحقيقيّة، وتُحسّن حياته، وتخفّف من الضغط الاقتصاديّ والمعيشيّ.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا