آخر الأخبار

سلام: المطلوب كسر الذهنيّات الذكوريّة وفتح المجال أمام النساء

شارك
قال رئيس الحكومة نواف سلام خلال مشاركته في مؤتمر “نساء على خطوط المواجهة”، تجمعنا اليوم مؤسّسة تحمل اسم مي شدياق، امرأة حرة شجاعة، حاول البعض إسكاتها مرارًا وتكرارًا ... فلمّا عجز، لجأ إلى العنف، ظنًّا منه أنّه سيطفئ بريقها. إلّا أنّ مي، لم تُرهب او تستسلم فحوّلت الجرح إلى منبر، والألم إلى التزام . إلى مي شدياق، كلّ التحيّة وكلّ الاحترام.
وتابع: كما ناضلت مي، ناضلت عشرات النساء في لبنان سياسيًّا واجتماعيًّا وفكريًّأ منذ عقود. فكيف لا نذكر ابتهاج قدورة، مؤسسة جمعية "يقظة الفتاة العربية"، تلك الرائدة التي بدأت نشاطها دفاعاً عن قضايا المرأة وحقوقها في بلادنا حتى قبل قيام دولة لبنان الكبير. فبنضالها وبنضال نساءٍ من جيلها مثل جوليا طعمة وعنبرة سلام الخالدي، انتزعت المرأة اللبنانية حقّها في الاقتراع والترشّح عام 1952، فمهّدت الطريق لأجيالٍ تجرّأت على خوض الميدان العام. ومن بين هؤلاء كانت إميلي فارس إبراهيم، أوّل من ترجم هذا الحقَّ إلى فعل، فترشّحت للانتخابات النيابية عام 1953، لتجسّد بشجاعتها قولًا وفعلاً ما نادت به رفيقاتها في الكفاح، ولتؤكّد أنّ مشاركة المرأة في القرار الوطني ليست ترفًا، بل شرطًا لنهضة البلاد. ومع مرور العقود، انتقل مشعل النضال إلى جيلٍ جديدٍ من النساء. ففي زمن الحرب والانقسام، كانت مثلاً ليندا مطر تُدافع من خلال "رابطة حقوق المرأة اللبنانية" عن كرامة النساء العاملات وتنادي بالمساواة في الفرص، كما شاركت في تمثيل لبنان في أبرز المحافل الدولية، مثل مؤتمر بكين العالمي عام 1995. وإلى جانبها برزت لور مغيزل، المحامية التي جعلت من القانون سلاحها الأمضى في الدفاع عن حقوق الإنسان، وعملت على تحديث تشريعاتنا لتنسجم مع احكام اتفاقية "سيداو"، كما آمنت بأنّ الإصلاح لا يكتمل ما لم تُصن حقوق المرأة في صميم الدستور والقوانين.
واضاف: لم يكن انخراط المرأة في السياسة مجرّد سعيٍ إلى تمثيلٍ رمزيّ أو مقعدٍ إضافيّ في البرلمان ، بل كان فعلَ انتماءٍ ومشاركةٍ في صياغة مصير الوطن. فمنذ نهاية الحرب في لبنان، لعبت النساء دورًا محوريًّا في إعادة البناء السياسي والاجتماعي، وكنّ في طليعة الحركات الطلابيّة والنقابيّة والمدنيّة التي طالبت بالإصلاح والمساءلة. وكانت النساء في الساحات كما في المنابر، يهتفن ويكتبن وينظّمن دفاعًا عن الكرامة والعدالة وفكرة المواطنة الجامعة التي بها وحدها ينهض الوطن بين شركاء متساوين، نساءً ورجالاً. ولكن، رغم هذا التاريخ العريق من النضال، يبقى تمثيل المرأة في البرلمان متدنّيًا إلى حدٍّ لا يعبّر عن مكانتها الحقيقية في مجتمعنا، ولا عن حضورها الفاعل في الفكر والثقافة والإدارة. فالواقع ان النساء لا تتمثّل في المجلس النيابي، سوى بثماني نائبات من أصل 128، أي حوالى 6.3%، في حين يقترب المتوسّط العالمي من 26%. فالفجوة واضحة، والخلل بنيويّ. طبعاً، العقبات ليست في غياب كفاءة النساء، بل في منظومةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ ما زالت تحكمها ذهنيّاتٌ ماضوية، ذكوريّة ومتخلفة، ممّا يقوّض إمكانات الإصلاح الحقيقي. ففي انتخابات 2022، تعرّضت مثلاً مرشّحات كثيرات لحملات عنفٍ رقميّ وتحقيرٍ جندري، طالت شكلهنّ وصوتهنّ وأسلوب كلامهنّ، بل ووصلت أحيانًا إلى مستوى التحريض الشخصيّ والجنسيّ. لكن التحدّي الحقيقي ليس فقط في صعوبة الوصول إلى الموقع، بل في كيفية تعاطي بعض رجال السياسة وبعض المجتمع مع المرأة قبل أن تصل، وحتى حين تصل.
وقال: إنّ واجبنا اليوم هو كسر هذه المعادلة. ففي مكتبي اليوم، عدد النساء يفوق عدد الرجال. وفي حكومتي، هناك خمس وزيرات يعملن في مجالاتٍ مختلفة، من البيئة إلى التربية، ومن السياحة والشباب والرياضة إلى الشؤون الاجتماعية. وهنّ جميعًا، صاحبات رؤية وكفاءة عالية. لكن هذا لا يكفي. فالمطلوب سياساتٍ وتشريعاتٍ تفتح باباً أكبر أمام النساء، لا بل تشجّعهن على المشاركة الفاعلة في الحياة العامة. فتمكينُ المرأة في السياسة والإدارة العامة ليس منّةً، بل هو شرطٌ أساسيّ لنهضة لبنان، وقيام دولةٍ حديثة، دولة قانون ومؤسسات، دولة تحترم مبدأ المساواة التامة بين النساءً والرجال. وكانت "الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب" التي ترأسها الوزير فؤاد بطرس، وكان لي شرف عضويّتها وتكليفي بأمانة سرها، قد تبنّت في مشروع القانون الذي وضعته عام 2006 حلًّا واقعيًّا لتذليل العقبات من أمام تمثيل المرأة في المجلس النيابيّ عبر إلزام اللوائح الانتخابيّة، ولدورتين انتخابيّتين متتاليتين على الأقلّ، بأن تضمّ ثلث مرشّحيها من النساء، من دون تقييدٍ مذهبي أو مناطقيّ. ولو طُبِّق هذا الإصلاح البسيط، لَكنّنا قد شهدنا ارتفاعًا حقيقياً في نسبة تمثيل المرأة، من دون الحاجة إلى تخصيص مقاعد لها في المجلس، سيما ان في ذلك ما يزيد الأمور تعقيداً في ظلّ التوزيع المذهبي والمناطقيّ الحاليّ للمقاعد النيابية.
وتابع: لكن التحدي أمام مشاركةٍ نسائيةٍ أوسع، مشاركة تليق بتاريخ لبنان وبطموحاتنا، لا يقف، للأسف، عند السياسة وحدها، بل يتجاوزها إلى المجالين الاقتصاديّ والاجتماعي. فالمرأة لا تشكّل سوى نحو 27.5% من القوى العاملة، مقابل حوالي 51% عالميًّا، كما تعود في لبنان اليوم اقل من 10% من ملكيّة الشركات الى النساء.
ولعل الأهم هو انه لا يزال علينا أن نعمل بجدّية تامة لحماية نسائنا وبناتنا من مشهد أكثر ظلماً وظلاميّة، إذ ان النساء تشكّل اليوم أكثر من 80% من ضحايا العنف الرقميّ في لبنان، فضلًا عن المُعنَّفات في منازلهنّ، بسبب عقليّاتٍ متخلفة لم تتغيّر بعد. وبهذا الخصوص، لا مجال لأيّ تهاونٍ مع معنِّفٍ أو متحرّشٍ، كائنًا من كان، زوجًا أو قريبًا أو غريبًا.
وبالرغم من هذا الواقع، تبرز كل يوم مبادرات ونجاحات لنساءٍ لبنانيّات رائداتٍ في شتى المجالات من التجارة الإلكترونيّة والذكاء الاصطناعي، الى الطب والعلوم وغيرها.
هنّ الآمل ... ولا بد للمستقبل ان يبتسم لهنّ.
وختم: اسمحوا لي في الختام ان اتوجّه الى كل نساء لبنان، لأدعوهنّ الى المشاركة الكثيفة في الانتخابات القادمة ، ترشيحاً واقتراعاً ... وانا واثق انهنّ لن يتخلّفن عن هذا الموعد.
انه موعدنا جميعاً مع التاريخ ... لنصنع معاً مشهداً مختلفاَ ومستقبلاً واعداً.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا